العدد 158 - الإثنين 10 فبراير 2003م الموافق 08 ذي الحجة 1423هـ

الخليج على كفّ عفريت

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

تلك حقيقة واقعية نحن نسير نحو المجهول، والمنطقة مقبلة على خضة سياسية كبرى لا يعرفها إلا الله والراسخون في دهاليز السياسة. والشيء المؤكد انها لن تكون لصالح العرب والمسلمين والذين سيدفعون الثمن هم المسلمون والدول الإسلامية. فالتوقعات الاستشرافية لحجم الكلفة التي ستقع مخيفة ومرعبة، ستصيب موازنة دولنا العربية وخصوصا الخليجية في مقتل، فالحرب إذا استمرت 3 أسابيع فإنها ستكلف 200 مليار دولار، وإذا وصلت 6 أسابيع فستكلف 400 مليار دولار.

بالطبع، نحن الذين سندفع الفاتورة، والسؤال الملح: لماذا لا تنفق هذه الأموال على البنى التحتية لشعوب المنطقة، خصوصا ان اقتصادات الخليج أصيبت بنكسة مع حرب الخليج الأولى والثانية وأوقعتها في مديونية كبرى؟

لعل القيمة الإيجابية للحروب هو كشفها عن ذلك المخزون المالي المغطى بتبريرات «العجز» التي نسمعها دائما عبر تصريحات الوزراء والمسئولين في هذه الدول.

مجتمعاتنا الخليجية تعاني من بطالة وفقر، على رغم وفرة آبار النفط، ولكن كل ذلك لم يشفع لدولنا حل هذه الملفات.

للأسف، وعبر القرن الماضي اتخمت خزائن دولنا العربية أموالا ضخمة ومليارات الدولارات، ولكن على رغم كل ذلك لم نوفق إلى تنمية حقيقية أو مجتمعات متوازنة ماديا، فالمال زادنا ضعفا وطبقية. لن أقول المال وإنما سوء توزيع الثروة، وهذه حقيقة نلحظها في مجتمعاتنا العربية.

لقد أصبحنا جميعا في مرمى الهدف، وكأننا في الحقبة الأخيرة من تاريخ الدولة العربية في الأندلس، وقد تقع دولنا العربية بعد الحرب في مأزق الفقر والمديونية ويصبح حالنا حال دول أميركا اللاتينية، تمتلئ نفطا وموادا خامة، غير انها تبقى دائما في فقر. نحن لا نعلم إلا الشيء القليل مما تفكر فيه الولايات المتحدة الأميركية، ولكن ما هو واضح انه ان وقعت الحرب فستكون هناك ضحايا وبالمئات، وليس شرطا إن يكون من العراقيين فقط، فالحروب لا يمكن ضبط إيقاعها وعيارها وما تخشاه الدول والجماهير هي الأمور غير المعلنة والمفاجئة، وهل يمكن ضبط العملية من دون استخدام مواد كيماوية قد تأتي على الجميع؟ هذا ما لم يجب عليه أحد.

الولايات المتحدة لديها أسلحة الكترونية جديدة تريد أن تجربها علينا كفئران وقطط، فستصبح المنطقة حقلا لتجارب جديدة لأسلحة متطورة ولمواد بيولوجية وغيرها. للأسف نحن ليس عندنا قوة أو اعتزاز بقيمنا أو بثوابتنا في هذه المنطقة، فكوريا الشمالية تحدّت أميركا وراحت معلنة إعادة تشغيل منشآتها النووية من جديد، من دون ان تستفزها تلك التهديدات الأميركية.

نعم، كما قالت إحدى المجلات الإيطالية مفصحة ان الهدف الأول والأساسي من كل الحملة هو النفط، فقد نقل عنها عبدالله النفيسي بعض المعلومات الدقيقة والواقعية، منها: إن معظم أركان إدارة بوش وبوش نفسه من الناس المشتغلين في تجارة النفط، فعائلة بوش من العائلات الكبيرة في ولاية تكساس المشتغلة في استثمارات النفط التجارية.

- جورج الأب يعمل الآن في شركة نفط عالمية (مجموعة كارلايل) ومندوبها الحالي في القارة الأوروبية هو رئيس وزراء بريطانيا السابق، جون ميجور!!!

- مستشارة بوش الحالية، كوندليزا رايس، كانت موظفة في شركة (شيفرون) النفطية الأميركية الشهيرة.

- نائب بوش الحالي، تشيني، «كان» يعمل مديرا للشركة النفطية العملاقة (هاليبرتون)، وقد أهدته 34 مليون دولار بعد أن ضمن لها عقدا مع الحكومة العراقية لاستصلاح المنشآت النفطية العراقية بعد توقيع العراق اتفاقه مع الأمم المتحدة (اتفاق النفط مقابل الغذاء) في منتصف التسعينات.

فعلا كما قال: «إنه النفط». فالقضية ليست حقوق إنسان أو ديمقراطية يريدون فرضها على العراق. إن هناك منفعة أميركية خاصة ومحاولات جادة للإمساك بالمنطقة. والذين سيدفعون ثمن كل الكوارث من احتلال أمني وسياسي وكوارث بيئية وضحايا بشرية وأمراض سرطانية وفتن داخلية وخسائر، بل وانهيار مالي هم الدول العربية، وخصوصا الخليجية. نحن مقبلون على حرب لا تبقي ولا تذر لكننا - للأسف الشديد - محجوبون علميا عن مدى خطورة النتائج فلعلها تكون حربا عالمية ثالثة، خصوصا ان كل العملية تهدف إلى ابتلاع الكعكة العربية لتوضع في بطن الولايات المتحدة، وفي ذلك تهديد مباشر حتى لمصالح الغرب، هذا إذا تمكن الغرب أن يخرج من صمته ومن حال التهميش التي فرضتها أميركا عليه بعد سيطرتها على العالم بعد انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء الحرب الباردة.

للأسف، العراق لم يترك له صديقا في المنطقة، فهو المسبب لذلك الألم الشعبي الداخلي وتلك الصورة السوداوية التي تكرست ضده خارجيا بسبب انتهاكه لحقوق الإنسان في العراق، وبسبب إدخال الشعب في دوامات عنف وحروب إلى الآن لم يخرج منها.

ولكن كل ذلك يجب ألا يكون مبررا لإدخال المنطقة في حرب طاحنة، فالقضية قضية مصالح وتسلط وليست قضية مبادئ و(أمة عربية) و(وحدة عربية) و... الجميع يلعب سياسة وبمنطلق حساب مصالح، بمن فيهم العرب وآخر ما يفكر فيه هم الشعوب والجماهير، فطالما ذُبحت الجماهير داخليا وليس خارجيا، ولم نسمع عن قلم تكلم أو إعلام أدان والجلود تتبدل بحسب الزمان، فأميركا التي تذرف الدموع اليوم على الشعب العراقي هي التي بالأمس رفضت بث «شريط الفيديو» عن مأساة حلبجة عندما تعرضت هذه المنطقة لضرب كيماوي، إذ رفضت بثه في CNN عندما قدمته لها إحدى الأحزاب الكردية بذريعة «انها لا تتدخل في القضايا الداخلية للدول»، اليوم بدأت تهتك عذرية كل شيء في العراق بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل غاضة الطرف عن التسلح النووي لإسرائيل.

لا فرق بينها وبين الغرب، فهم يلتقون على ذبحنا، فهم يختلفون ولكن يلتقون على حرب المسلمين. الأمين العام للحلف الأطلسي زار - سابقا - موسكو بعد ان طرحت بعلانية خيار استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد المسلمين في الشيشان، وصرح للصحافة الروسية والإعلام «ان من حق روسيا حماية أمنها وحفظ أراضيها ومكافحة الارهاب». وهو ضوء أخضر يقدم على طبق ذهبي لحق استخدام الأسلحة المحرمة دوليا. أين هم من كل ذلك؟ انهم أبدا لا يسألون إلا عن مصالحهم، وإذا اقتضت المصلحة الغربية أو الأميركية ان تحرق المنطقة لأجل مصالحهم فإنهم لن يترددوا في ذلك

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 158 - الإثنين 10 فبراير 2003م الموافق 08 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً