العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ

صورة الفاشي وهو شاب في فيلم (MAX)

يتحدث الفيلم الجديد «ماكس» عن صداقة خيالية بين تاجر فنون يهودي وأدولف هتلر عند ما كان شابا. في الولايات المتحدة، ينادي تحالف الدفاع عن اليهود بمنع عرض هذا الفيلم لمحاولاته تصوير الدكتاتور على انه شخص حقيقي وضعيف.

اندرو غمبل يتساءل ان كان من الصعب تصديق ان الشر يمكن ان يكون له وجه انساني؟

يقول جون كوساك: «أنت انسان يصعب ان يحبه الآخرون يا هتلر... ولكني سأحاول» وذلك في الفيلم الجديد ماكس الذي عرض للمرة الأولى في مهرجان تورنتو السابق للأفلام. يلعب كوساك دور تاجر فنون يهودي، يدعى «ماكس روثمان» وهو شخصية خيالية وهو الذي يتسمى الفيلم باسمه، يعود ماكس الى ميونيخ من جبهة الحرب في العام 1918 بعد فقده إحدى يديه ولكن شهيته للحياة لاتزال قوية جدا. ويعيد الفيلم سرد قصة حظه في الالتقاء برسام ومحارب سابق في حرب الخنادق وهو أدولف هتلر. ويقتفي الفيلم محاولاته الشجاعة والمشئومة لوضع شخصية هتلر الكئيبة والممتعضة في صورة شخصية فنية بدلا من ان تكون مجرى لسياسات الكره.

عبارة كوساك الطويلة بحيث بدا وكأن كوساك يقرأ إلا انها في الواقع موجز بليغ لما يريد الفيلم ان يحققه. مينو ميجيس، أراد كاتب السيناريو الهولندي الذي كتب فيلم «ماكس» وأخرجه، أن يعرض شخصية هتلر في فترة من فترات حياته في الوقت الذي كان من الممكن ان يأخذ مستقبله مناحي كثيرة. ويتساءل الفيلم عن السبب الذي جعله يتجه بعيدا عن الفن وهو هواه الدائم، لطريق الوطنية المتطرفة والمعاداة الفتاكة للسامية ومحاولات الحروب التي قام بها. بكلمات أخرى فإن ميجيس أراد أن يخرج هتلر من السياق التاريخي المعتاد وان ينظر له باعتباره إنسانا وليس «غول القرن العشرين» أو «الوحش المغفل» و«المتبجح المجنون» الذي حطم نصف أوروبا، ومن هنا بدأت المشكلة.

إن مبدأ اعتبار هتلر شخصا مشربا بالمشاعر الإنسانية والأخطاء البشرية أغضب المنتج النهائي اندراس هاموري بحيث كان رد فعله الأولي بعد قراءة النص هو البقاء بعيدا عنه بقدر الامكان، وقال أخيرا ان اسم هتلر بحد ذاته كان كالرجس في عائلتي، وقد كان يذكر في اللحظة التي يذكر فيها المعادون للمسيح - وكأن هتلر شيطان من عالم آخر. سياسيا وعاطفيا لم أستطع تصور انتاج هذا الفيلم. على رغم ان هاموري اقنع مرة بضرورة كسر فكرة اعتبار هتلر رجسا وذلك لأن طبيعة الشر الموجود لديه ناشئة من انسانيته المختلة - فقد اكتشف مع ميجيس ان معظم الممولين المحتملين الذين فاتحوهم في الموضوع كانوا يحملون الهاجس نفسه ان لم يكن أسوأ، وحتى المستثمرين الذين وافقوا على دعم هذا العمل ورتبوا مواعيد للقاءه ادعوا فيما بعد انهم اساءوا فهم الموضوع واعتقدوا الشخص المقصود هو شخص آخر غير هتلر أو ان بعضهم تهرب من الموضوع. وأبدى أحد هؤلاء المستثمرين ملاحظاته لصناع الفيلم بالتصريح بفظاظة قائلا: «يجب ألا يتم عمل هذا الفيلم». يرجع الفضل في عمل الفيلم الى اصرار جون لوساك، نجم الفيلم، الذي جمد كل المشروعات الأخرى ليتمكن من مساعدة المنتجين في الحصول على موازنة الفيلم التي تقدر بعشرة ملايين دولار. ولم يكن الرعب الذي أحدثه هذا الفيلم لدى الناس قبل ان يتم الانتهاء من تصويره يمثل شيئا مقارنة برد الفعل الذي حدث بعد ان انتشر خبر دخول الفيلم المنافسة مع الأفلام الأخرى في مهرجان تورنتو وذلك في انتظار عرضه سينمائيا في الولايات المتحدة.

قبل أربعة شهور من عرض الفيلم حتى على منتجيه، قام «تحالف الدفاع عن اليهود» وهو مجموعة موالية للوبي الاسرائيلي بتشكيل ضغط على الشركة الموزعة للفيلم، وهي شركة أفلام ليونز غيت، لتوقف عرض الفيلم على الجمهور. يقول المتحدث الرسمي باسم التحالف، بريت ستون، مستقيا معلوماته عن الفيلم من مقالة قرأها في احد أعمدة «القيل والقال» التي تتعلق بهوليوود. القضية ليست فقط ان الفيلم ذو ذوق سيء ولكنه يمثل أيضا اعتداء نفسيا على الناجين من الهلوكوست وعلى الجالية اليهودية بأكملها، ليس هناك أي أمر انساني لدى اكثر القتلة قسوة ودناءة في تاريخ العالم. كما شجع التحالف أعضاءه على التعبير عن رأي أولئك الذين أسكتهم هتلر الى الأبد، وعلى امطار شركة ليونز غيت برسائل الاستنكار، وحيثما بدأوا تبعهم آخرون فلقد قال رئيس مجموعة يهودية بارزة أخرى وهي «التحالف المضاد لتشويه السمعة» إنه وجد فكرة فيلم عن هتلر الشاب «فكرة تافهة وعدائية». وقد كتبت كاتبة الأعمدة مورين دوود التي تعمل في صحيفة (نيويورك تايمز)، مشيرة الى الاضطراب في المشروعات المتصلة بهتلر سواء في عمل الأفلام أو في التلفزيون، مقالا وقحا ذكرت فيه ان الفيلم يمثل سردا لتاريخ مهم بطريقة مبسطة وجميلة أو انه عرض لأساليب حياة الرايخ والفاشستين.

من الواضح ان الناس يحملون شيئا يتعلق بهتلر وبالتأكيد فإن هذا الشيء له علاقة بما هو أكثر من مزايا أو مساوئ انتاج فيلم مستقل متواضع نسبيا. ان فيلم ماكس كما يبدو لا يمكن ان يكون اكثر دقة فيما يتعلق بالوثائق الموجودة فيه وينحرف عن طريقه - ربما بصورة مبالغ فيها مقارنة بجودته السينمائية - لتصوير ظروف هتلر الشاب في السياق التاريخي المحتمل. ويكتظ الفيلم بالكثير من الاشارات الى التيارات الفنية والثقافية التي كانت سائدة في المانيا. ولكن كم مرة قام فيلم أميركي بعرض تقارير مفصلة عن فلسفة نيتشه، أو عن التعبيرية والحداثة، أو جورج غروس، أو الأبوة والبيانات المستقبلية؟. في تعليقات الصحافة عن هذا الفيلم، يضع ميجيس على قائمة المؤثرات عليه السير الذاتية لهتلر التي كتبها كل من رون روزينبوم وايان كيرشو، وكتاب Nmfnj idy The Shock of the New الذي يتحدث عن بروز وسقوط الحداثة، وكتاب مودريس ايكستين الذي يتحدث عن الحرب والرواد المبدعين والذي يحمل عنوان (ites of Spring:The Great War and the Birth of the Modern Age). وكتابات هانا ارنديت عن الشر التي تمتلئ تفاهة بشكــل ملحــوظ، وكتـاب بعنوان (He Fascist Revolution) من تأليف جورج موس والذي يتم اخبارنا ان ميجيس وجده مؤثرا بشكل كبير. ولكن فيلم (Max) قدم موضوعه بجبن شديد، اذ لم يتم اعطاؤنا فرصة لكي نحب هتلر الذي لعب دوره الممثل الاسترالي الموهوب نوح تايلر والذي ادى الدور بشكل رائع (ويعرف هذا الممثل بأدواره في أعمال مثل Shine وAlmost Famous). وتدور قصة الفيلم بشأن معركة تدور بين هتلر وماكس روثمان المؤدب الذي يشجع هتلر على اظهار موهبته الفنية على رغم شخصيته البغيضة، بينما يلح عليه القبطان ماير القاسي مستشاره في الجيش ليصبح نازيا سيئ السمعة، ولكن ليست هناك اشارة في الفيلم الى ما كوّن هتلر وماذا يمكن ان يكون اغراؤه لاتباعه المستقبلين. عندما يصرح كوساك روثمان في احد المشاهد «هتلر يتملكه حب الدم، أعتقد بل آمل أن يكون ذلك خيالا»، لا تبدو العبارة مرعبة كعبارة مضحكة بشكل غريب وربما غير مناسبة. خطب هتلر شديدة وغير مقنعة (بالتأكيد بالمقارنة مع الخطب الحقيقية التي قدمها ليني ريفينستال في Triumph of the Wil وفي احد المشاهد تتداخل بياناته الفاشستية المزخرفة مع مشاهد مهيبة لصلاة اليهود - وهي مشاهد يبدو أنها لم توضع إلا لهدف واحد وهو اعادة طمأنة المشاهدين الى ان الفيلم يقف الى جانبهم.

ولكن الكيفية التي طور بها فيلم (Max) الانتقادات الاجهاضية هو جزء من الموضوع فقط، فعلى رغم ان من حاولوا التقليل من قيمة الفيلم قدموا معروفا لأنفسهم (كان الجدل هبة حقيقية لفريق الدعاية لفيلم (Max)، فقد كانوا أسباب تنوير ثقافية لسببين على الأقل، أولا اثبتوا ان رأيا مؤثرا في الولايات المتحدة - معظم حامليه وليس كلهم من اليهود، ومعظمهم وليس كلهم مرتبطين باللوبي القوي المناصر لاسرائيل - هذا الرأي طور بغضا شديدا كان متوقعا بشكل كبير لأي شخص يتحدى التوجه الفكري المانوي الذي ينظر إلى هتلر على انه شر مطلق فوق فهم البشر، والى اليهود في الماضي والحاضر والمستقبل بوصفهم ضحايا مطلقين للتاريخ. هذا البغض الشديد والنفوذ الذي يملكه الرأي العام اتضح في العام الماضي عندما منع العرض السينمائي لفيلم مستقل حصل على جائزة وهو بعنوان (He Believer) في الولايات المتحدة والذي تدور أحداثه بشأن دراسة للعدوانية والوقوع ضحية من خلال قصة يهودي ارثوذكسي يصبح من النازيين الجدد. هذه موضوعات أصبحت فجأة موضوعية بشكل مزعج، ليس من الصعب ان نعرف الأشخاص الذين يعملون في الحكومة أو في السياسة، وغير المتعاطفين مع فيلم ينتقد فكرة تحويل اولئك الاشخاص الذين نتخيل اننا نحتقرهم الى شياطين. لو عرض هذا الفيلم «هتلر» على انه معقد بشكل أكبر، وبأنه اكثر تناغما مع انسيابية اللغة السياسية، وبأنه انسان اكثر تشوها من هتلر الموجود في أسوأ كوابيسنا، فأين يضع هذا الفيلم المقارنة بين هتلر وصدام؟ واين يضع فكرة الكفاح العالمي بين الخير المطلق والشر المطلق؟ ربما يعتبر فيلم (Max) أكثر تدميرا مما كان يفترض به ان يكون، بفترة الحمل الطويلة فيه وبعدم قدرته على التنبؤ بشكل مطلق بحوادث العالم الحالية. انه بالتأكيد أكثر تدميرا مما كان مفترضا له أن يكون ولذلك فلا عجب ان يثير اعصاب الناس ويقلقهم.

خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً