العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ

وجوه وظلال في السينما

السؤال الأخير الذي يلاحقني وأنا أنهي متابعة أي إصدار جديد لأمين صالح هو: لماذا تخشى الجمهور يا أمين؟

أمين صالح مؤلف الفيلم السينمائي البحريني الأول (الحاجز)، ومبدع رمضانية (السديم)، هذا المفتون بالكتابة حتى التقديس والتضحية، هذا الملاحق بالسديم وحواجزه، أنفره رغما عني حين يعاكس أريحية القراء الفقراء ويمارس ترفعه المزروع بلا مبالاة كريهة تعززها ظنون الشك القاتل والخوف من الآخرين. يجرحني حين يتنصل من جمهوره الذي لا يعرفه، أو يقيم (حاجزه) ابتداء وقبل أن ينكشف على الذي لا يعرف.

لقد أفزع أمين قراءه الذين لا يحبهم بسديمه قبل أن يذيعه في نصه التلفزيوني... لقد قال قبل أكثر من ثماني سنوات في حوارية مع مجلة «العربي»: «الكتابة الجديدة... تتكلم عن إنسان يتحول في السديم، مغلفا بالشك، ويحيط به الغموض من كل جانب. إنه يبحث عن شيء لن يجده أبدا... الخلاص»، وما كان لذاك (السديم الكتابي) ليعلن تجليه الآخر عبر تقنية السينما والتلفزيون، لولا الشعور الداخلي الذي يلاحق المبدع حيال القارئ الذي لا يعرف. القارئ الذي تعجزه الكتابة ورموزها، ولا تسعفه اللغة الجديدة على تحدي المعنى السديمي، ليجد في اللغة البصرية المؤداة حركيا مبتغاه الضائع وضالته المنشودة. إن قراء أمين الكسالى يملأهم الشغف والتوهج وهم يتابعونه مخترعا للصورة، وهو ـ وربي ـ إيماء إلى أن «الخرافة» التي تقول إن جمهور القراء لا وجود لهم في ذاكرة المبدع، ليست سوى مجاز لغوي يخفي حقيقة استحالة إرضاء الذات عبر إغواء الآخرين وإضلالهم. إن المسألة كلها تدور عن لعبة الإيهام، ومشكلة الكتابة الجديدة مع جمهورها المحروق بهوامش العولمة وتوافهها، انها لم تصقل بعدُ أدواتها وتوسع مداها لتشمل الصورة والإحساس المرئي. ولعل ذلك ما يفسر تخلف الفنون الجميلة عندنا ـ نحن العرب ـ وانصراف الناس عن تذوقها.

التواصل الجماهيري الذي يستحيل ـ في وعي أمين ـ إلى وهم في حال الكتابة الجديدة، هو نفسه ـ ويا للمفارفة ـ ما ينشده الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، والتبرير التقليدي لذلك يدعي القول بأن تلقي الكتابة الجديدة بوصفها جسدا نصيا تتطلب متلقيا من نوع آخر، في حين تتيح ممكنات العمل التلفزيوني والسينمائي فرصا كبيرة لمختلف المتلقين. إنه ـ بحسب الدعوى ـ اختلاف في الأدوات وتباين في قدرات التلقي والتفسير. ولكن ـ ولهذا السؤال رسائله المشفرة ـ ماذا لو لم يتعطل مشروع أمين في دراسة الإخراج السينمائي في فرنسا، وعاد مخرجا من الطراز الأول ومحمولا بأمنية الطفولة وقد تحققت على أكمل وجه، هل يا ترى سيلجأ أمين إلى خياراته نفسها في التقاطع مع الجمهور واستغفال حتمية التقارب معه؟! أظنها معضلة وجودية وقد أفضت بها الكتابة الثانية إلى مستوى أكثر عمقا من التوتر والانجراح.

في إصداره الجديد (الوجه والظل في التمثيل السينمائي) يقدم أمين صالح عطاء مهما يرفد المكتبة السينمائية العربية ويسد بعض فراغاتها الكبيرة. إن الميزة المهمة لهذا الإصدار هو أنه يستوعب مختلف الأفكار والتجارب العالمية في كل متعلقات التمثيل السينمائي وأدواته، ويكاد يكون بهذا الاستيعاب مرجعا في معرفة الكثير من المعالجات والمفاهيم المتداولة في هذا المجال. تتعزز هذه القيمة عندما نجد أننا في هذه المواد المعدة والمترجمة نقرأ الآخرين ونستمع إلى الكثير من الأسماء المهمة العاملة في هذه الحرفة، وهو أمر تنبع أهميته مع ملاحظة أن مواد الكتاب لم تكتف بإيراد الأقوال والمفاهيم مجردة، وإنما حرص الكاتب على الاستفادة من الكثير من التجارب العالمية في عالم التمثيل السينمائي، كما تطرق إلى موضوعات تطبيقية وتقنية ونقدية وثقافية متنوعة ترتبط بتفصيل هذا العالم الساحر.

يبدأ الكتاب باستعراض مجموعة من التصورات عن مفهوم التمثيل، مع التأكيد على كونه من المفاهيم القابلة للتأويلات المتعددة وذلك بحسب اختلاف الممثلين والدارسين. فـ (ناستاسيا كينسكي) لا تفهم التمثيل إلا حين تمارسه، و(كلينت إيستوود) يعتبره فنا حيوانيا، أما (كيرك دوجلاس) فتراه خاصية طفولية. وعلى رغم هذا التباين والاضطراب في تحديد مفهومه، يظل التمثيل كما يخبرنا أمين هو تعبير عن الذات. بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى بحث بدايات السينما وتاريخ التحولات الذي تطورت من خلاله، ويتسلسل بعدها لتناول العناصر والتقنيات المختلفة في التمثيل وذلك من خلال محور الممثل فيما يكشف عن وحدة موضوعية للكتاب، فيعرض للممثل والسيناريو، والممثل والحوار، والممثل والشخصية، الممثل وعناصره، والعلاقة بين الممثل والمخرج، والممثل والكاميرا، والإضاءة، والمكياج، والملابس، والموسيقى، والمونتاج، وموقع التصوير، وشريكه، والممثل الثانوي، والمبتدئ، وشيخوخة الممثل، والممثل بين المسرح والسينما، والنجومية، والممثل والجوائز، والممثل والدراسة

العدد 163 - السبت 15 فبراير 2003م الموافق 13 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً