العدد 165 - الإثنين 17 فبراير 2003م الموافق 15 ذي الحجة 1423هـ

نظرية الضربة الاستباقية وضعت كل الدول المخالفة في «محور الشر»

أميركا تفكر بالخيار الذري ضد العراق

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

قال المحلل السياسي الاميركي وليم اركن في صحيفة «لوس انجليس تايمز» انه بعد سنة من وصف الرئيس جورج بوش للعراق وايران وكوريا الشمالية بـ «بمحور الشر» فإن الولايات المتحدة تفكر فيما لا يخطر على البال: انها تستعد للاستخدام المحتمل للأسلحة الذرية ضد العراق. وأكد ان القيادة الاستراتيجية الاميركية (سترات كوم) في اوماها، وداخل خلايا التخطيط التابعة لهيئة الاركان المشتركة، تدرس قوائم الاهداف، والتفكير في الخيارات، واختبار الاجراءات لإعطاء الاسلحة الذرية دورا في المبدأ الاميركي الجديد المتمثل في «الضربة الاستباقية». هذا التحليل اكده وزير الدفاع دونالد رامسفيلد حين اشار إلى ان الخيار النووي مسألة واردة.

ووفقا لمصادر متعددة قريبة من العملية، فإن التخطيط الحالي يركز على دورين محتملين للأسلحة الذرية: مهاجمة المرافق العراقية الموجودة في اعماق الارض التي قد تكون منيعة لا تؤثر فيها المتفجرات التقليدية، وافشال استخدام العراق لأسلحة الدمار الشامل.

وكانت الاسلحة الذرية، منذ اختراعها، جزءا من الترسانة التي يناقشها المخططون العسكريون. لكن قرار حكومة بوش بتخطيط فعال لاستخدام استباقي محتمل لمثل هذه الاسلحة، خصوصا ما يسمى بـ «مدمرات الملاجئ» ضد العراق، يمثل تخفيضا بارزا للعتبة الذرية، فهو يعيد كتابة القواعد البرية للقتال الذري باسم مكافحة الارهاب. كما يخرج الاسلحة الذرية من تصنيفها القائم منذ فترة طويلة ويوازيها مع جميع الخيارات العسكرية الاخرى - من الاسلحة النفسية والعمليات السرية والقوات الخاصة الى القوة الجوية بجميع اشكالها.

ويرى اركن: ان قيام الولايات المتحدة بتخفيض العتبة الذرية وهدم الجدار الذي يفصل بين الاسلحة الذرية والاسلحة الاخرى، امر مزعج وذلك لثلاثة اسباب على الاقل:

اولا: إذا خفضت الولايات المتحدة العتبة الذرية - وحتى كاحتمال - فإنها ترفع احتمالية ان تقوم الدول الاخرى بتخفيض عتباتها وتستخدم الاسلحة الذرية في اوضاع تحتاج فيها ببساطة الى ضربة عسكرية اقوى. ولغاية الآن ابقت الولايات المتحدة على الاسلحة الذرية للانتقام من هجمات ذرية او تهديدات مباشرة للبقاء الوطني وهو معيار مقبول ضمنيا، لكن على نطاق واسع، في كل انحاء العالم. واذا كان بوش يعتقد ان الرئيس العراقي يشكل ذلك النوع من الخطر على الولايات المتحدة فقد فشل بوش في اقناع العالم وكثير من المواطنين الاميركيين.

ثانيا: ان التحرك نحو التفكير في الاسلحة الذرية كخيار آخر بين كثير من الخيارات يجيء في وقت توفر فيه التكنولوجيا جملة خيارات افضل. فالولايات المتحدة تملك بشكل متزايد القدرة على شل القواعد تحت الارضية او تدمير الاسلحة البيولوجية والكيماوية من دون نزع سداد الزجاجة الذرية، من خلال مزيج من القوة الجوية المتطورة والعمليات الخاصة وقدرات القرن الحادي والعشرين من اسلحة المايكروويف العالية الطاقة والاسلحة الالكترونية.

ثالثا: هنالك مخاطر في وضع النظر في السياسة الذرية في يد قيادة عسكرية واحدة، وهي «القيادة الاستراتيجية» التي ركزت حتى الآن على قضايا استراتيجية بحتة - وليس على السياسة - والمتعلقة بالقتال الذري. ويملك افراد قيادة الاركان خبرة لا تضاهى في استخدام وآثار الاسلحة الذرية لكن خبرتهم لا تمتد لتشمل اسباب استخدام الاسلحة.

ان وضع مراجعة السياسات الرئيسية في منظمات سرية تحظى بمراقبة شديدة داخل «البنتاغون» صفة يتصف بها عهد وزير الدفاع رامسفيلد، وفعل ذلك يوحد صنع القرارات ويشجع تفكيرا جديدا، حسبما يقول المدافعون. لكن ذلك يتجاوز المخالفين وكثير منهم من العاملين في القوات المسلحة ويملكون اكثر المعارف واعمق الخبرات نحو القضايا.

ويذكر ان الدائرة الداخلية لبوش زمرة ضيقة عرضة لتفكير المجموعة حول العراق وغير معنية بمواجهة افتراضاتها للتحدي. لكن هنالك آراء ينبغي سماعها، فبينما يبدو ان معظم الضباط العسكريين يفكرون في تدني احتمالية استخدامنا للاسلحة الذرية في العراق فإنهم قلقون ازاء الاهمية المتزايدة التي تعلق على هذه الاسلحة وحول التناقضات الموجودة في التفكير باستخدام الاسلحة الذرية بهدف القضاء على اسلحة دمار شامل.

ان اهتمام الحكومة في خطط الطوارئ الذرية ناجم عن قناعة مترسخة بأنه بات على الولايات المتحدة ان تتصرف ضد العراق بسبب تهديد ارهابي جديد واكثر خطورة يشمل اسلحة الدمار الشامل.

ويلفت المحلل الى ما اعلنه بوش في مقدمة استراتيجية للامن القومي التي نشرت في الخريف الماضي ان اكبر خطر يواجه بلدنا يكمن في مفترق طرق الراديكالية والتكنولوجيا. وقال ان اعداء الولايات المتحدة قد اعلنوا علانية انهم يسعون الى اسلحة دمار شامل.

في شهر مايو/أيار وقع بوش على توجيه رئاسي للأمن القومي رقم 71، يؤكد رسميا مبدأ الافشال الاستباقي لأي استخدام محتمل لاسلحة الدمار الشامل.

وكرر الرئيس في ديسمر/ كانون الاول الماضي في استراتيجية القومية للتصدي لاسلحة الدمار الشامل، قوله: يجب على الوكالات العسكرية والمدينة المناسبة في اميركا ان تمتلك المدى الكامل للقدرات العملياتية لمواجهة تهديد اسلحة الدمار الشامل واستخدامها.

ان التخطيط الذري الحالي الذي كشف النقاب عنه في مقابلات مع ضباط عسكريين ووصف في وثائق وعرضتها «لوس انجليس تايمز» يتم القيام به في مقر «القيادة الاستراتيجية» في اوماها، بين فرق صغيرة: في واشنطن وفي الموقع غير المعروف لنائب الرئيس ديك شيني، في بنسلفانيا.

ان القيادة التي كانت في السابق مسئولة عن الاسلحة الذرية فقط ترى مسئوليتها تكبر، ففي الحادي عشر من 11/ديسمبر بعث وزير الدفاع مذكرة الى بوش يطلب فيها صلاحية تعيين الاميرال جيمس ايليس، قائد «القيادة الاستراتيجية» مسئولا عن المدى الكامل بمخابرات الاسلحة الاستراتيجية للتصدي للدول والمنظمات الارهابية.

أوصت المذكرة التي حصلت عليها «لوس انجليس تايمز» بتكليف القيادة الاستراتيجية بجميع المسئوليات للتعامل مع اسلحة الدمار الشامل الاجنبية، بما في ذلك «الضربة العالمية» الدفاع الصاروخي المتكامل وعمليات الاعلام.

ان ذلك الوصف الذي يبدو غير ضار، للمسئوليات يغطي مساحة هائلة، ليمنع كل شيء من استخدام الاسلحة الذرية الى الضربات غير الذرية الى العمليات السرية والخاصة الى الاسلحة الالكترونية والخداع الاستراتيجي في أيدي المحاربين الذريين.

في مطلع الشهر الجاري، وافق بوش على اقتراح رامسفيلد ويبدو ان هذه المسئوليات الجديدة تعطي القيادة مجموعة اكبر من الادوات لتجنب التصعيد الذري. وفي الحقيقة فإنها تفتح الباب بشكل اوسع على التفكير في استخدام اميركي للأسلحة الذرية ويمكن اعتبار استخدام الاسلحة البيولوجية والكيماوية ضد الجيش الاميركي على ان يستحق الرد نفسه كما لو كان هجوما ذريا روسيا، واذا استخدم العراق اسلحة بيولوجية او كيماوية خلال حرب مع الولايات المتحدة، يمكن ان يكون ذلك ذا عواقب مأسوية، لكنه قد يغير نتيجة الحرب.

ومن ناحية اخرى فإن استخدام الولايات المتحدة للاسلحة الذرية لهزيمة صدام حسين يحمل في ثناياه، كما يقول الكاتب، امكان خلق كارثة سياسية وعالمية، وهي كارثة يمكن ان تثير العالم العربي والاسلامي ضدنا الى الابد.

ان عظم التغيير الذي تمثله هذه الخطوات يكشفه حقيقة ان القيادة الاستراتيجية غير مدينة بوجودها لصانعي السياسات السابقين من الحرب الباردة، الذين اعتبروها حيوية لإقامة جدار كبير بين القوات الذرية والتقليدية.

والآن وفي ضوء عدم وجود أي نقاش داخل البنتاغون او علانيته، فإن رامسفيلد والبيت الأبيض يهدمان ذلك الجدار. إذ ان رامسفيلد يدمجها في هيكل قيادي واحد بمهمة مزعجة جدا اذا استطعت ان تجد ذلك الوقت هدفا ارهابيا رئيسيا او مخزون اسلحة دمار شامل وليس امامك سوى دقائق وليس ساعات او ايام للتعامل معها، كيف تصل اليها وتبطل ذلك التهديد لأمتنا من النصف الثاني للعالم؟ حسبما تساءل ايليس في ديسمبر/ كانون الاول.

ان التحول السريع لقيادة ايليس يكشف جوابه عن ذلك السؤال الخطابي، فمنذ 11 سبتمبر، تلقى ايليس وقيادته سيلا من المطالب والمسئوليات الجديدة، وأولها مراجعة موقف البنتاغون الذري الذي وقعه رامسفيلد في ديسمبر 2001، وأصدر بشكله النهائي في مطلع 2002، وكان موجها الى الجيش لتنشيط قدراته الذرية. ولعبت القيادة الاستراتيجية دورا بارزا في ذلك التنشيط.

من بين امور كثيرة قالت مراجعة الموقف التي ما زالت سرية «يمكن استخدام الاسلحة الذرية ضد اهداف قادرة على الصمود امام هجوم غير ذري (مثل الملاجئ العميقة تحت الارض او مرافق الاسلحة البيولوجية».

اضطرت المراجعة الجيش الى تطوير مهمات مخطط لها بشكل مسبق ومجربة لمهاجمة مرافق اسلحة الدمار الشامل حتى وان لم يستخدم العدو اسلحة ذرية اولا ضد الولايات المتحدة او حلفائها.

وفقا لوثائق وايجازات القيادة الاستراتيجية فإن «نشاط التخطيط المسرحي» الذي اوجدته حديثا غطى الآن جميع أوجه تقييم مرافق الاسلحة الكيماوية والبيولوجية والذرية على نطاق العالم.

وركز المخططون على جمع الاستخبارات والتحليل عن سبعة بلدان مستهدفة وهي «محور الشر» اضافة الى سورية وليبيا والصين وروسيا، وأكمل المخططون تحليلا مفصلا للبيانات الاستخبارية المتوافرة عن جميع المواقع المشبوهة.

وفقا لمصادر القيادة المركزية الاميركية فإن الحكومة والقيادة المركزية اعدتا «وثيقة تخطيط ذري مسرحي» للعراق.

ان ما يقلق كثيرا من كبار المسئولين في القوات المسلحة ليس ان الولايات المتحدة تملك عددا هائلا من الاسلحة او خطط الطوارئ لاستخدامها، فالخطر يكمن في ان الاسلحة الذرية - المحشورة في صناديق طماطم منذ اكثر من نصف قرن - يتم اخراجها من تلك الصناديق لتوضع على الرف مع كل شيء آخر.

بينما يصرّ قادة البنتاغون على انه لا يقصد استخدام الاسلحة الذرية فإن النقاد يخشون ان هدم الجدار واضافة الاسلحة الذرية الى سلم الخيارات المألوف يجعل استخدامها امرا مرجحا، وخصوصا في ظل السياسة الاستباقية التي تقول «ان واشنطن وحدها هي التي ستقرر متى تضرب».

ان جعل مثل هذا المبدأ يشمل الاسلحة الذرية يعني الاخذ برأي سوف ينتشر عاجلا او آجلا بشكل يتجاوز العواصم الاخلاقية، واشنطن ولندن الى نيودلهي واسلام اباد، الى بيونغ يانغ وبغداد، بكين، تل ابيب وكل دولة ذرية اخرى في المستقبل، واذا حدث ذلك فإن العالم سيصبح اخطر مما كان قبل سنتين عندما أدى جورج بوش القسم كرئيس

العدد 165 - الإثنين 17 فبراير 2003م الموافق 15 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً