العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ

حسنا تفعل يا وزير الأشغال والاسكان

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

التصريح الذي أدلى به وزير الاشغال والاسكان فهمي الجودر بشأن نيته تكليف لجنة للتحقيق في دعاوى الفساد في «بنك الاسكان» يستحق كل التقدير والاحترام. فهذه النية الحسنة تثبت بأن العهد الاصلاحي الحالي يقبل الشفافية والمحاسبة ويطبق القانون على الجميع. والامل يحدونا بأن يشرف الوزير شخصيا على هذا الامر لكي لا يتحول لما آلت اليه الامور في قضايا اخرى.

الشعب البحريني تعود خلال الاشهر الماضية على قراءة خبر تشكيل «لجنة تحقيق»، ولكن إلى حد الآن لم ينتج أي شيء من هذه اللجان. فاللجنة التي انشأتها وزارة الداخلية للتحقيق في تجاوزات عادل فليفل اختفت من الوجود واختفى ذكر أي نتيجة لتحقيقاتها والشخص المعني يسرح ويمرح. واللجنة التي تشكلت بعد مقتل محمد جمعة أمام السفارة الاميركية ايضا اختفت واختفى ذكر نتائجها، واللجنة التي تشكلت لرفع قضية في المحكمة ضد وزارة الداخلية اختفى ذكرها أيضا. والتحقيق الذي كان من المفترض ان تجريه وزارة العمل في واحدة من قضايا الفساد انتهى ذكره ولم تستطع وزارة العمل الاقتراب من أشـخاص ذوي نفوذ ولهم اسماء عوائل كبيرة وركزت جهودها على احد الاشخاص فقط لانه ليس صاحب نفوذ ولانه من منطقة فقيرة، مؤكدين بذلك الحديث المتداول بين الناس من ان القانون لا يطبق إلا على الفقراء أو على بعض الفئات... واللجنة التي انشئت للتحقيق في التجاوزات التي حصلت سابقا في وزارة الكهرباء اختفت ايضا واختفى ذكرها، ولربما تختفي اللجنة التي تحقق في قضايا البنك البحريني السعودي مثل ما اختفت اللجان الاخرى.

والسبب الذي يعزوه كثير من الناس هو ان التحقيق يتعطل لأن التجاوزات قام بها أصحاب نفوذ لهم اتصالات واسعة ومهمة وبالتالي فإن القانون لا يطالهم. وهذا يعني ان «القانون ليس قانونا لأنه لا يطبق على الجميع».

وهذا يعني ان ممارسة حكم القانون غير ممكنة لعدم امكان تسيير القانون على فئات فاسدة في المجتمع لانها تحمل اسماء عوائل كبيرة أو لأن لديها وساطات واتصالات مع مسئولين كبار توفر لهم حماية من القانون.

ان مثل هذه الامثلة توضح حقيقة المشكلة التي يجب ان نواجهها. فإذا كنا نسعى لاقامة دولة عصرية قائمة على أساس «حكم القانون» فأنه يجب ان يخضع المتجاوزون للحساب والعقاب. واذا تمكنت الدولة من محاسبة شخص واحد فقط من هؤلاء المتنفذين فانها سترسل رسالة إلى جميع الفاسدين الآخرين بأن زمانهم قد ولى، وسترسل رسالة إلى المستثمرين الشرفاء بأن اموالهم في أمان وان الفاسدين يلاحقهم القانون، وسترسل رسالة إلى الشعب بأن الجميع أمام القانون سواء. ولو ركزت الحكومة على ضرب الفساد في هذه المواقع المهمة فانها ستقضي على ثلاثة أرباع الفساد، والباقي (الربع الاخير) سينتهي.

وهذا ما تقوم به الحكومات في الدول المتقدمة. ففي بريطانيا مثلا تركز الحكومة جهودها على الشركات الكبرى وعلى المسئولين وتضبطهم وتضبط الضرائب المتوجبة عليهم. اما الناس العاديون فالملاحقات لهم أقل لأن أثر فسادهم أقل من أثر الفساد الذي تحدثه شركة كبرى أو وزير أو مسئول. ولهذا فان كثيرا من الاشخاص العاديين في بريطانيا يستطيعون الافلات من يد العدالة عندما يفسدون، والسلطات المعنية تأخذ وقتها تجاههم. ولكن هذه السلطات تراها تركز كل جهودها لمحاربة فساد الشركات والمسئولين الذين يسيطرون على الجزء الاكبر من اقتصاد البلد. ولذلك فإن الصحافة البريطانية تلاحق المسئولين الذين تتم محاكمتهم حتى في السجون لكي يعلم جميع الفاسدين الآخرين ماذا ينتظرهم عندما يتم اكتشافهم. وفعلا فإنك في بريطانيا تجد وزيرا سابقا مسجونا لانهم اكتشفوا تورطه في قضية من قضايا الفساد وتجد رئيس شركة كبيرة، وشخصية مهمة سابقة، وكلهم سواسية امام القانون يدخلون السجن ويلبسون لباس السجن ويأكلون أكل السجن مثلهم مثل غيرهم من المجرمين.

اما اذا كان الحال كما يصوره أحد الافلام المصرية عن «معالي الوزير» الذي يحصل على الحماية من كل حساب وعقاب ويستطيع الاستمرار في الفساد لأن «من أمن العقوبة اساء الادب»، فإن الاصلاح السياسي ليس له اي معنى. فالاصلاح السياسي يعتبر اصلاحا اذا حد من الفساد الاكبر وليس اذا رفع شعارا وطارد الفساد الاصغر.

نرحب بالوزير الشاب الذي اثبت قدرته في الحفاظ على المال العام عندما كان مسئولا عن عدد من المشروعات الكبرى ونشد على يديه آملين الا يخيب ظننا بعد ان يأسنا من تطبيق حكم القانون على أقلية تشعر ان بامكانها تجاوز كل شيء وهي آمنة من الحساب والعقاب، وتسبب للوطن ألما وتجرح اقتصادنا الوطني وتستنزفه لمصلحتها الخاصة من دون احساس انساني ومن دون استشعار للآلآم التي يسببونها لبقية ابناء وطنهم الذين يكدحون ليل نهار من أجل لقمة العيش الكريم.

نشد على يد الوزير وندعو الله ان يوفقه لان يبرز لنا وجوها جديدة في ادارة الدولة بعد ان عقّد لنا مسئولون آخرون المشكلات بدلا من حلها. وليعلم كل من يدفع باتجاه الاصلاح ان الله معه والغالبية العظمى من الناس تسانده

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً