اغفروا لغافين منزيس لاتخاذه موقفا دفاعيا الى حد ما. فقد يكون كتابه «1421: السنة التي اكتشفت فيها الصين أميركا» يلقى رواجا - في الولايات المتحدة - غير ان مقولته ان الصينيين وصلوا الى العالم الجديد قبل عشرات السنين من كريستوفر كولومبوس أقل رواجا في الاوساط الاكاديمية - حتى هنا، في الصين.
تصف جمعية «جينغ هي» التي تحتفل بمغامرات جينغ جينغ هي، المستكشف الذي يقول منزيس الذي قاد السفن حول الكرة الأرضية قبل قرن من فرديناند ماجيلان، ان المقولة هي «هراء».
إلا ان منزيس لا يبالي بمثل هذه الاوصاف. ففي اتصال هاتفي معه في اثناء ترويجه لكتابه في نيويورك أخيرا قال: «لا ارى كم من ذوي العقول المنصفة الذين يقرأون الأدلة سيصلون الى اي استنتاج غير ان الصينيين وصلوا الى اميركا قبل الاوروبيين».
ويا ليت الأمر كان بتلك البساطة. لقد كانت الصين في مطلع القرن الخامس عشر بلدا بحريا عظيما. ولا خلاف على ذلك اذ انه كانت سفن كبيرة محملة بالحرير والخزف والكنوز الاخرى تقوم برحلات اسطورية ملحمية بتشجيع من الامبراطور. وكانت تلك السفن بإمرة «جينغ هي» تبحر من الصين نحو اندونيسيا وغبربا الى الهند وتصل الى الشواطئ الشرقية لافريقيا.
ولكن منزيس يحيد عن المسار التاريخي الثابت عند هذه النقطة، فهو يشدد على انه عثر على البرهان على ان السفن كانت تتابع ابحارها - حول رأس الرجاء الصالح قاطعة كل الطريق حتى الاميركتين، بل ان بعض السفن كانت تجتاز المحيط الهادئ من هناك عائدة الى الصين.
منزيس، وهو آمر غواصة سابق في البحرية الملكية البريطانية، يصر على ان الصينيين لم يسبقوا كولومبوس فقط، بل ان المستكشفين الاوروبيين الذين وصلوا الى الاميركتين استطاعوا ذلك بفضل خرائط مستنسخة عن خرائط صينية.
وقال منزيس: «ان كل المستكشفين الاوروبيين العظماء ابحروا بخرائط تبين وجهتهم».
ويشير منزيس الى انه تلقى دعما للعمل الذي قام به - أي الكتاب الذي احتل موقعا في لائحة نيويورك تايمز لأكثر الكتب غير الخيالية مبيعا لمدة اسبوعين - الا انه يعترف بأن بعض النقاد اعربوا عن تحفظاتهم الشديدة.
النقاد يقولون ان السفن الخشبية الكبيرة التي كانت تبنيها الصين لم تكن قادرة على الصمود في وجه أمواج المحيط الاطلسي. وبعض من الخبراء يقولون ان الفوارق كانت كبيرة بين الخرائط الصينية والخرائط الاوروبية بحيث لم يكن ممكنا المطابقة بينها. وآخرون يصفون كتاب منزيس بأنه «هراء من أوله الى آخره، ومنهم صينيون، مع انه لم ينشر بعد في الصين. ويقول استاذ التاريخ في جامعة بكين وانغ كزياوفو: «هذا حكي أحمق. إننا لا نقبل هذه النظرية إطلاقا».
ويشار الى ان مؤلفين صينيين كثيرين، قدموا نظريات مماثلة في السنوات السابقة، بل وقال البعض ان الصينيين استوطنوا الاميركتين قبل ثلاث آلاف سنة... ولكن وانغ يقول ان معظم هؤلاء خلطوا بين الحقائق والخرافات. ويضيف: «كانت هناك قصص خيالية كثيرة في الأزمنة القديمة».
وهذا مع العلم ان اساطير التفوق الصيني تغلبت على طابع الشعور القومي الصيني القوي. ويشير محبو الصين الى ان الصينيين اخترعوا كل شيء، من المفرقعات الى المعكرونة وساهموا كثيرا في الرياضيات العصرية والزراعة وعلم الفلك.
وتقول «هان» الموظفة التي ترفض ذكر اسمها الأول، وهي تعمل في أحد محلات بيجنغ: «ما الجديد في القول ان الصينيين كانوا أول من اكتشف أميركا؟ كنت أعرف ذلك أصلا. الصين كانت بلدا متقدم الثقافة منذ اقدم الأزمنة».
إلا انه ليس جميع الصينيين متأكدين. تقول كزهيو (30 عاما) التي تعمل في احد المكاتب: «قرأت عن هذه النظرية في احدى الصحف إلا انني لا اصدقها، فهم لم يكونوا يعرفون ان الارض كروية».
ويقول عالم الآثار في جامعة بكين «لين مايكون»، انه «خلال دراسته على مدى 20 سنة للأنماط المهاجرة الصينية القديمة لم يعثر على خيال علمي».
كان منزيس، المقيم في لندن، أبحر عندما كان ضابطا في البحرية الملكية على الطرق الملاحية التي سلكها كولومبوس وماجيلان ومستكشفون أوروبيون آخرون، وهو يقول ان معرفته بالخرائط وإلمامه باستخدام النجوم في الملاحة قاداه الى نظريته وان ابحاثه استلزمت قيامه بزيارات لمئة وعشرين بلدا وكل المرافئ القديمة لأواخر العصور الوسطى.
منزيس ليس أول شخص يتحدى القصة المقبولة لاستكشاف أميركا. فثمة مؤشرات لوجود مستوطنات الفايكينغ الاسكندنافيين في اميركا الشمالية قبل 500 سنة من وصول كولومبوس. ويعتقد ان بشريين نزحوا سيرا على الاقدام من آسيا وعبر مضيق بيرينغ عندما كان مغطى بالجليد واصبحوا اجداد الهنود الاميركيين. ان اهمية الانجاز الذي حققه كولومبوس ليست نابعة من انه اكتشف اميركا بل من فتحه القارة الاميركية للغزو الاوروبي والتسابق على استيطان العالم الجديد.
كما ان الصين في منتصف القرن الخامس عشر كانت عزلت نفسها عن العالم، وتم استدعاء سفنها المحملة بالكنوز للعودة الى الوطن فيما منع الامبراطور السفر الى الخارج. باختصار كانت الصين أوقفت الاستكشاف تاركة العالم للاوروبيين
العدد 176 - الجمعة 28 فبراير 2003م الموافق 26 ذي الحجة 1423هـ