العدد 179 - الإثنين 03 مارس 2003م الموافق 29 ذي الحجة 1423هـ

في أسبوع الشجرة... قطعنا الشجرة وأضعنا الثمرة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

من ينظر إلى صور بساتين بني جمرة والدراز وكرباباد والمرخ يشعر بالحسرة والألم!!! تلك البساتين الجميلة وتلك المساحات الخضراء التي كانت تستلقي عليها ذكريات جميلة ممزوجة بعبق الطفولة وبنسيم وردي يهب ليخاصر النخيل فيترك المشهد لونا جميلا أخاذا عبقا وصورة حية من صور الطبيعة عندما كانت النخلة نخلة والبحر بحرا شعبويا نقرأ فيها جميعا صورا للفلاح وهو يحتضن النخيل... وهو يعطي عمره المديد إلى عمر الشجر فكان يقضي نصف عمره بين البساتين يطاول الزمن جيئة وذهابا وكان يتمنى لو انه يدفن وسط أرضه ونخيله...

كل شيء انتهى ولم يبق من تلك المساحات الخضراء أو ذلك المد البحري المتطاول إلا نزر قليل هو الآخر لا نستطيع - نحن المواطنين - ان نقترب منه الا بالقاء نظرة من بعيد، فالاشجار والبساتين اصبحت مقتطعة ومجزأة وموزعة في بيوت هنا وفلل هناك فباتت حتى الطبيعة مكانا خاصا لهذا التاجر ولذلك المتنفذ!!! وكم من فلاح رفض بيع أرضه صباحا حتى اذا ما جنّ الليل يفاجأ بأن الارض سورت وذهبت في خبر كان وخصوصا عندما كان القانون في اجازة وعندما كانت تسيطر نزعة الاقطاع على بعض رجال الاعمال ومازالت قرى البحرين تتذكر تلك البساتين وتلك الاراضي وبالاسماء فبعض الآباء يقولون: هذه في السابق كانت أرض فلان وتلك أرض علان... ويختم الاب كلمته: «رحم الله فلانا لقد مات حسرة على ارضه» ومازالت ذاكرة المجتمع البحريني تحتفظ بكثير من الصور المأسوية لسجل انتهاك حقوق ليس الانسان فقط للحقبة الماضية لقانون أمن الدولة، بل انتهاك حتى حقوق البيئة بما فيها الشجرة تلك التي قتلناها بالامس مع سبق الاصرار والترصد وجئنا اليوم لنقيم لها اسبوعا فلكلوريا في كوميديا سوداء. تثير حزنا هي أقرب إلى المأتم من الفرح.

هذا هو الاحتفال السادس والعشرون لاسبوع الشجرة يعقد ها هنا في أرض المليون نخلة مقطوعة والمليون شجرة ميتة وتلك هي المفارقة الكبرى، الاحتفال باسبوع الشجرة يقام على بعد أميال وأميال من أشجار تستباح وتقتل بالمجنزرات لبساتين بني جمرة لتقضي على البقية الباقية من الحزام الاخضر لهذه المنطقة البائسة والخارجة من دائرة الاهتمام الرسمي.

المواطن لا يبحث عن احتفال ولا عن كعك يوزع هنا أو هناك هو يريد قرارا مسئولا يوقف هذه المهازل من اجتثاث البساتين وذبحها وفي وضح النهار، لهذا استقبل الناس خبر الاحتفال بالابتسامة الكئيبة الممزوجة بسخرية القدر والاستخفاف بعقول أهل المنطقة متسائلين: كيف تحيى ذكرى الشجرة في الوقت الذي ما عاد فيه شجر ولا نخيل؟ متى نخرج من عالم المجاملات وأخذ الصور الفوتوغرافية لنتحول إلى اناس عمليين... لو ان وزارة البلديات و الزراعة قامت بوقف تلك المهازل الاستئصالية لبساتين المنطقة الشمالية لكان هذا الموقف أفضل ذكرى تقدمها إلى الشجرة في أسبوعها... نعم كان احتفالا جميلا لكن الاولى ان يسمى بمأتم الشجرة وليس عرسا للشجرة أو أسبوعا لها!!!

وزارة البلديات والزراعة مازالت تتخبط في مواقفها، فهي بالأمس صرحت بأنها ستنتصر للزراعة وللبساتين في المنطقة الشمالية وانها ستعمد إلى زرع الآلاف من الزهور وانها ستحيي الحدائق وتقوم بإعادة ترميم البعض منها وستقوم بتظاهرة بيئية... فالشوارع سيعود صباها والسواحل ستلّمع بـ «التايد» الجميل وستزداد نظافة ولمعانا حتى يكاد المرء ان يرى صورته في مرآتها وو... كل هذه الخطط الجميلة انهارت في لحظة واحدة وما كانت الا مجرد تصريحات استهلاكية للاستهلاك المحلي فقط... قد يسأل البعض لماذا؟

الاجابة بعيدا عن اللغة الخطابية والانشائية واضحة ولا تحتاج إلى عمق ذكاء، ففي تصريح للوزارة جاء فيه: ان الموازنة المرصودة لبلدية المنطقة الشمالية هي 4,397,335 دينارا فقط وفقط 4 ملايين ونيف لجميع المنطقة الشمالية.. هذه ليست نكتة سياسية تلك حقيقة... نعم... 4 ملايين.. وتلك هي المفارقة... لقد تم رصد 4 ملايين لمهرجان صيف البحرين مدعوما من الدولة و4 ملايين ايضا لكل المنطقة الشمالية مع المفارقة بين اهمية الاثنين والسؤال يبقى: هل 4 ملايين تكفي لكل هذه المنطقة على رغم ما تعانيه وما عانته من اهمال رسمي حاد، لا شبكات مجاري، لا حدائق، لا شوارع مثل الناس، أتربة واوساخ في كل مكان سوى مناطق سكن الاجانب؟ وهل 4 ملايين هي حصاد تلك الوعود الوردية؟ من يصدق ان كل هذه القرى المتناثرة بالعشرات على طول شارع البديع لا توجد فيها حديقة عامة ولو صغيرة؟ هذه المناطق التي يسكنها الآلاف من بني البشر ليس عندهم حديقة واحدة؟ اين هي البلديات التي مرت على تاريخ هذا البلد؟ هل من المعقول ان تكون غافلة عن كل هذا الاهمال؟

و على رغم كل ذلك علق الاهالي آمالا على الوزارة هذه الايام وخصوصا بعد ازدياد التصريحات.. فليس من المعقول ان يكون بعد كل هذه التصريحات الصحافية وبعد عقد الآمال يكون المبلغ 4 ملايين؟ ألم يكن الاجدر بالوزير ألا يصرح بتلك الوعود؟ لقد أصبح في حرج الآن ولماذا لا تقوم الحكومة بضخ أموال اضافية لاعادة تأهيل مثل هذه المناطق وخصوصا بعد اعتراف المسئولين بأن هذه المناطق عانت من الاهمال بشكل لا يمكن تصوره ومازال الناس يتذكرون موقف سمو ولي العهد عندما أبرق مسرعا إلى جلالة الملك عند زيارته للمقشع والدراز وعن اندهاشه للوضع المأسوي الذي يعيشه أهالي هذه المناطق.

ان ما يعرض في الصحافة من صور مأسوية لقرى المنطقة الشمالية في ملفات ومقالات وتقارير أقل جدا مما هو موجود من بؤس وحرمان وفاقة. فعلى رغم اندهاش البعض من تلك التقارير فانها لا تعكس الا جزءا قليلا مما يعيشه المجتمع البحريني في قراه. الملفت ان بعض المسئولين تعجب وتفاجأ لوضع القرية البحرينية عندما رأى تلك الصور والتقارير والشكاوى في بريد القراء وغيره!

البلدية أصبحت تسمى بعد ادارة المرور ببلدية الرسوم وذلك لكثرة الرسوم التي تأخذها لتأمين موازنتها الذاتية طبعا وعلى رغم كثرة هذه الرسوم فإن الواقع البيئي والبلدي مازال متخلفا ومن المفارقات اللطيفة التي امتازت بها بلديات البحرين طوال هذه السنين التي مضت، امتازت بميزات جميلة واضاءات «رسومية» لطيفة فحتى تلك الاكياس البلاستيكية التي تعطى للقمامة هي الاخرى تعطى مقابل رسوم ومبلغ من الدنانير ومن المفارقات المضحكة والمبكية في الوقت ذاته ان غذاء بعض العوائل الفقيرة أقل كلفة من هذه الاكياس، فهم يلقون بقايا الاكل في أكياس قمامة كلفتها تزيد على الغذاء ذاته قبل أكله.

ليس غريبا عندما ينبري بعض نواب المجلس البلدي ليقول: ان هناك محاولات لعدم أخذ ضريبة لعقار هنا أو هناك لتاجر «لورد» من «اللوردات» السؤال يبقى هل كل اصحاب العقارات يدفعون رسوما؟

شيء جميل ان تقدم جائزة لافضل بستان ولافضل مزرعة كأسلوب تشجيعي ولكن ما هو أجمل منه ان يوضع حد لكل من يحاول ان يقوم باغتيال المساحات الخضراء أو يقوم بعملية دفن البحر. فالقرآن، حتى القرآن، عندما يستخدم الترغيب فانه يستخدم الترهيب ايضا وقديما قيل: المال السايب يعلم السرقة ومن أمن العقوبة أساء الأدب، فالله غفور رحيم وكذلك هو شديد العقاب.

نعم النخلة هي رمز الخير والعطاء ولها أيضا أهمية رمزية ودلالة مقدسة لدى كل عاشق وطني لتراث وتاريخ وطبيعة هذه الارض ولكن هل يكفي ان نلقي المعلقات السبع وتلك المدائح والاهازيج وتلك الكلمات الغزلية في النخلة ونحن في الوقت ذاته نصم آذاننا عن سماع استغاثتها التي تصل الينا - ونحن نحتفل لاسبوعها - مختلطة بصوت تلك المجنزرات؟... طبعا لا يكفي. طبعا نقول ذلك خوفا من ان ينطبق علينا قول المثل المصري: يقتل القتيل ويمشي في جنازته فهل يكون لاسبوع الشجرة صدقية وإلى الآن لم توقف عمليات اجتثاث الاشجار؟

في ذكرى أسبوع (مأتم الشجرة) كان هناك تصريح لوزير الاشغال والاسكان عن البحر فهذا الفقير (البحر) ليس له لا أسبوع ولا شهر... لانه ينطبق عليه قول المناطقة: (سالب بانتفاء الموضوع) فلا يوجد بحر حتى يكون له اسبوع ولكن وفي ظل سياق بكائنا على البقية الباقية من البحر نقول كلمة.

فالوزير قال: «سياسة الوزارة تتجه نحو تقليل الردم وحصره في الحالات الضرورية»... بعد كل ما طرح من استغاثات الوزارة - للأسف - وعلى حد تعبير الوزير «تتجه»... «نحو تقليل» الردم وحصره على «الحالات الضرورية....» بعد ذلك جاء نفي حتى لهذا التصريح وكأن الوزارة ليس من صلاحيتها ايقاف ذلك.

الوزارة يجب ان تكون حادة في هذا الأمر وصارمة والمواطن يتخوف من تلك الاستثناءات «الحالات الضرورية» فقد تعلمنا ان أكثر من يستغلون البحر، هم يلعبون على ثغرة الاستثناءات لتكون لهم قاعدة فالعبارة مطاطية يستطيع ان يلعب عليها كل متنفذ وخصوصا اذا كان مسندا بفيتامين واو.

- التوسع العمراني الذي حدث على حساب البحر لم يكن لصالح مساكن المواطنين فـ 90 في المئة كان لصالح رجال اعمال، ومتنفذين، ولتجارة خاصة، لتاجر هنا وتاجر هناك والدليل ان بعض المناطق الغربية ومنها المالكية مازالت تطالب ببناء وحدات اسكانية للأهالي من جهة البحر وإلى الآن لم تر شيئا. واما بحر منطقة دمستان فهو الآخر احتوشته الفلل الخاصة والشاليهات الخاصة هي والهملة، والاهالي حصتهم في كل ذلك الحرمان والبصل. فلا سكن نحو البحر ولا صيد والدليل هناك الخسارة في الثروة السمكية والبحرية جراء هذا الردم الارستقراطي... انها مفارقة كبرى ان يعطى المجنسون عشوائيا بيوت اسكان في سافرة وغيرها وبعض المواطنين يصلون إلى سن التقاعد وإلى الآن ينتظرون بيوتا لهم طبعا بلا بحر ولا شجرة

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 179 - الإثنين 03 مارس 2003م الموافق 29 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً