العدد 184 - السبت 08 مارس 2003م الموافق 04 محرم 1424هـ

الحرب الباردة الثانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

17 مارس/ آذار الجاري. انه الموعد الجديد الذي اقترحته الدول الثلاث (الولايات المتحدة، وبريطانيا، واسبانيا) وإلا واجه العراق الحرب. ردت الدول المضادة للحرب برفض الموعد الجديد مقترحة تمديد فترة عمل فرق المفتشين الدوليين بحثا عن «أسلحة دمار شامل».

هذه هي خلاصة «الحرب الباردة» الجديدة الثانية بين المجموعتين الدوليتين في مجلس الأمن... وهي خلاصة ترسم حدود معركة كبرى تجري الآن تحت عنوان العراق، ولكنها، كما تبدو الأمور، معركة ممتدة جغرافيا وسياسيا يتوقع لها أن تنكشف خلفياتها في الأسابيع والأشهر المقبلة.

لماذا تصر أميركا، مدعومة من بريطانيا واسبانيا وأخيرا بلغاريا (الحليف التقليدي للاتحاد السوفياتي السابق)، على تعيين مواعيد ثابتة لحرب غير شعبية دوليا ولا تتوافر لها الشروط الموضوعية التي تبرر قيامها؟

سؤال أجيب عنه بسلسلة قراءات وتحليلات واستنتاجات كثيرة وحتى الآن يبدو أن الجواب الصحيح أن الولايات المتحدة تريد الحرب مهما كانت الحركة المضادة لها. فهي حرب اختبار واختيار وفي ضوء تداعياتها تراهن واشنطن على تحولات كبيرة تمكِّنها من التحكم في سلسلة مسارات تبدأ بتغييرات في «الشرق الأوسط» وتعيد تركيب معادلة دولية في أوروبا تحتل فيها الولايات المتحدة دور القيادة في عقود القرن الجاري. فالحرب على العراق هي حلقة في سلسلة حروب يتوقع لها، إن حصلت، ان ترسم من جديد خطوط (حدود) الحرب الباردة الجديدة الثانية التي بدأت العام الماضي في أفغانستان وآسيا الوسطى وانتقلت الآن إلى «الشرق الأوسط» ومنه ستمتد إلى بحر قزوين ومحيطه لعزل روسيا الاتحادية وتطويقها عن محيطها السياسي الجغرافي السابق ومنع أوروبا من التقدم إلى مناطق استراتيجية وغنية بالثروات والأسواق والخامات.

17 مارس ليس موعدا للحرب على العراق وإنما هو، إلى ذلك، بداية عالم جديد تفصله مجموعة خطوط طول وعرض تتحرك في ظلالها سياسة دولية ترتسم على حدودها «الحرب الباردة الجديدة» تبدأ من غرب الصين وجنوب روسيا وتمتد غربا إلى بلغاريا واسبانيا.

لماذا بلغاريا واسبانيا؟ بلغاريا نقطة ارتكاز سياسية في شرق أوروبا تتحكم في جزء من البحر الأسود وتمثل «بوابة» مهمة لغرب روسيا. واسبانيا نقطة ارتكاز استراتيجية تتحكم جغرافيا في مضيق جبل طارق وعندها مواقع (مدن) محتلة في الداخل المغربي، فهي بوابة المغرب العربي (بدوله الثلاث) من جهة غرب افريقيا. فاسبانيا هي مدخل أوروبا من الجهة الجنوبية - الغربية. وبلغاريا مدخلها الآخر من الجهة الجنوبية الشرقية. وهما البديل الجغرافي - السياسي عن ألمانيا.

ألمانيا لم تعد مهمة استراتيجيا للولايات المتحدة بعد انهيار جدار برلين وانتهاء «الحرب الباردة» الأولى في فترة الاتحاد السوفياتي. في الحرب الأولى كانت ألمانيا هي خط الدفاع الأول وترتسم على حدودها سلسلة مواجهات بين الشرق والغرب وتحديدا بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. آنذاك كانت ألمانيا المشطورة إلى شرقية وغربية نقطة التوازن بين المجموعتين وهي بوابة أوروبا التي تقف على طرفها الآخر الجيوش السوفياتية.

الآن تغيَّرت الظروف وتبدَّلت المواقع تبعا للتحولات الدولية التي حصلت في العقد الماضي وتحديدا منذ 1991. فألمانيا توحَّدت، والاتحاد السوفياتي تلاشى، والمعسكر الاشتراكي تبخَّر، وروسيا انكمشت إلى خلف حدودها ولم تعد تشكِّل ذاك «الشيء المخيف» في توازنات القوى الدولية. وبسبب من تلك التحولات تغيَّرت أهمية المواقع بانتقال حدود الحرب الباردة الجديدة (الثانية) من قلب أوروبا (ألمانيا) إلى أطرافها (اسبانيا في الجنوب الغربي من القارة، وبلغاريا في الجنوب الشرقي).

المعركة اذن كبيرة ولا تقتصر حدودها وخطوطها على «الشرق الأوسط»، بل انها تبدأ من العراق وتمتد وتنتشر سلما وحربا لتعيد رسم نقاط تماس جديدة للحرب الباردة الثانية.

بعد الحرب على العراق سيشهد العالم سلسلة تداعيات سياسية تعبِّر عن نفسها بحركة مناقلات للجيوش. فهناك الكثير من القواعد العسكرية ستنتقل من ألمانيا إلى اسبانيا وبلغاريا. ومن اسبانيا وبلغاريا ستبدأ الولايات المتحدة بإعادة رسم حدود الحرب الباردة الجديدة وتحديد سلسلة الأصدقاء والأعداء. فهي من جهة تريد تطويق روسيا ومنعها من التقدم جنوبا إلى آسيا الوسطى وغربا إلى أوروبا. ومن جهة أخرى تريد منع ألمانيا من التقدم من قلب أوروبا (بالتعاون مع فرنسا) إلى أطراف القارة الجنوبية (نحو المغرب العربي وغرب افريقيا) والشرقية (البحر الأسود وقزوين).

نحن في انتظار الموعد الجديد (17 مارس). وهذا الموعد ليس نهاية بل بداية لسلسلة تحولات اقليمية ودولية ساخنة وباردة ولكنها في المحصلة سترسم خريطة سياسية لحدود «الحرب الباردة الثانية»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 184 - السبت 08 مارس 2003م الموافق 04 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً