يمكنك الخروج بحكم أساسي عن تومي فرانكس من البزة التي يرتديها. ولتأكيد ذلك فإنه يمثل شخصية رفيعة في بزته الرسمية الخضراء الداكنة ذات النجوم الاربع التي ترمز إلى رتبة الجنرال على كتفيه، بينما يتصفح محفظة أوراق ووثائق بيده في اجتماع البيت الابيض ليقرر مصير الدول. ولكنه يبدو اكثر وجاهة في بزته العسكرية الاخرى البنية، الزيتونية - الصحراوية ذات الجيب المثبت اعلى صدره جهة اليسار وقد كتب عليها فرانكس، القوات الاميركية.
تومي فرانكس «جندي الحذاء الداكن» من الطراز القديم الذي يحب ان يكون حيثما توجد المعركة والذي يرغب ان يعامل من دون رتوش ولا مجاملة. لاحظ أن اسمه ليس «توماس راي فرانكس» كما في شهادة ميلاده (أو تومي ر. فرانكس كما تشير الأخبار الرسمية إلى ذلك). وحتى سيرته العسكرية الرسمية تشير إليه مجردا بـ «أولد تومي فرانكس» بينما تطلق عليه حفيدته اسم «بوه»، حتى ليعتبر فرانكس الجندي الاكثر اهمية على وجه هذا الكوكب.
الرجل الذي يرأس القيادة المركزية الاميركية والذي سيكون قائد الغزو الاميركي على العراق والذي ربما يبدأ خلال ايام.
وتجعل مهمة فرانكس منه «سفير واشنطن العظيم» في تنفيذ الاوامر الاميركية. وتمثل القيادة المركزية واحدة من تسع قيادات اقليمية تسيطر بها الولايات المتحدة على انحاء المعمورة، ولكنها الاكثر حساسية إذ تغطي 25 دولة غالبيتها تقع في «قوس عدم الاستقرار» ممتدة عبر العالم العربي من خلال الشرق الاوسط والخليج إلى شرق افريقيا وافغانستان.
وقد خاض فرانكس حربا واحدة في سيرته، وصدرت له الاوامر بعد شهور فقط من انتقاله إلى خليج تامبا، حيث مقر القيادة المركزية الاميركية في قاعدة ماكديل الجوية، في 12 سبتمبر/ ايلول 2001 بأن يعد خطة للحملة الافغانية من اجل تدمير نظام طالبان وتنظيم القاعدة والبنية التحتية في الدولة. والآن تلوح حرب أكبر ربما يعتمد عليها مسقبل الشرق الاوسط.
إنها مهمة مرعبة تتعقد اجراءاتها، وهنا يتذكر الجميع نورمان شوارسكوف الذي قاد تحالف الامم المتحدة لاخراج صدام من الكويت في العام 1991. وخلفه انتوني زيني الملقب «بالعراب» لذكائه ومهاراته السياسية. وقد تحدث كلا الرجلين شوارسكوف وزيني بعد تقاعدهما ضد الحكمة من وراء الحرب ضد العراق على الاقل من دون تفويض الأمم المتحدة. ولكن من غير المعروف ما اذا كان فرانكس الذي سيقود «تحالفا لمن يرغب» بزعامة الولايات المتحدة وبريطانيا يحس بالشيء نفسه. ربما تحت البزة العسكرية لا يستمتع برفاهية المنشقين المتمثلة في ابداء الآراء الشخصية.
من ناحية أخرى لم تخيب افغانستان مقدارات فرانكس، إذ ارتكزت خلفيته على المدفعية غير المشهود لها بالابتكار الاستراتيجي. إلا أن افغانستان كانت أولى حروب القرن الحادي والعشرين ذات نوعية مختلفة تتطلب تكتيكات سريعة ومفاجئة عى الارض. وقد تم انتقاد الرجل لاعتماده تكتيكات قديمة في حرب الخليج 1991 وكوسوفو ذات الهجمات الجوية الثقيلة. ولكن في هذه المرة الحرب ضد دولة تم تقليص قوتها إلى مستوى العصر الحجري قبل أن تدخل مقاتلات بي - 52 في الصورة.
كما انتقد ايضا لبطئه في مفاجأة اسقاط طالبان بالاضافة إلى عدم اشراكه قوات اميركية كافية في سلسلة جبال تورا بورا في ديسمبر/ كانون الاول 2001 وعملية الافعى «الاناكندة» في مارس/ آذار.
ونتيجة لذلك تمكن كثير من مقاتلي تنظيم القاعدة (من ضمنهم اسامة بن لادن نفسه) من الفرار.
الجنرال فرانكس ليس مثل شوارسكوف محب للأوبرا ويتحدث لغات اجنبية وهو ماهر في اعداد وجبة الطعام المختصرة.
من عادته، أنه معتدل في تدخين السجائر، يشغل نفسه بالمستنغ فورد القديمة في مرآبه، وهو ايضا هاو مولع لمنتخب تامبا لكرة القدم الاميركية.
في حياته الخاصة، فإن تومي لا يهدأ مع اي أمر، كما قال بذلك الجنرال ليو بالكستر الذي يعرف فرانكس منذ السبعينات، ويعجب من فخر اصدقائه استعمال لغة التجديف «سوى بطريقة هزلية» أما فرانكس «الشخصية العامة» تختلف تماما، فهو لا يجري مقابلات ولا يعني ذلك انه يسيء معاملة الصحافة، فهو فقط لا يحبذ المقابلات.
يفوق دونالد رامسفيلد في الطول إذ يصل ستة اقدام وثلاث بوصات، وذلك اثناء وقفهما في منبر قاعة الموتمرات في البنتاغون إذ يجيب على اسئلة الصحافيين.
«فرانكس» ذو العينين الزرقاوين الثاقبتين والوجه ذي التجاعيد يبدو رجل المهمات الصعبة إذ جرح ثلاث مرات في فيتنام ونال ثلاث نجوم برونزية. وهو حذر دائما مثله والكثير من القادة الذين يخفون حقائق الحرب. وبهذا المعنى ينضم فرانكس إلى مدرسة كولن للجنرالات التي تعتقد بالرسالة الواضحة ونشر قوة ضاربة تكفل النصر بأقل ثمن وفي وقت وجيز، وهو يستمتع بصحبة الجنود المشاة العاديين.
وبطرق شتى يشبه فرانكس في الواقع القائد البريطاني الاسطورة بيرنارد لو مونتغمري، يحب رجاله ويهتم بهم. في زمانه تم انتقاد مونتغمري ايضا مثلما حدث لفرانكس بواسطة الحكام المدنيين نافذي الصبر نتيجة للتأني المفرط في الاستعداد للحرب، ويظهر هذا جليا في استعدادات فرانكس لحرب الخليج 2003 ضد العراق وربما يكون ذلك أمرا غير مدهش.
يعرف فرانكس عن الحرب في العراق من قبل إذ يعمل مساعد قائد الخيالة الاول الذي نفذ خدعة عملية على الحدود السعودية اثناء عملية عاصفة الصحراء.
حشد فرانكس الآن نحو ثلاثمئة الف جندي إذ وعد البنتاغون بهجوم صواريخ موجه بدقة وانزال قوات خاصة ضخمة في آن واحد لشن حرب خاطفة تدهش القيادة العراقية وتجبرها على الاستسلام. ويعتقد المراقبون ان هذه المهمة يمكن تنفيذها بنحو 50 الف جندي فقط.
كانت مسئوليات فرانكس جسمية حتى قبل حدوث الازمة العراقية. ولكن لانها عظيمة للغاية فهو في احيان كثيرة خارج تامبا إما في واشنطن في البتناغون، أو البيت الابيض أو كابتيول هيل - أو يزور مواقع قواته البعيدة. يقضي ساعات قاتلة بعيدا عن الحياة الاسرية. كل هذا يكافأ الجنرال بنحو 150 الف دولار سنويا اقل بكثير مما يتقاضاه ربما في الحياة المدنية. ونتيجة هذه الضغوط العملية، يصطحب فرانكس اسرته، فنجده إلى حد ما قريبا من زوجته كاثي مدرسة التاريخ في المدارس العليا والتي تزوجها بعد عودته من فيتنام في العام 1969 ويطلق عليها «مرساته» وسافرت معه إلى انحاء كثيرة من العالم، وكانت النتيجة تحقيق البنتاغون في ادعاءات بأنه منح زوجته سفرات مجانا على البوينج 707 التي تذهب في مهمات القيادة المركزية. ولكن يبدو انه لايتم اتخاذ اجراء عملي مع اقتراب الحرب الراهنة.
يختلف فرانكس وجورج بوش من الناحية الاجتماعية قليلا. فالرئيس بوش حياته خليط بين نبالة الساحل الشرقي ونفط تكساس، بينما فرانكس اكثر تواضعا إذ التحق ليس بجامعة يال ولكن بجامعة تكساس في اوستن قبل ان يتوجه إلى فيتنام قائدا للمدفعية. ولكن اوجه الشبه بينهما تفوق اوجه الخلاف. كلاهما نشأ في مدينة النفط التكساسية ميدلاند. وكلاهما ليس متحدثا لبقا وكلاهما يخطئ التقدير بسهولة.
وقد وصف فرانكس الرئيس بوش بأنه «اكثر انسان متواضع عرفته منذ وقت بعيد بلاشك» ان مثل هذه المشاعر متبادلة بين الرجلين. وعلى رغم كل هذه الضغوط يحتفظ فرانكس بحماسته. فذات مرة وهو عائد إلى قطر من واشنطن، قفز من الطائرة صائحا في الحرس الليلي الجوي «وقت عرض» ويبدو ان العرض الأهم بالنسبة إلى تومي فرانكس على وشك أن يبدأ.
روبرت كورنويل - خدمة الاندبندنت خاص بـ«الوسط
العدد 188 - الأربعاء 12 مارس 2003م الموافق 08 محرم 1424هـ