تلك حكمة اجتماعية ثمينة: قبل ان تدخل القفص «الذهبي» يجب ان تعرف جيدا انه ذهبي حقيقة... ومعرفة ذلك مرهونة بمدى واقعية الانسان في اختيار شريك الحياة فقد يكون مناسبا وقد يكون جحيما.
كل ذلك حتى لا يصدمنا الزواج بشيء فررنا منه فوقعنا فيه. كثير من الناس يقدم على الزواج بروح غير مبالية وفكاهية وتارة غرامية قائمة على اسس علاقات البرادات والمجمعات واصطياد ارقام التلفونات في المهرجانات التي عادة ما تنتهي بزواج فاشل، لأن العلاقة التي تبدأ بشك تنتهي بسبب الشك ذاته ومن ابتدأ بشر لا يمكن ان ينتهي بنور.
علماء الاجتماع والتربية يوصون كثيرا بأن يضع الشاب أو الشابة أمامهما مجموعة من الاسئلة والتصورات للشريك المستقبلي الذي ينتظرونه. بعض الازواج صام سنين ولكنه فطر على بصلة في المطبخ، وكذلك في جميع اروقة المنزل. كان خياليا ولكن خياله قاده إلى هزيمة اختيارية. بعض الزوجات كانت تحلم بشريك عمر ذات صفات نبوية «فايف ستارت» ولكنها - ولسرعة الاختيار وعاطفته ـ اوقعت نفسها في حضن «جذع نخلة» لا شعور ولا عواطف ولا كلمة ـ ولو موسمية ـ جميلة.
ارادته قديسا يستسقى به الغمام فاكتشفت انه «يرفض الصلاة». بعضهن كانت تتوهم ان هناك معبدا لها في قلبه يقيم فيه طقوس الحب واذا بها تكتشف ان «الزوج المثالي» ولسوء الاختيار وسرعته ان «عشيقها وزوجها المفتون» يعاني من مرض مذواقي خطير اسمه «التنوع في العلاقات».
هكذا هي الحالات: امرأة تزوجته حبا في اخلاقه التي اغرقتها في لياليها الملاح في فترة الخطوبة ناسية ان اكذب مرحلة يعيشها الزواج هي مرحلة الخطوبة. فيفاجئها بتسلط غريب وعنجهية مفرطة واستعباد وتضخم للأنا ليست له حدود.
عرفته كريما بموقف ساذج واحد... «شراء الكباب وأكله معها على الشاطئ». كثير من الازواج والزوجات يقعون ضحية الاختيار السريع وبعض الازواج يكفرون حتى بالزواج عندما يكتشفون خطأ الاختيار تماما مثل ذلك الرجل الذي سمع الخطيب يخطب في الصلاة وهو يقول: «نساؤكم في الدنيا نساؤكم في الآخرة» فقام هذا الرجل فزعا غضبانا وهو يقول: «تحملتها في الدنيا بعد اتحملها في الآخرة».
قبل الزواج يجب ان يفكر الطرفان في امور مهمة:
- ما الطموح المستقبلي الذي تفكر فيه وما صورتك للشريك؟
فمن يفكر في بطنه فإن اولى اولوياته هو ان تكون زوجته طباخة وكفى. من ارد اسرة علمية سيطمح إلى امرأة مثقفة. من يفكر في ابناء اذكياء سيعمل على خطبة من عائلة معروفة بالذكاء. من يفكر في امرأة جميلة فقط سيغض الطرف عن كل السلبيات الاخرى... وهكذا...
بعض من يقدمون على الزواج أو الخطبة قناعاتهم فقيرة الطموح وقد تكون بلا طموح وقد لا تتجاوز حتى انوفهم... ويرون الزواج جنسا أو تفريخ ابناء وانتهى كل شيء.
ولكن تجد بعض الازواج يختار المرأة بما تتناسب وطموحه الذي يرسمه لأبنائه قبل انجابهم...
- يجب ان تكون واقعيا مع النفس في الصفات التي تتمنى وجودها في شريك الحياة ويجب ان يفصح الاثنان كلاهما عن حقيقة ما بداخله وحقيقة الطموح والصفات السلبية والايجابية. فمن الخطأ ان يحاول احد الطرفين الظهور بلباس الملائكة أو الرحمة في فترة الخطوبة مخادعا الطرف الآخر.
- ويجب ان يصارح الخطيب خطيبته بأمراضه ويجب على الاثنين ان يطالبا بعضهما بكشف صحي... زوجة تقدم على زواج من فرد اوهمها بسلامته واذ تكتشف ـ مثلا ـ انه مصاب بمرض الانيميا وقد تكون هي حاملة أو مصابة فهنا تقع المأساة على الاطفال.
- بعض الازواج يوهم خطيبته انه يمتلك شهادة علمية جيدة وبعد ذلك تكتشف انه لم يكمل الاعدادية... ليس عيبا ان يفصح الانسان عن مستواه الاكاديمي فرب انسان بلا شهادة اكاديمية انضج وأوعى من مالك لها، المهم هو المصارحة ويجب على كلا الطرفين ان يخبرا بعضهما بما يضمرانه من صفات مثلا: الغضب، الغيرة الزائدة، التزمت الديني أو المزايده على الدين أو الانفلات من الدين، في كل الحالات يجب ان يكون صادقا.
ما اجمل الانسان عندما يغير على زوجته ولكن يجب ألا تتحول الغيرة إلى هوس جنوبي يفقدها طعم الاحساس بالزواج، ألا فالشك الزائد والمبالغ فيه يحوِّل الحياة الاسرية إلى جحيم لا يطاق. بعض الازواج يحرم زوجته حتى من زيارة صديقتها باسم الغيرة، يرفض ان تتصل هاتفيا لقطع التذاكر «لأن صوت المرأة عورة» وهكذا... البعض يقدم على خطبة امرأة يعرف مسبقا انها تعمل ولكن بعد الزواج يريد حرمانها من العمل حتى لو كان عملها لا يتعارض مع الضوابط الاسلامية... اذن لماذا تزوجتها؟... كل ذلك كان بالامكان تجاوزه في بداية الخطبة.
- الخطيب يجب ان يخبر خطيبته مسبقا برؤيته للمرأة وعلى المرأة ان تعرف حقيقة رؤية هذا المتقدم للزواج لأن بعض النساء تقع ضحية تفكير أهوج ونظرة دونية للمرأة. بعض الرجال يسلب المرأة ابسط حقوقها ومثالا على ذلك: بعض الرجال يتزوج المرأة بثقافة انها «عبدة» خلقت كي تسجد له مكررا ذلك الحديث الضعيف «لو رضى الله بالسجود للانسان ـ مضمونا ـ لأمر بسجود الزوجة لزوجها»... هذا حديث ضعيف لا يمكن القبول به وضعفه ليس في السند فقط بل حتى في الدلالة كما يعبر رجال الحديث.
بعض هؤلاء الرجال يسلب زوجته حتى حق التصرف في راتبها الشهري. وهذا امر محرم في الاسلام، فلا يجوز للزوج ان يسرق راتب زوجته او يضغط عليها كي تعطيه حق التصرف المطلق. فهذا المال مالها لا يجوز له التصرف فيه إلا برضى منها.
بعض الازواج يبذر الاموال على رحلاته الخاصة وعلى لياليه الشبابية - خصوصا اذا كان مراهقا في الخمسين - وعلى سفراته تاركا وراءه عائلة اسرية بلا مال ولا طعام.
بعض الازواج لا يعيش إلا حياته الخاصة من دون ان تكون اسرته او ابناؤه وفق اجندته، فهم خارجون من دائرة اهتمامه... انه الظلم بعينه ان يكون الزوج «رب الاسرة» متوافرا للغرباء والاصدقاء، وقتا ومالا ومشاعر، وزاهدا تجاه ابنائه وزوجته. كثير من الازواج لا يستيقظون من غيبوبتهم إلا متأخرين، فبعد كل التضحيات التي يقدمها إلى الآخرين بما في ذلك التضحية بالاسرة يكتشف بعد وقوعه في مصائب الدهر ان جميع من ضحى لأجلهم تركوه وعلى رغم ذلك يرى من تركهم من زوجة وابناء هم من ينتشلونه من مصيبته... المثل يقول: عندما تطرق المصائب الباب يكون الاصدقاء نياما.
يجب ان يفهم المرء جيدا: ان الاسرة «الزوجة والابناء». بحاجة دائمة إلى الحب والعاطفة واللقاء والاهتمام، فبناء اسرة ناجحة خير من ألف صديق لذلك عليه مراعاة الاختيار.
مازال كثير من الزوجات والابناء يحلمون بكلمة حانية وبعطاء ابوي، فالحياة الاسرية ليست اكلا نوفره او سكنا نقيمه وانما هي ـ اضافة الى ذلك ـ احساس جميل وشعور مرهف نخلقه في ذلك الكوخ الصغير الذي يطمح إلى قليل من الدفء والحنان... كان رسول الله (ص) حانيا على خديجة ونِعَم الأب لفاطمة (ع)
العدد 189 - الخميس 13 مارس 2003م الموافق 09 محرم 1424هـ
كلام جميل
انا مقبلة ع الزواج واستفدت من الكلام... شكرا