العدد 195 - الأربعاء 19 مارس 2003م الموافق 15 محرم 1424هـ

معاناة نار الخبز وجحيم الحرب على الوطن

العراقيون المهجّرون إلى الأردن:

منذ نهاية حرب الخليج الثانية في العام 1991 تزدحم احدى ساحات وسط العاصمة الاردنية عمّان بجمع غفير من العراقيين طوال ساعات النهار في سعي منهم إلى البحث عن فرص عمل، إلا ان المشكلة في الساحة الاقتصادية الاردنية، انها ساحة فقيرة لا تلبي حاجة مواطنيها فكيف الحال بعابر سبيل أو باحث عن العمل من جنسية أخرى. وبحسب المواطنين العراقيين الموجودين والمهجرين في الاردن فإن معظمهم يعتبر الاردن محطة انتقال سواء إلى البلاد الغربية او البلاد العربية الاخرى وخصوصا الخليجية منها إلا ان سوء الاوضاع الاقتصادية في المنطقة عموما تدفع عددا لا بأس به من هؤلاء إلى البقاء في الاردن، حتى في ظل ظروف صعبة. وتعتبر الساحة الهاشمية هي «البريد الشعبي» للعراقيين الباحثين عن اخبار اهليهم ومواطنيهم في الوطن، فهناك يتجمعون ويلتقون ويتذكرون وأحيانا يبكون. فالوقوف على أخبار الأهل والوطن هو الغاية القصوى التي ينشدها هؤلاء حول طاولات المقاهي الرخيصة والمقاعد العامة في «الساحة».

فيما تفترش النساء المتشحات بالعباءات السوداء ارض الساحة الهاشمية لبيع السجائر المهربة - المنتهية مدة صلاحيتها في العادة كما وصفت ذلك معظم الصحف العربية والدولية التي بدأت تتابع هذه المعاناة- فيما تبيع أخريات بعض الادوات الخفيفة والتمور العراقية التي استطعن احضارها من العراق، وذلك بهدف كسب قوتهن بالحلال ولسد رمق من يعلن من اطفال وشيوخ وابناء. ويلجأ الرجال الى العمل بأسعار زهيدة جدا ولساعات طويلة وذلك من اجل تأمين لقمة العيش وسد متطلبات الحياة الاساسية التي يحتاجون إليها في غربتهم.

ويجد العراقيون انفسهم مهددين في كل لحظة بقطع مصدر رزقهم وانهاء خدماتهم من قبل صاحب العمل إذ ان معظمهم يعمل من دون تصريح عمل ويتجاوز المدة القانونية للاقامة الممنوحة له رسميا من قبل السلطات المختصة بالاردن، والتي تحدد عادة بستة اشهر.

وكانت الحكومة الاردنية قد اصدرت حديثا قرارا يمنع بموجبه العراقيون الذين يقل عمرهم عن 40 عاما من دخول الأراضي الأردنية، وذلك خشية منها من اندلاع أعمال شغب من جانب ما يقارب 400 ألف عراقي على أراضيها احتجاجا على الحرب الأميركية المحتملة ضد بلادهم في ظل تفاقم الازمة العراقية وتهديد الولايات المتحدة الاميركية بشن عدوانها على العراق.

والتقت «البيان» عددا من العراقيين رفضوا الكشف عن هوياتهم، خشية منهم على ما يبدو من الملاحقات الامنية.

يقول فني عراقي يعمل في مجال المصاعد الكهربائية اشترط عدم الكشف عن اسمه، ان حجم المعاناة التي يعيشها العراقيون في الاردن يتفاقم وخصوصا بعد التهديد الاميركي الصريح بشن العدوان على العراق والحديث عن اقتراب موعد ساعة الصفر، مشيرا الى ان اصحاب العمل يستغلون حاجة العراقيين إلى العمل من اجل الاستمرار في العيش وتأمين متطلبات حياتهم إذ يدفعون اجورا زهيدة لا تلبي الأكل والمتطلبات اليومية إضافة إلى عدم التزام أرباب العمل بدفع الأجور بشكل منتظم.

وأشار إلى أنه يعمل الآن بأجر لا يتعدى ثلاثة دنانير أردنية أي ما يعادل أربعة دولارات ونصف في اليوم، وهو مبلغ لا يكاد يكفي لانقاذ فرد واحد في الاردن من التسول وطلب الحاجة سواء كان مواطنا أو غيره.

ويشير بعض العراقيين إلى ان ملاحقة رجال الامن لهم مستمرة ولا تنقطع وهو ما يدفعه إلى المبيت في غالبية الاحيان في المقابر والمناطق المهجورة خوفا من ترحيلهم لأنهم لا يملكون تصاريح.

وتقول احدى البائعات العراقيات: أين العرب والمسلمون مما نعانيه قبل الحرب المزمع شنها على العراق؟ وأضافت: لن يستمر الأمر طويلا بعد الحرب إذ ستزيد معاناتنا ولن نجد من يقف إلى جانبنا... مستهجنة مواقف ابناء جلدتهم وقوميتهم ودينهم ومشيرة إلى انه اذا كان وجودهم هنا خوفا من الحرب كما يروج البعض فأين الامة العربية والاسلامية من هذا العدوان الغاشم الذي لا يستهدف العراق وحسب بل كل الامة من اقصاها الى ادناها، وان الدور قادم على الجميع ولن يفلت منه احد. وقد نشطت الحكومة الاردنية - بحسب الكثير من التقارير وتأكيدات العراقيين أنفسهم - في ترحيل المواطنين العراقيين المقيمين في الاردن بشكل غير قانوني وخصوصا الذين انتهت تصاريح عملهم التي تمنح لهم قبل دخولهم إلى الاردن والتي تحدد بناء عليها مدة الاقامة بستة أشهر للعامل العراقي فيما فرض القرار الجديد قيودا اضافية على القادمين إلى الاردن إذ حددت السن المسموح بها لدخولهم فوق 40 سنة.

ويشير عدد من العراقيين إلى أن هذه الاجراءات المشددة لم تستثن حتى الفئات «المثقفة» مثل اساتذة الجامعات، فقد شملت هذه الإجراءات المشددة عددا من الأساتذة العراقيين الذين يعملون محاضرين بالجامعات الأردنية تحت مسمى «أردنة» كوادر التدريس.

وقال أستاذ جامعي عراقي يعمل بالأردن، رفض ذكر اسمه، انه رحل إلى الحدود العراقية وتم ختم جواز سفره بطريقة تمنعه من دخول الاردن إلا بعد خمس سنوات من دون سبب، على حد قوله. يذكر ان الاساتذة العراقيين يشكلون حاليا ما نسبته 45 في المئة من أعضاء هيئات التدريس في بعض الجامعات الأردنية

العدد 195 - الأربعاء 19 مارس 2003م الموافق 15 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً