العدد 197 - الجمعة 21 مارس 2003م الموافق 17 محرم 1424هـ

السوق النفطية رهن العمليات العسكرية ميدانيا

واصلت اسعار النفط الخام تراجعها صباح يوم الخميس بعد الضربات الاولى ضد العراق، لكن السوق النفطية بقيت رهن المعلومات الواردة من الخليج، وقد يتسبب أي حادث بارتفاع جديد كبير في الاسعار.

وحوالي الساعة 11,00 ت غ (12,00 بتوقيت باريس)، بلغ سعر برميل النفط المرجعي لبحر الشمال (برنت)، تسليم مايو/ أيار، 26,61 دولارا في اسواق النفط الدولية في لندن، بعد ان افتتح التداول به بـ 26,35 دولارا واقفل على 26,75 دولارا أمس الأول.

وفي نيويورك، فقد سعر برميل النفط المرجعي الخفيف، تسليم أبريل/ نيسان، 58 سنتا وبلغ 29,30 دولارا، متراجعا بذلك إلى أدنى مستوى له منذ ثلاثة اشهر.

وانتهت مهلة عقود التسليم في ابريل/نيسان مساء أمس. وجرى التداول بسعر عقود مايو/ أيار التي تبدأ اعتبارا من يوم أمس الجمعة، بـ 28,90 دولارا للبرميل، اي بتراجع 46 سنتا.

وأعلن روبرت لافلين، المتعامل في شركة «جي ان آي» للوساطة، «الآن ودخلنا الحرب، فإن السوق تعتبر ان هذا النزاع لن يكون بالسهولة التي اعلن عنها».

وسجلت أسعار نفط برنت تراجعا خلال الليل وتدنت الى 25,50 دولارا للبرميل فور بدء القوات الاميركية قصف أهداف غير محددة في محيط بغداد حوالي الساعة 02,35 ت غ، اي بعد أقل من ساعتين من انتهاء مهلة الانذار الاميركي لمغادرة الرئيس العراقي صدام حسين.

لكن سعر برميل برنت عاد الى الارتفاع حوالي الساعة 08,00 ت غ عندما تبلغت السوق نبأ اطلاق صواريخ عراقية على الكويت، فارتفع الى 27,05 دولارا.

وأعلن غراهام فلينت، المتعامل في شركة «اد اند مان» للوساطة، «ان معظم الناس يراهنون على حرب - ناجزة -، لكن اذا ما حصل اي تبدل سلبي، فقد نشهد ارتفاعا كبيرا في الاسعار».

وفقد سعر برميل النفط الخام قرابة ثمانية دولارات منذ عشرة ايام، كما لاحظ غراهام فلينت الذي قال ان «الاسعار تراجعت بشكل كبير».

وفي العاشر من مارس/ آذار، افتتح التداول بسعر برميل برنت بـ 34,45 دولارا. ثم تدهور الى ما دون عتبة الثلاثين دولارا في مطلع الاسبوع.

أما جون ريغبي، المحلل في كومرسبنك، فقال «إن السعر يعكس الفكرة القائلة انه لن يحصل توقف في نقل النفط الى الدول الغربية. انها فكرة صائبة على الارجح، لكن الخطر بات من الان فصاعدا يتمثل في الارتفاع».

وقد تتراجع اسعار النفط الخام ايضا اذا ما تبلغت السوق نبأ بمستوى اختفاء الرئيس العراقي صدام حسين، لكن غراهام فلينت رأى انها لن تتراجع الى ادنى من ذلك بكثير.

وقال «لا أوافق الذين يعتقدون ان السعر سيتراجع اكثر. ينبغي ان لا ننسى ان اوبك لا تريد ان يتراجع سعر نفطها الى ما دون 22 دولارا للبرميل».

وجددت منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) يوم الخميس تاكيد استعدادها لحشد كل طاقاتها الانتاجية الاضافية لتفادي اي نقص في المادة.

وأعلن رئيس المنظمة وزير النفط القطري عبد الله العطية في بيان اوردته وكالة الكارتل النفطي للانباء (اوبكنا) «اكرر التزام اوبك بتغطية اي نقص في الامدادات النفطية ناجما عن الاحداث الجارية» في العراق.

وفي مقابلة مع شبكة «سي ان ان» التلفزيونية الاميركية، لفت الوزير القطري مع ذلك الى ان الاسواق النفطية مزودة بما يكفي في الوقت الحاضر. وقال «النبأ الجيد هو عدم وجود اي مؤشر للنقص».

وكان السعر الرسمي لبرميل سلة اوبك (المؤلفة من سبعة انواع من النفط العالمي) بلغ 27,12 دولارا الأربعاء، مقابل 27,69 دولارا الثلثاء، بحسب وكالة أنباء اوبك.

وأعلن العطية في بيان نشر في فيينا، مقر اوبك، انه اجرى مشاورات مع مختلف الدول الاعضاء في الكارتل النفطي بعد بدء العمليات العسكرية في العراق وان هذه الدول تعهدت باستخدام كامل طاقاتها الانتاجية الاضافية اذا لزم الامر بهدف التعويض عن توقف الامدادات العراقية.

وقال العطية في بيان لوكالة اوبكنا «على ضوء تطور الحوادث الجارية في العراق وتوقف الامدادات (من جانب) عضو مؤسس في منظمة أوبك (اي العراق)، فقد اجريت مشاورات بصفتي رئيسا لمؤتمر اوبك مع رؤساء وفود الدول الاعضاء».

لكن مسئولا في اوبك رفض الكشف عن هويته اعلن مع ذلك «ان الدول الاعضاء لم تزد انتاجها، ولا اعتقد ان من الضروري في الوقت الحالي ضخ نفط خام في السوق».

وقال «إن اسعار النفط الخام ضمن السلة حاليا»، اي بين 22 و28 دولارا للبرميل وهذا هو هدف اوبك، مضيفا ان «الدول الاعضاء ستستخدم طاقاتها الانتاجية الاضافية في حال حصول نقص».

وأعلنت وكالة الطاقة الدولية يوم الخميس في بيان «ان المنتجين واثقون من امكاناتهم في الحفاظ على الامدادات المناسبة في السوق وتلقينا ضمانات بانهم سيبذلون كل الجهود في هذا الاتجاه».

وفي معرض اعلانه انسحاب فرق الامم المتحدة من العراق، اعلن الامين العام للمنظمة الدولية كوفي عنان ايضا تعليق العمل ببرنامج «النفط في مقابل الغذاء» الذي كان يسمح لبغداد منذ 1995 تصدير كميات من نفطها مقابل شراء المواد الاساسية الضرورية.

ويبدو انه يسهل على الاعضاء الاخرين في اوبك تعويض الامدادات النفطية العراقية. وتبلغ طاقة العراق الانتاجية حوالي 2,8 مليون برميل في اليوم ويسمح له بتصدير مليوني برميل يوميا.

وتؤكد اوبك انها تتمتع بطاقات انتاجية اضافية تتراوح ما بين ثلاثة الى اربعة ملايين برميل في اليوم.


أهو النفط ما يقف وراء هذه الحرب؟

واشنطن- يو بي آي

قدر مجلس العلاقات الخارجية ومعهد بيكر ان تصليح منشآت تصدير النفط العراقي وحدها سيكلف نحو خمسة مليارات دولار في حين ان اعادة انتاج العراق من النفط الى مستواه قبل العام 1990 سيكلف خمسة مليارات دولار اضافية زائد 3 مليارات سنويا لتغطية كلفة التشغيل.

وهذا لا يشمل المستنقع القانوني الذي اوجدته شبكة من الاتفاقات التي وقعها النظام العراقي المتوقع سقوطه قريبا مع شركات نفط اوروبية وهندية وتركية وصينية عملاقة. وستمر سنوات قبل ان يعود النفط العراقي الى الاسواق بكميات ذات معنى ولن يحدث هذا الا بعد دفن عشرات المليارات من الدولارات في باطن الارض لاستخراج النفط بدلها. وهي خطة استثمارية لا توحي قطعا بالثقة.

انصار النظرية الشكوكية في الولايات المتحدة يرفضون هذه الحقائق. وهم يشيرون الى انه في الوقت الذي ستنقل الكلفة الى كاهل دافعي الضرائب الاميركيين فان المنافع والارباح ستدخل خزائن شركات النفط العملاقة، الراعي الحقيقي للرئيس بوش ووالده من قبله ونائبه ووزير دفاعه. باختصار ان معركة العراق افتعلتها زمرة من الخبثاء البيض الذين يسعون إلى الاثراء الشخصي من غنائم الحرب.

وتذهب التهمة الى ان صناعة النفط الاميركية ، في مواجهة الهبوط المتواصل في اسعار النفط، امضت السنوات العشر الماضية في موجة محمومة من عمليات الدمج والتملك. وبلغ اجمالي ارباح شركات الطاقة الـ 22 الكبرى في الولايات المتحدة 7 مليارات دولار على عائدات بحجم 141 مليار دولار خلال الربع الثاني وحده من العام الماضي. وكانت 45 في المئة فقط من ارباحها نتيجة عمليات استخراج للنفط والغاز داخل الولايات المتحدة نفسها.

ومما له مغزاه ان 40 في المئة من صافي الارباح تحقق من عمليات استخراج النفط والغاز خارج الولايات المتحدة والباقي من صناعة التكرير وانتاج المشتقات النفطية في انحاء العالم. فان ركود طاقة التكرير في الولايات المتحدة يجبر الشركات على اقامة مشروعات مشتركة مع جهات اجنبية لانتاج المشتقات النفطية وتسويقها.

يضاف الى ذلك ان شركة جون اس. هيرولد للاستشارات افادت ان كلفة الاحلال ـ ايجاد احتياطات جديدة ارتفعت في العام 2001 الى اكثر من 5 دولارات للبرميل باستثناء منطقة الخليج إذ يكون النفط احيانا على عمق الف قدم وتعوم عليه مساحات شاسعة من الارض. باختصار ان شركات النفط الاميركية الكبرى تتطلع الى الخارج من اجل ضمان بقائها على المدى البعيد. العراق كان دائما على رأس هذا الخارج.

هذا المخطط الذي حاكته الشركات الاميركية بعناية اجهضه شهر العسل بين صدام حسين وشركات النفط غير الاميركية. وكانت شركات النفط الاميركية ترتعب من فكرة استبعاد صدام وبطانته لها وبذلك تحويلها الى لاعب ثانوي.

ويمضي هذا الطرح الى ان شركات النفط اقنعت البيت الابيض اولا بفرض العقوبات على العراق لتجميد تعامله المتزايد مع الشركات الاجنبية المنافسة لها، واقنعته الان بأن يأخذ لها بالقوة ما حرمت منه بالقانون.

والمرجح الان ان عقود التطوير والانتاج التي وقعها نظام صدام حسين مع شركات فرنسية وروسية ستخضع للمراجعة على يد من يحكم في بغداد بعد صدام.

تضاف الى ذلك مكافأة اخرى هي موت منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك). فان سيطرة الولايات المتحدة على احتياطات العراق النفطية الضخمة ستقصم ظهر اي كارتيل نفطي وتنتقم من مشاكسين مثل فرنسا.

وعلى افتراض ان احتياطات العراق تبلغ 250 مليار برميل ونسبة القابل للاستخراج الاني منها 50 في المئة (كلاهما تقديران متحفظان) فان قيمة نفط العراق القابل للاستخراج الفوري ستكون نحو 3,125 ترليون دولار مقابل كلفة انتاج اجمالية بقيمة 8 18 مليار دولار بحيث تكون المحصلة الصافية 2,937 ترليون دولار.

وعلى افتراض تقاسم هذه الثروة الهائلة مناصفة مع الحكومة العراقية وفترة انتاج تمتد 50 عاما ستكون ارباح الشركات الاميركية 29 مليار دولار سنويا. وهذا الحجم الضخم يشكل ثلثي الـ 44 مليار دولار التي هي اجمالي الارباح التي حققتها اكبر خمس شركات نفط في العالم مجتمعة في العام 2001. وفي حال استخدام افتراضات اعلى ستكون الارباح 50 مليار دولار سنويا.

قد يكون هذا كله صحيحا ولكن اي حرب في التاريخ لم تكن مدفوعة في جانب منها على الاقل بالرغبة في النهب والسلب؟ اي محتل لم يحاول استغلال احتكاره للسلطة من اجل الربح التجاري؟ ولا بد من الاقرار بأن هناك خيطا رفيعا يفصل بين الاستثمار والاستغلال، بين النظام والطغيان، بين الرؤية والخيال. وعلى الولايات المتحدة بعد التخلص من صدام ورهطه ان تضمن وجود تكافؤ في الفرص وتمتنع عن الغدر بالعراق من خلال استغلال نفطه. عليها ان تتيح امكانية استخدام ثروات هذا البلد الذي طال عذابه لاعادة اعماره وتحقيق ازدهاره. وعليها ان تشجع اقامة حكم صالح بما في ذلك الشفافية في منح العقود والمقاولات الدولية وان تدعو الامم المتحدة الى الاشراف على اعمار العراق. وينبغي ان تشجع واشنطن دول العالم الاخرى على النظر الى العراق باعتباره بلدا واعدا للاستثمارات الاجنبية المباشرة والتجارة.

واذا تحققت في مجرى هذه العملية ارباح لهذا الطرف او ذلك فلا ضير في ذلك. فان كثيرين يحكمون على موقف الولايات المتحدة في الفترة المقبلة وفق سيناريوات افتراضية ومخاوف من سيطرتها على العالم بممارسة قوتها العسكرية الساحقة بلا رحمة. لعل هذا جائز ولكنه ليس الاساس الوحيد لاصدار الحكم

العدد 197 - الجمعة 21 مارس 2003م الموافق 17 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً