لا يزال مشهد الحوادث المرورية المروعة التي تقع في شوارع البحرين متأججا في الذاكرة، وملتهبا بشظايا لحظات الانفعال والتهور وعدم الانتباه أثناء السياقة التي تخلف آثارا سلبية على الأفراد والمجتمع، وتوقع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. وفي الآونة الأخيرة ازداد عدد الحوادث في البحرين بشكل متزايد وملحوظ، اذ بلغ عدد الحوادث المرورية ما يقارب الأربعين ألف حادث سنوي في السنة الماضية، ورصدت الأرقام الرسمية أن حادثا واحدا يقع كل 14 دقيقة، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بالدول الأخرى المقاربة في النشاط والحركة المرورية. ويضطلع الشباب بمسئولية كبيرة في وقوع هذه الحوادث، إذ أن 65 في المئة من اجمالي الحوادث ارتكبها سواق أعمارهم بين 18 إلى 35 سنة، وكان للسرعة نصيب الأسد من المخالفات المرورية فنسبتها تقارب الـ 17 في المئة من مجموع المخالفات. وقامت «الوسط» بالحديث مع عدد من الشباب الذين وقعوا فريسة للحوادث المرورية، وتحدثت معهم عن تجربتهم ومعاناتهم وكيف يقيمون ما حدث لهم، كما رصدت وجهات النظر العلمية عن هذا الموضوع.
أحمد الأهلي يعمل رجل أمن في أحد المصانع، عمره 27 سنة، أصيب في حادث مروي بليغ عندما كان يسوق سيارة الشركة «بيكب» بسرعة عالية عند أحد المنحنيات. يقول عن الحادثة: « كنت في منطقة عسكر، وبعد أن توقفت عند برادة وأشتريت لي أغراضا شخصية، سرت في السيارة باتجاه البحر، ولفتني مشهد الصيادين وهم منهمكون في الاعداد والتجهيز للصيد، وعندها أدرت مقود السيارة بحركة مفاجئة للرجوع، وكنت أسوق بسرعة 100 كيلومتر في الساعة، وأدى ذلك إلى انحراف السيارة عن الطريق وفقدت السيطرة تماما عليها اذ انقلبت مرات عدة بشكل مهول، ولم أجد نفسي بعدها إلا راقدا في المستشفى. انها السرعة القاتلة التي تجرك إلى سرير العجز».
وعانى الأهلي من اصابات وكسور عميقة في الحوض والأكتاف الزمته سرير المستشفى لمدة أربعة أسابيع. ويقول عن معاناة الألم النفسي والجسدي بعد الحادثة: «لا يجوز أن يتهور الشباب في السياقة، ويذوقوا طعم تدمير طاقتهم وحيوتهم، والأمر من ذلك أن تبقى عاجزا عن الحركة، تطلب من أقربائك أن ينقلوك ويهتمون بك، وأنت لا تستطيع أن تباشر حياتك الطبيعية. في البداية كنت متعبا نفسيا ثم رممت ما حدث بقوة الإرادة والعزيمة، واليوم لا يوجد سوى بقايا ذكرى لما حدث». وحين سألته: هل ستسرع مرة أخرى في سياقتك؟ يجيب: «لن أكرر ما حدث، وعلى الشباب أن يسوقوا بحذر ويلتزموا قواعد السير والمرور، وألا يسرعوا إلا في حدود ماهو مسموح به ومعقول كي لا يعرضوا حياتهم وحياة الآخرين للخطر».
ثمانية حوادث
تعتبر تجربة دانة يوسف الحمدان، وهي طالبة في قسم الاعلام في جامعة البحرين، مختلفة إلى حد ما عن قريناتها فقد شهدت ثمانية حوادث مرورية منذ حصولها على رخصة القيادة، وعن سبب بلوغها هذا الرقم تجيب: «لا أعلم، ربما هي الصدفة أو التهور... حدثت بتتابع». وتذكر أن الحادث الأخير كان «الأعنف» من بين الحوادث السابقة. تقول: «في ليلة رأس الميلادية خرجت مع ثلاث صديقات، وكانت سيارتي جديدة لم يمر أكثر من أسبوعين على شرائها. كانت الشوارع مزدحمة، والحركة بطيئة، ويكثر وجود الشباب المتهور الذي يتسكع عند الطرقات أو يجوب بدرجاته النارية أو سيارته الرياضية الشوارع لمجرد الالفات وارضاء الغرور الذاتي. وعندما عبرت احد التقاطعات اصطدمت بنا سيارة مجنونة مسرعة، لا ندري من أين جاءت، بعدها انحرفت السيارة بشدة وارتطمت في الرصيف، وشهدنا وقتا رهيبا، البعض أغمي عليه، والآخر استقبل الدماء الساخنة. لم أخف على نفسي بقدر ما كنت خائفة على صديقاتي فقد كنت مسئولة عنهن بعد أن اصطحبتهن في سيارتي».
وتذكر الحمدان أن السرعة هي السبب الرئيسي لما حدث وأنه «بامكان تجاوز الحادث في حال لو كانت السيارة تسير بسرعة معقولة». وتقول عن الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى وقوع الحوادث المرورية: «قلة الانتباه والتركيز أثناء السياقة والانشغال بأمور ثانوية يحرف السائق عن التركيز لما يجري أمامه، وبالتالي إلى وقوع حوادث مرورية مروعة يكون ضحاياها الشباب». وتلقي بالمسئولية على الشباب أنفسهم وأسرهم «التي تسمح لهم بسياقة السيارة بمفردهم من دون حصولهم على تدريب كاف بعد الحصول على رخصة السياقة، فهم يسوقون في سن مبكرة، ويكافئهم الأهل بشراء سيارة من دون رقابة أو متابعة». وتنصح الشباب بالا يسرعوا ويكونوا حذرين في السياقة؛ لأن «العواقب ستكون وخيمة ومؤثرة في حياة الشاب».
تعود على السرعة
الشاب وليد محمد، عمره 26 سنة، يذكر أنه بمجرد حصوله على رخصة السياقة في وقت الظهر وقع له حادث مروري مباشرة في مساء اليوم نفسه. يقول: «كنت أتصور أنني متمكن من سياقتي ومسيطر على السيارة، ومن أجل الاثبات للآخرين أنني قادر على السياقة بتمكن، ولكن ما حدث عكس ذلك تماما، اذ تورطت في حادث مروري حين فقدت السيطرة تماما على السيارة، واختل التوازن ولم أجد نفسي إلا مرتكبا الحادثة الأولى، وتلتها أيضا عدد من الحوادث». ويذكر أنه في احدى المرات كان يسوق بسرعة عالية بلغت 140 كيلومترا في الساعة، وكانت النتيجة هي وقوع اصابات وتلفيات مادية، ولكن «الحمدلله انني خرجت سالما». وحين سألته هل ستسرع مرة أخرى بعد تجربته يجيب: «بصراحة تعودت على السرعة ولكنني في كل مرة أحاول الالتزام بالسرعة المسموح بها. أبيح لنفسي السرعة حين يكون الشارع خاليا».
ويقول محمد عن الشباب الذين لا يلتزمون بارشادات المرور، ويقومون باستعراضات بالسيارة أو الدراجة النارية: «انهم غير مدركين لما يفعلون وغارقين في أوهامهم ومتعتهم المؤقتة التي تتحول بعدها إلى كارثة، حينها (ربما) سيتعظون». ويشير إلى أن الشباب الذين تعودوا السرعة يعاودن مرة بعد أخرى «حتى بعد مشاهدتهم لحادث مروري مروع أو تعرض أحد اصدقائهم لمكروه» وأن غياب الرقابة الأسرية له دور مهم في هذا الجانب. ويشدد على أن تكثر ادارة المرور من وضع الكاميرات المراقبة للسرعة فهي «فعالة وتقلل من وقوع الحوادث».
مسئولية مشتركة
ويرى الشاب سلمان حسن، عمره 24 سنة ويعمل في شركة خاصة، أن ادارة المرور تتحمل مسئولية «الانضباط المروري وحفظ الأمن في الشارع» إلى جانب مسئوليات الأسرة والمجتمع تجاه الشباب وتثقيفهم وتوعيتهم بالارشادات والقوانين المرورية. ويقول: «انها مسئولية مشتركة بين الأسرة والمجتمع في الحفاظ على الشباب والناشئة من خطر الحوادث التي تحصد الأرواح وتوقع المآسي، ولابد أن تضغط الأسرة على أبنائها بتوخي الحذر في سياقتهم والاعتبار من أخطاء الآخرين». ويستعجب حسن من الحملات المرورية لضبط السواق المخالفين، اذ وصفها بأنها «متقطعة ولا تخضع إلى نظام معين للمراقبة المرورية». ويضيف: «لماذا لا تشمل هذه الحملات مناطق القرى والشوارع الصغيرة، فهناك عدد من التجاوزات التي تتمثل في السرعة المبالغ فيها في شوارع صغيرة ضيقة، واللامبالاة لحقوق السواق الآخرين».
ويقول حسن: «لم يصبني حادث مروري، لكن ما شهدته من وقوع أكثر من حادث كان الشباب طرفا رئيسيا فيها، يدفعني إلى التأني في السياقة والتأمل في العواقب الوخيمة جراء ذلك، فالوصول بأمان إلى البيت وأنت متأخر خمس دقائق، لا يقارن تماما وأنت تقود بسرعة جنونية تعرض حياتك وحياة الآخرين إلى الخطر».
دوس طفلة صغيرة
ويروي محمد جعفر، عمره 35 سنة ويعمل موظفا حكوميا، ما شاهده من حادث مروع أمام عينيه اذ داست سيارة مسرعة كان يقودها شاب في العشرين من عمره طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها الثماني سنوات كانت تحمل الخبز وهي في طريقها إلى منزلها. يقول: «موقف مؤلم لا يوصف، فبمجرد عبورها الشارع، التهمها الموت وكانت فريسة شاب متهور لم يلتزم القوانين المرورية. وكانت الصدمة كبيرة لدى والديها الذين استقبلوا الخبر مذهولين ومفجوعين بفراق ابنتهما». وشدد جعفر على ضرورة أن يكون السائق منتبها ويقظا، وأن يحترم الآخرين من السواق والمشاة أثناء السياقة.
الوعي المروري
وتذكر الباحثة في مركز دراسات المواصلات والطرق في جامعة البحرين ريم أكبري أن البحرين تملك قاعدة معلوماتية عن الحوادث المرورية وتفاصيل دقيقة عن حركة المرور لا نظير لها في الشرق الأوسط، وهي تجاري ما هو معمول به في الدول المتقدمة. وتقول: «مشكلة الحوادث المرورية هي معقدة ومتشعبة، تتحملها عدة أطراف في المجتمع ولابد من تكاتف الجميع لحلها. هناك قصور في عدة جوانب، أبرزها ما يتعلق بالوعي المروري لدى الشاب والأهل الذين يسارعون بشراء السيارات الفارهة والرياضية من دون متابعة حقيقية ودراية لما يقوم به الأبناء. نحن لا نؤهل أطفالنا وشبابنا بالدرجة الكافية التي تجعلهم قادرين على التعامل مع السيارة والطريق بالشكل الذي يوفر لهم الأمان ويحفظهم».
وتضيف: «هناك طفرة تكنولوجية لم تواكبها طفرة ثقافية لدى الأفراد، فلا يوجد في مناهجنا الدراسية مساقات تدرس الطلبة عن الأمن والانضباط المروري وكيفية التعامل مع ما يحدث في الشارع، وهي تدرس في أولى المراحل الدراسية قي الدول المتقدمة لأهميتها. هل يكفي تعليم السياقة فقط من دون تأهيل كامل للسائق؟ يجب ألا يكتفى بالجانب النظري فقط».
وتشير أكبري إلى غياب دور المؤسسات الشبابية الأهلية والحكومية التي تحتضن الشباب، وتوفر لهم الجو المناسب الذي يستثمر طاقاتهم بدل أن «يفرغوها في متعة مؤقتة تجلب لهم التعاسة».
التحقيق لا يقف عند هذه النقطة، وهو يتجدد بتصاعد موجة الحوادث المرورية التي تعاني منها البحرين وتحصد سنويا عشرات الضحايا ومئات المصابين. وهل يتعظ شبابنا وهم ثروة الوطن وعماده ما رأوه وسمعوه عن الحوادث المرورية؟ ماذا سيجنيه الشاب حين تجره السرعة إلى كابوس العتمة والعجز ولايستطيع حينها أن ينطلق بقوته وحيويته لتحقيق تطلعاته وأحلامه؟
الصخير - الوسط
قال نائب رئيس لجنة السيارات في جمعية التأمين البحرينية محمد كاظم: «ان أهم الأسباب التي يعزى إليها ارتفاع أسعار التأمين على المركبات هي الازدياد المطرد في الحوادث المرورية خلال السنوات الماضية وارتفاع قطع الغيار والمركبات بسبب التقنية المتطورة في صناعة المركبات والارتفاع المستمر في كلفة التصليح، وأدى ذلك إلى تعرض شركات التأمين لخسائر وصعوبات في تغطية نفقاتها في محافظها الخاصة بالتأمين الالزامي (الطرف الثالث)». جاء ذلك أثناء المحاضرة التي نظمتها لجنة السلامة على الطريق «قواعد المرور... ضمان وسلامة» في جامعة البحرين أخيرا. وكشف كاظم عن وجود دراسة شاملة لمحافظ التأمين الإلزامي ونتائجها الفنية، تقوم بها شركات التأمين وتشرف عليها الجمعية، والتقدم بمقترح لتعديل أسعار التأمين الإلزامي من حيث الأخذ بمبدأ التفريق بين الخطر الجيد والخطر الرديء ومكآفأة السائق النظيف، وسيقدم هذا المقترح إلى الجهة المختصة بمؤسسة نقد البحرين باعتبارها الجهة المسئولة عن الرقابة على قطاع التأمين. وأضاف قائلا: «يعتمد هذا المقترح على جدول أسعار التأمين الموحد على السيارات (الطرف الثالث) لشركات التأمين العاملة في البحرين الصادر من قسم التأمين بوزارة التجارة في أغسطس/آب من العام 1995».
وقال كاظم: «لوحظ في الآونة الأخيرة كثرة الحديث عن تشدد شركات التأمين من حيث الأسعار والشروط وخصوصا مع تلك السيارات المستخدمة من صغار السن أو قليلي الخبرة في السياقة أو بخصوص بعض الأنواع الخاصة بالمركبات مثل السيارات الرياضية العالية الأداء».
وذكر كاظم مجموعة من الأسباب التي تبرر رفع أسعار التأمين، وأنها مرتبطة بمتغيرات وعوامل في السوق. ومن بين هذه الأسباب «اتجاه المحاكم في مملكة البحرين إلى الحكم بتعويضات كبيرة نسبيا في قضايا الوفاة والاصابات المدنية، واتجاه وزارة الصحة أخيرا الى مطالبة شركات التأمين بتعويضات كبيرة لعلاج المصابين في حوادث المركبات في الخارج، واعتبار القانون ركاب المركبة طرفا ثالثا يستحقون التعويض».
وقال: «كل هذه العوامل بجانب عوامل أخرى كثيرة أدت إلى أن تقوم شركات التأمين بالعودة إلى السقف الأعلى للتسعيرة الالزامية، وامتناعها في بعض الأحيان عن اكتتاب أعمال تأمين الزامي جديدة، الأمر الذي أدى إلى تذمرالمواطنين من هذه الأسعار». كما ذكر عدد من احصاءات للحوادث المرورية التي بينت ازدياد حالات الوفاة بنسبة 17,3 في المئة في العام 2001، وأن اجمالي نسبة خسارة شركات التأمين بلغت حوالي 94 في المئة
العدد 203 - الخميس 27 مارس 2003م الموافق 23 محرم 1424هـ