العدد 207 - الإثنين 31 مارس 2003م الموافق 27 محرم 1424هـ

هل سيتحقق النصر في أسابيع أم أشهر؟

بدأت تظهر علامات التوتر حتى على وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد، ذلك الرجل المخيف الذي مازال يحتفظ بنضارته وهو في السبعين من عمره، والذي يدير الآن الحملة العسكرية ضد العراق. لقد زمجر بلهجة الواثق من نفسه الاسبوع الماضي عندما سأله احد الصحافيين بجرأة اذا ما كان قد اخطأ عندما دافع عن نظرية الحرب القصيرة والسريعة ضد العراق.

ويبدو ظاهريا ان هذه الشخصية القوية المولعة بالقتال هي شخصية الرئيس التنفيذي الذي لا يتساهل مع اية آراء مخالفة، ولكن اذا ما امعنا النظر نستطيع ان نرى علامات التوتر على وجهه. وبعد مرور اكثر من عشرة ايام على الحرب فإن اميركا التي كانت واثقة من تحقيق نصر سريع اصبحت مضطرة إلى مواجهة احتمال ان تستغرق الحرب أشهرا وليس اسابيع كما تم الترويج بأن الحرب ستكون مجرد نزهة!

«لقد تعلم صدام دروسا من حرب الخليج الاولى كما تعلم من مقديشيو»، كما قال الخبير في الشئون العراقية بمؤسسة «بروكنجز» كينيث بولاك مشيرا إلى التدخل العسكري الاميركي غير الموفق في الصومال في العام 1993، الذي انتهى بجرجرة جثث الجنود الاميركان في شوارع مقديشيو. لقد تعلم صدام ان الجنود غير النظاميين والقوات شبه العسكرية يمكن ان تسبب مشكلات، كما يمكن استخدام بعضها دروعا بشرية.

ويعترف مسئولو البنتاغون بنوع من التردد بأن المقاومة اصبحت اقوى وأشد من المتوقع، على رغم تكرار التصريحات بأن كل شيء يسير بحسب الخطة الموضوعة.

وفي الواقع، وباستثناء الخسائر الناجمة عن النيران الصديقة، فإن الخسائر البريطانية والاميركية كانت طفيفة، ولكن تكتيكات حرب العصابات التي تعتمد اسلوب الكر والفر، بالاضافة إلى العواصف الرملية القوية اعاقت تقدم القوات. كما ان خطوط الامداد التي انتشرت لأكثر من 250 ميلا على الطرق غير الملائمة وصلت إلى نقطة صعبة. وقد توقفت فرقة المشاة الثالثة الاميركية تماما الاسبوع الماضي - وهي الفرقة التي تقود الهجوم على بغداد - بسبب نقص الوقود وحتى الطعام والماء. كما ان الارهاق اجبر القوات على التوقف لاعادة التجميع والتسليح والتموين.

ولكن كل هذا يثير سؤالا مهما: هل وضعت واشنطن عددا اقل من القوات في ارض المعركة لأنها كانت تحلم بتحقيق نصر سهل وسريع؟ ويجيب مهندسو السياسة العسكرية عن هذا السؤال بالنفي.

يقول رئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز: «ان خطتنا رائعة، ونحن نسير طبقا للخطة الموضوعة، اعتقد ان لدينا القوات الكافية لانجاز المهمة».

ولكن الخبراء البارزين يخالفون رأي مايرز إذ يشيرون إلى ان الربع مليون جندي الذين تم نشرهم في العراق وحولها يمثلون نصف العدد الذي حشد في حرب الخليج الثانية في صحراء مكشوفة ملائمة للقوات المدرعة الاميركية. ويصل عدد القوات المحاربة فعليا على الارض الآن ما بين 75 و100 ألف جندي.

ان القوات الرئيسية في ميدان المعركة - فرقة المشاة الثالثة وفرقة المارينز الاولى والفرقة 101 المجوقلة (المحمولة جوا) والقوات البريطانية - ليست كافية حتى لو اخذنا في الاعتبار السيطرة الجوية الاميركية البريطانية الكاملة، كما يقول الخبراء.

ونحن بحاجة إلى اربع فرق على الاقل، بالاضافة إلى القوات البريطانية. ولا نمتلك قوة قتالية كبيرة سوى فرقة المشاة الثالثة المزودة بالدبابات والعربات المدرعة. كذلك فإن نيران الحرس الجمهوري المضادة للطائرات تضعف فعالية اكثر الاسلحة فتكا في ميدان المعركة - طائرات الاباتشي الهجومية.

ولكن سيتم تعويض النقص مع الوصول المتأخر لفرقة المشاة الرابعة والتي كان من المفترض ان تشن هجوما من الشمال باتجاه تكريت - مسقط رأس صدام - وعلى بغداد نفسها.

وقد تلاشت تلك الخطة عندما رفضت تركيا السماح للقوات الاميركية الارضية باستخدام القواعد التركية. ان عملية انزال 1000 مظلي في المناطق الخاضعة لسيطرة الاكراد في شمال العراق بديل هزيل لحوالي 62,000 جندي كانت الولايات المتحدة تريد حشدهم على طول الحدود التركية. وتم الآن نشر فرقة المشاة الرابعة في الكويت لتتحرك شمالا لتعزيز القوات الاميركية المجتمعة لشن هجوم حاسم على بغداد.

ان هذه الحرب التي تمت تغطيتها بشكل مبالغ فيه اصبحت اسيرة التوقعات. ومما يؤسف له ان هذه التوقعات تشبه تماما الاسواق المالية التي تتجاوز كلا الاتجاهين.

لقد كان التفاؤل مفرطا في البداية، ومن عمل على زيادة هذا التفاؤل اشخاص مثل نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الذي تنبأ قبل ثلاثة ايام من بدء الحرب بأن يفعل الحرس الجمهوري ما اسماه الجنرال مايرز الشيء الشريف ولا يقاتل ابدا! وحتى وقت مبكر من الاسبوع الماضي لم يذكر الخبراء العسكريون كلمة «فدائيين».

لقد سارت الامور الآن في اتجاه معاكس إذ يقال ان الحرب ستستغرق أشهرا، ما يثير التوقعات بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ستكونان مشغولتين في الحرب عندما يقابل بوش وبلير ثلاثي السلام - جاك شيراك وفلاديمير بوتين وجيرهارد شرودر - في قمة الثمانية التي ستعقد في فرنسا في يونيو/حزيران المقبل.

ولكن بلير لم يكن مخطئا إلى حد كبير عندما اصر في اجتماعه مع الرئيس بوش في كامب ديفيد الاسبوع الماضي على انه قد تم انجاز الكثير، يقول بلير: لقد عطلنا قدرة العراق على شن هجوم من جهة الغرب ضد «اسرائيل». ان قواتنا اصبحت على بعد خمسين ميلا من بغداد وتمت محاصرة البصرة وتمهيد الطريق لوصول المساعدات الانسانية. وتم الحاق خسائر جسيمة بالقيادة العراقية وسيطرتها على البلاد. ولكن لم يلزم كلا الزعيمين نفسيهما بجدول زمني لانهاء الحرب.

يجب ان نتوقع ان الامر قد يتطلب قيام قوات التحالف بالتحرك إلى الامام وتحطيم وحدات الحرس الجمهوري حول بغداد قبل ان نرى انهيار النظام العراقي. ولكن هل ستستغرق هذه العملية اسابيع ام أشهرا؟

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 207 - الإثنين 31 مارس 2003م الموافق 27 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً