العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ

شرودر يتراجع عن موقفه ويتمنى انتصارا عاجلا للتحالف

ما ان بدأت المعارك ضد العراق حتى طالبت المعارضة في برلين حكومة المستشار شرودر بالإعلان رسميا عن موقف مؤيد للأميركيين وتمني النجاح لهم، لكن هذا الطلب لم يتحقق. سبب تردد الحكومة في التجاوب مع ذلك الطلب كان خشية المستشار ووزير الخارجية أن تعتبر التمنيات بالنجاح تأييدا للحرب التي عارضتها ألمانيا من البداية. بعد أسبوعين من الحرب غيرت الحكومة الألمانية لهجتها وأعربت عن أملها بنهاية عاجلة للعمليات العسكرية، وكان هذا الموقف بداية تراجع حكومة الائتلاف الاشتراكي الأخضر عن تحفظها تجاه الحرب.

يمكن قراءة موقف جديد في البيان الحكومي الذي ألقاه المستشار الخميس الماضي أمام أعضاء البرلمان الاتحادي في برلين، إذ جاء فيه: «إننا نأمل بنهاية عاجلة للحرب وأقل عدد ممكن من الضحايا، كما نأمل أن يحصل الشعب العراقي بعد نهاية عهد الديكتاتور على ما يصبو إليه من حرية وسلام وحق تقرير مصيره بنفسه». هكذا أتى المستشار شرودر لأول مرة على الذكر علنا بأنه يؤيد هدف الأميركيين والبريطانيين بإزاحة صدام حسين عن السلطة. صدر هذا التراجع بعد أن ذكر شرودر في موقفه أنه كما في السابق يعتبر الحرب خطأ.

قبل المستشار كان وزير الخارجية فيشر قد كشف في جلسة لجنة الشئون الخارجية التابعة للبرلمان عن موقف فاجأ نواب المعارضة، حين أعلن أحد نواب الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض أنه يتمنى النجاح للتحالف الأميركي/البريطاني رد عليه فيشر بموقف مؤيد. وكان فيشر قد اجتمع قبل ساعات بوزير خارجية بريطانيا جاك سترو، وأبلغ الصحافيين البريطانيين أنه يأمل بنهاية عاجلة لعهد صدام للحيلولة دون وقوع خسائر بشرية كبيرة.

وكشفت محطة التلفزة الرسمية (زد دي اف) فحوى مقابلة مع شرودر ستعرض ظهر اليوم الأحد بسبب الموقف الجديد الذي تبناه المستشار، وقال في المقابلة التي سجلت يوم الجمعة أنه يتمنى انتصارا عاجلا للتحالف وأنه لا يأمل بشيء آخر في ضوء الظروف الحالية، وان أمله كبير بأن تتوقف العمليات العسكرية والمباشرة بوضع نظام جديد للعراق تحت إشراف الأمم المتحدة. وأوضح شرودر أن النزاع بشأن الحرب تسبب في توتر العلاقات بين ألمانيا والولايات المتحدة، وكشف عن استعداده لعقد اتصال مع الرئيس بوش مؤكدا أنه لا يرى ما يحول دون ذلك، مشيرا إلى الشراكة التاريخية القائمة بين البلدين. وأوضح شرودر أنه سيلتقي بوش في مطلع شهر يونيو/حزيران المقبل في مدينة إيفيان الفرنسية حين تنعقد قمة مجموعة دول الثماني. وقال شرودر ان بلاده مستعدة لتقديم مساعدات لتمويل إعادة تعمير العراق تحت إشراف الأمم المتحدة، لكنه رأى أن الوقت مبكر بعض الشيء للخوض في تفاصيل عن هذا الموضوع، كذلك الأمر بالنسبة إلى مشاركة ألمانيا بقوات تابعة لها في مهمة حفظ الأمن والسلام في العراق.

ظهرت مشكلة جديدة أمام الائتلاف الاشتراكي/الأخضر، إذ لابد من عدم ظهور شعور بأن الحكومة تؤيد الحرب. ففي برلين لم يشك أحد في أن الولايات المتحدة ستحسم الحرب لصالحها. وكان الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، شولتس، أول مسئول مقرب من شرودر، أعرب في مقابلة صحافية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي عن تمنياته بنجاح مهمة قوات التحالف، ولم تصدر احتجاجات من نواب حزبي الائتلاف الحاكم على تصريحات شولتس الذي لا يلعب أي دور في صنع السياسة الخارجية الألمانية بل صرح بما يشعر به كثيرون من نواب حزبي الائتلاف.

وتبنى حزب الخضر موقف المستشار، وقالت رئيسة المجموعة البرلمانية التابعة لحزب الخضر كريستا زاغر: «طبيعي ألا يتمنى أي منا أن تحسم الحرب لصالح صدام، وليس من شك أننا جميعا نأمل في نهاية عاجلة للحرب». وقال زميلها من الحزب الاشتراكي غيرنوت إيرلر ان الحكومة الألمانية كانت على الدوام تأمل بتغيير النظام في العراق، لكنه حذر من أن الطريق الذي سلكته الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف يعزز عداء العالم الإسلامي للغرب وأن صدام حسين سيصبح بطلا قوميا.

ولا تريد الحكومة الألمانية أن توحي بأنها تراجعت عن موقفها، وتقول انها أقدمت على خطوة لتشجيع واشنطن على ترك دفة تسيير أمور العراق للأمم المتحدة. وهي تأمل أن تلعب الأمم المتحدة الدور الرئيسي في مرحلة ما بعد الحرب، إذ يؤكد المستشار ووزير خارجيته ضرورة العمل على إعادة التعمير تحت إشراف الهيئة الدولية. وترى ألمانيا أن السبيل الوحيد أمامها لتقاسم بعض النفوذ في العراق يمر عبر مجلس الأمن الدولي. وألمانيا حاليا عضو غير دائم في مجلس الأمن وترأس لجنة العقوبات التي تشرف على العراق. وهناك سبب آخر وراء الموقف الجديد قد يكون استعداد ألمانيا لترطيب الأمور مع واشنطن بعد أن طلب شرودر من وزرائه ونواب حزبه عدم توجيه انتقادات حادة إلى الإدارة الأميركية كي لا يجر غضبها إلى عواقب وخيمة، إذ لم ينس المستشار المقارنة التي تحدثت عنها وزيرة العدل السابقة، هيرتا دويبلر غمالين، حين قارنت بوش بهتلر واستقالت لاحقا من منصبها. وتأمل برلين أن يساعدها موقفها المتحفظ تجاه الحرب في زيادة نفوذها المحدود في العالم العربي.

لماذا تحولت مواقف الثلاثة؟

مع تراجع المستشار الألماني عن موقفه الناقد لسياسة بوش تجاه العراق يلاحظ المراقبون أن الرئيس الروسي بوتين خفف حدة انتقاداته للحرب، كما بدأت تصدر عن الرئيس الفرنسي شيراك عبارات لطيفة.

يبدو أن مجلة (دير شبيغل) تنبأت مطلع الأسبوع بتحول في مواقف خصوم بوش وتكهنت بسبب وراء هذا التحول: هل تخشى فرنسا وروسيا وألمانيا أن يجري فضحها والكشف عن دور الدول الثلاث في تسليح العراق؟. كانت روسيا البادئة في الرد بحزم على الاتهامات التي صدرت على لسان رامسفيلد الذي اتهم روسيا بإمداد العراق بأنظمة أسلحة، وأجرى بوتين اتصالا هاتفيا مع بوش علت فيه الأصوات عبر الأثير. وفي برلين بدأت عملية بحث في أرشيف مخلفات حكومة المستشار السابق هيلموت كول التي يتهمها موظفو حكومة شرودر بالتسامح إلى أبعد حد في بيع أسلحة للعراق. كل هذه التطورات تحصل في وقت متأخر. حين تنتهي الحرب ستفتح واشنطن ملف تسليح العراق وترى فرنسا وروسيا وألمانيا مسبقا أنها ستكون هدفا لاتهامات الأميركيين.

واتهمت واشنطن روسيا بتزويد العراق قبل وقت قصير على اندلاع الحرب بأجهزة كشف ليلية. واستعدت ألمانيا بحجج مضادة وتحتفظ بمعلومات عن عمليات تسليح العراق بأسلحة أميركية خلال الحرب العراقية الإيرانية والتي تؤكدها الزيارة التاريخية التي قام بها رامسفيلد لبغداد. ويقول سيناريو أعده مستشارون ألمان في برلين : حتى لو لم يتوصل الأميركيون إلى أدلة على مصادر تسليح العراق فإنهم سيوجدون أدلة من خلال استجواب موظفين سابقين في أجهزة الدولة. وتخشى الحكومة الألمانية ما تخشاه الحكومتان الفرنسية والروسية من أن يضع الأميركان أيديهم على أرشيف الحكومة العراقية ولن يكون أمامهم سوى الدفاع عن النفس أمام موجة كبيرة من الدعاوى.


المورخ الألماني نولت: تصدع خطير للعلاقات الأوروبية

بيروت- منى شقير

قال المؤرخ الألماني المحافظ ارنست نولت، مؤلف كتابي «الحرب الأهلية الأوروبية» و«الفاشية والشيوعية» في حديث لمجلة «اسبرسو» الايطالية ان من اول ضحايا الأزمة العراقية «نظام القيم المشتركة الذي كان يجمع العالم الجديد وأوروبا عبر ضفتي الاطلسي» معتبرا «ان الجدل الدائر حول (أميركا شابة) و(أوروبا قديمة) هو شكل من أشكال التشكيك بمفهوم الغرب نفسه القائم على قيم الحرية والاستقلالية والديمقراطية».

وأضاف نولت: «لقد قام الغرب دوما، وعلى رغم الاختلافات في القوة العسكرية، على قاعدة علاقة من الكرامة المتساوية بين الولايات المتحدة وأوروبا. إلا أن الحرب على العراق عبّر عن نهاية هذا التوازن المتعادل. والحرب لن تؤدي فقط إلى تقسيم أوروبا بين دول تابعة ودول محايدة، بل ستوجد تصدعا خطيرا وجذريا في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، وسيكون المفهوم التقليدي للغرب الضحية الاولى. كما ستشكل هذه الحرب بداية مرحلة تاريخية جديدة تحددها إرادة أميركا في نشر حضارتها في كل العالم مهما كان الثمن، إلا أن هذه الاستراتيجية تواجه مشكلة رئيسية هي أن صدام حسين ليس الطاغية الوحيد في العالم. وبالتالي فإن السعي إلى فرض «سلام دائم» في العالم قد يتحول الى «حرب دائمة»

العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً