العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ

الدروس التي مازال على واشنطن تعلُّمها

بدا على الجندي الأميركي، الذي كان محاطا برجال الميليشيا الأكراد في أحد السهول الخضراء بوسط كردستان العراقية، نوع من القلق. وإذ أن الأكراد هي الجالية الوحيدة في العراق التي تؤيد بالإجماع الغزو الانجلو أميركي فإن المكان الذي كان فيه الجندي يعتبر مكانا آمنا بالنسبة إليه. ولكن الجندي رفض الافصاح عن اسمه. وبعد أن نظر إلى طبق من الكباب بنوع من الريبة رفض تناوله وطلب منا ألا نفصح عن هويته خشية أن يعرف الإرهابيون المكان الذي تعيش فيه زوجته في جورجيا ويلحقون بها الأذى.

كان من السهل أن نسخر من مخاوفه الغريبة. ومع حال الخوف والقلق العام التي أصابت هذا الجندي بالنسبة إلى جميع الأشياء، يبقى العراق بالتأكيد أكثر عقلانية من الصلف الغريب لأولئك الذين خططوا للغزو معتقدين أن صدام حسين سيهوي مثل ورق اللعب من دون اشتراك فعلي للشعب العراقي أثناء الحرب وفي التسوية بعد انتهاء الحرب.

كان القليل من العراقيين الذين تحدثت إليهم بعد بدء الغزو أكثر سرعة من العالم الخارجي في ملاحظة البُطء وعدم القدرة على تحطيم النفوذ الحقيقي لصدام حسين. وفي الواقع فإن خطة الهجوم الأميركية ككل خدمت مصالح الرئيس العراقي. ويوجد تماثل غريب بين خطط البنتاغون وخطط صدام. لقد كان الهدف الأميركي تجنب المدن والتوجه إلى بغداد. أما خطة صدام - والتي كانت معروفة إلى حد ما - فكانت ترتكز على التراجع إلى المدن إذ لا تستطيع الولايات المتحدة استخدام القوة الجوية أو معرفة طبيعة الأرض والمدافعين.

ويتفق الرئيس صدام وواشنطن على قضية مهمة أخرى. كان صدام يخشى دائما من قيام تمرد داخلي بين الأكراد والمسلمين الشيعة الذين يشكلون سويا ثلاثة أرباع السكان. وكان التمرد الكبير العام 1991 على وشك الإطاحة به. وقد اتخذ صدام على مر السنين احتياطات دقيقة لضمان عدم تكرار مثل ذلك التمرد عندما قام بإرسال عناصر من الجيش في حزب البعث ورجال أمن إلى كل قرية ومدينة ومحافظة.

وفي الواقع فإن واشنطن كانت تعارض أي تمرد كالذي حدث العام 1991 لأنها كانت تخشى ان حدث تمرد من قبل الأكراد في كركوك والموصل أن يؤدي إلى تدخل تركي.

كما كانت الولايات المتحدة تعارض حدوث تمرد من قبل الشيعة في الجنوب لأن ذلك يمكن أن يفيد إيران التي تؤيد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وهي أقوى منظمة شيعية في العراق. وتشعر واشنطن أن السماح للمنظمات السياسية العراقية بالمشاركة في النصر السهل المتوقع قد يجبرها على إعطائهم دورا في السلطة بعد الحرب. يقول أحد قادة المعارضة إن ذلك يتعارض مع خطط الولايات المتحدة لإعادة تشكيل العراق طبقا لرؤيتها.

ويبدو أن هناك سوء فهم بالنسبة إلى طبيعة حكومة صدام حسين. فمع أن حزب البعث الحاكم وصل إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري العام 1968 فإنه لم يكن أبدا نظاما عسكريا تقليديا يسيطر عليه الجيش. ومع أن صدام حسين يرتدي زيّا عسكريا، فإنه لم يتلقَ تدريبا عسكريا. لقد اعتمد دائما على قوات الأمن الخاصة وحزب البعث والشبكة المعقدة من التحالفات العشائرية لإبقائه في السلطة. إن هذا هو سبب قوة حكمه. ومع تعمد أميركا وبريطانيا عدم الاستيلاء على المدن في بداية الهجوم ضمنتا بقاء سيطرته على الغالبية العظمى من السكان في العراق.

ويقول قائد كردي إن الفشل في الاستيلاء على البصرة في وقت مبكر من الحملة العسكرية أظهر عدم وجود مكاسب ملموسة لقوات التحالف يمكن التحدث عنها للشعب العراقي.

إن هذا لا يعني أن صدام سيكسب المعركة. إن نظامه كان دائما غير محبوب لدى العراقيين. لربما يتمكن فدائيو صدام من منع الهاربين من الجيش عن الهروب بإطلاق النار عليهم في الرأس، ولكنهم فشلوا في جعل الجيش النظامي يواصل الحرب. لقد كانت الخسائر الأميركية والبريطانية طفيفة. إن رجال حرب العصابات مثل الشيشانيين أو الأكراد البشمركة كان من الممكن أن يقطعوا خطوط الإمدادات الطويلة للحلفاء بشكل فعّال. ولا تشكل عمليات القنص من قبل ميليشيا البعث سوى ازعاج بسيط.

لقد كان صدام حسين دائما خبيرا في الاحتفاظ بالسيطرة السياسية ولكن سجله العسكري كان غامضا. لقد برز فقط في الحرب العراقية الإيرانية مع أنه كان مدعوما من قبل الولايات المتحدة وبقية دول العالم. إن حرسه الجمهوري لم يتم اختبارهم في قتال ضد عدو قوي. ولكن الأخطاء التي حدثت في التخطيط للغزو مهمة لأنها تشير إلى الغرور والجهل بين الإدارة المدنية في وزارة الدفاع الأميركية. والذي امتد إلى خطط الولايات المتحدة بالنسبة إلى إعادة إعمار العراق بعد الحرب. ويقال إن وزارة الدفاع رفضت قائمة تضم مسئولين من وزارة الخارجية لإدارة الوزارات العراقية وقدمت قائمتها الخاصة التي تشمل شخصيات بارزة مثل جيمس وولزي الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية (ةء) لتولي إدارة وزارة الإعلام العراقية.

وقد حذّر وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد سورية وإيران من التدخل في العراق. وقد أخبرني قائد كردي أنه لو كان ذلك التهديد جديا لقام رامسفيلد باتخاذ إجراء لتخويفهم. إن الأمر مجرد تهديد وستستمر الدولتان في التدخل بشكل أكبر.

ويبدو الوضع مختلفا تماما عن العام 1991 إذ كان هدف الحرب يركز فقط على إخراج القوات العراقية من الكويت وعودة الوضع إلى ما كان عليه. ويبدو أن الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد لم يفهموا الراديكالية المحضة لما يقومون به. إن خططهم بالنسبة إلى مستقبل العراق ليست راديكالية فقط ولكنها تقترب من الخيال.

ويوجد في العالم القليل من المجتمعات الأكثر تعقيدا. إن مشكلات مثل هذه المجتمعات ليست نتيجة لصدام حسين أو حزب البعث. إن فكرة تولي شخص مثل وولسي أو أي مسئول أميركي آخر وزارة الإعلام في بلد لا يعرف لغتها أمر يدعو إلى السخرية. وللحقيقة فإن مثل هذه الأوهام تلقى دعما من قبل أعضاء في المعارضة العراقية الذين كانوا سعداء لإبلاغ القوات الأميركية والبريطانية بأنه سيتم الترحيب بهذه القوات من قبل الجماهير المبتهجة التي ستنثر عليهم الورود. لقد صدق البعض مثل هذا الشيء ولكن الغالبية اعتبرته خدعة واضحة لحث واشنطن على الإطاحة بصدام حسين.

وباستعراض قوتها العسكرية ستتمكن الولايات المتحدة من الإطاحة بالحكومة العراقية. إن الانتصارات البسيطة التي حققتها في الأسبوعين الماضيين كانت نتيجة الحسابات الأميركية الخاطئة. وقد أزعج كبير القادة العسكريين الميدانيين الجنرال وليام وولاس البيت الأبيض عندما قال «إن العدو الذي تقاتله قوات التحالف ليس العدو الذي تم التخطيط له».

«إن العراق الذي قامت القوات الأميركية والبريطانية بغزوه ليس العراق الذي كنا نراه قبل الغزو». بحسب وولاس.

خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً