العدد 219 - السبت 12 أبريل 2003م الموافق 09 صفر 1424هـ

من الصعب أن تحول أميركا انتصارها العسكري إلى سياسي

وزير الخارجية اللبناني السابق فارس بويز لـ «الوسط»:

تحدث وزير الخارجية اللبنانية السابق النائب في البرلمان اللبناني حاليا لـ «الوسط» عن أسباب عدم حصول مقاومة في بغداد، وعن المناخات الخمسة التي انطلق منها بوش في حربه بدءا من العراق، مؤكدا ان مشكلات كثيرة ستواجه الاميركان في العراق ومنها «عدم فهمهم لطبيعة الشعوب وخطتهم لتصفية القضية الفلسطينية» مستبعدا ان تحوّل انتصارها العسكري الى انتصار سياسي.

وعن لقائه منذ يومين مع الرئيس السوري بشار الأسد نقل عنه ادراكه لضبابية مرحلة ما بعد الحرب والصعوبات التي ستواجه أميركا. معه هذا الحديث :

ما تفسيرك لعدم المقاومة في بغداد وهذا الانهيار السريع للسلطة؟

- اعتقد ان بنية النظام هي ميليشياوية أكثر مما هي بنية دولة، وينطبق الأمر على مؤسسة الجيش ايضا، وهذا أدى الى تضعضع روح المواجهة سيما اذا كان الشعور ان رأس النظام هو سبب الحرب وانه المستهدف. ثم هناك سبب يتعلق بالضربة التي تعرضت لها فرقتا المدينة وبغداد منذ أسبوعين وربما أدى الى انهيار نفسي لدى الآخرين. وهناك ايضا التفوق التكنولوجي في التشويش على الأجهزة وعملياتها ودور الاقمار الاصطناعية، من دون ان ننسى الفارق الكبير في نوعية التسلح المتطور لدى الاميركيين والمتخلف لدى العراقيين. ولكن يبقى السؤال كيف يمكن لبلدة أم قصر أن تصمد وبغداد لم تفعل ذلك؟ ثم أين الأسلحة التي كان يمتلكها النظام؟ وأين الصواريخ وأين الحرس الجمهوري وسمعته؟ كما ان الأسئلة تطرح على الجانب الاميركي عن أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها العراق وأين هو الخطر الذي كان يمثله صدام حسين على الأمن العالمي؟

طبعا من خلال متابعتك هناك أسباب أخرى لهذا العدوان ضد هذا العراق الضعيف كما بدا.

- أنا أقول ان حربا بهذا الحجم وهذه الكلفة لا يمكن ان تكون لسبب واحد. هذه الحرب الاميركية انطلقت من خمسة مناخات وأسباب اذا جاز التعبير. الأول يتعلق بالفريق المحيط بالرئيس بوش والذي يرى ان اطلاق الاقتصاد العالمي والاميركي تحديدا مستحيل من دون تخفيض سعر برميل النفط وما يترتب على ذلك من نتائج ايجابية على الشعب الاميركي، كما انهم يريدون الاستفادة من مال النفط من خلال إعادة بناء العراق وانتاج نفطه.

الثاني هو السبب الاسرائيلي بسبب التغلغل اليهودي في الادارة الاميركية، وقد دفعت «إسرائيل» أميركا بهذا الاتجاه للإنقضاض على العراق ومن ثم العمل على تصفية القضية الفلسطينية من خلال مجيئ ابومازن أوغيره والمطلوب منه التنازل عن حق العودة والقدس و70 في المئة من اراضي الضفة الغربية والاكتفاء بـ 30 في المئة مما يشبه دولة. انا اخشى ان نكون دخلنا بعد الحرب على العراق حرب تصفية القضية الفلسطينية قبل ان تتفاقم أزمات العراق في ظل الاحتلال.

السبب الثالث يتعلق بتطبيق الهيمنة الاميركية كقوة أساسية لم تستفد منها بعد الحرب الباردة كتعديل مهمة الأمم المتحدة وعدم القبول بوحدة سياسية أوروبية، والسؤال لماذا فقط فرنسا والمانيا من اتخذتا موقفا مغايرا لباقي الدول الأوروبية. وهناك سبب آخر له علاقة بشخص بوش اذ يبدو انه مقتنع ان وحيا الهيا كلفه مهمة انقاذ البشرية. ويلعب هذا الدور مجموعة المحافظين الجدد الذين يقتربون من اليهودية، وهذا منافٍ للمسيحية التي تؤمن بأن اليهود هم من صلبوا السيد المسيح وان المسيحيين لا يؤمنون بالسيد المسيح. وهناك معركة تجديد الرئاسة على طبق من الزعامة للرئيس بوش.

الاميركان لا يفهمون الشعوب

كيف ترى تتمة التداعيات لهذه الحرب إضافة لما ذكرت؟

- منذ البداية كان واضحا ان الحرب ستكون على ثلاث مراحل : تدمير البنية العسكرية، واسقاط النظام والكل كان يتوقعها ولكن ليس بهذه السهولة، اما المحطة الثالثة والتي تبدو الأخطر وتتعلق بمرحلة ما بعد صدام حسين وطبيعة النظام السياسي قياسا للاطراف السياسية في العراق من مختلف الطوائف والقوى والمعارضة و... من هنا أرى مشكلات كثيرة ستواجه الاميركيين واعتقد ان مشروع حرب جديد في شمال العراق اذا حصل الاكراد على دولة واذا لم يحصلوا. وهناك الرفض الضمني للشيعة للاحتلال الاميركي واصرارهم على مكاسبهم التي حرموا منها.

ان عناصر التفجير الداخلي موجودة والعناصر الداعمة لها ستكون متوافرة. وأشير هنا الى عدم فهم اميركي كامل لطبيعة الشعوب على عكس الانجليز او الفرنسيين، فاذا ارادت فرض حكومة جنرالات عسكريين ومنهم من له علاقة بشارون ففي ذلك سبب تفجير آخر. لذلك نرى محاولات بلير اقناع بوش بالانسحاب من العراق واعطاء دور للامم المتحدة. بالنتيجة انا اتوقع انه بعد أشهر قليلة وبعد اكتشاف كل هذه العناصر، اتوقع بداية مقاومة بوجه أميركا سيما اذا فتحت الملف الفلسطيني متزامنا مع حكومة عسكر في العراق.

ايران دولة وليست ميليشيات

ماذا لو كانت إيران هي الهدف الثاني؟

- لا ارى إيران مثل العراق. فيها دولة ونظام، كما قربها من دول آسيا الوسطى قد يشعل حروبا أكبر، كما انني لا أجد سببا وجيها لمثل هذا الاستهداف، ثم ان غبار الحرب لم تنكشف بعد وهناك أسرار كثيرة، فلننتظر ونرى ما إذا كانت الولايات المتحدة قد خرجت من هذه الحرب بكلفة قليلة.

كنت التقيت الرئيس السوري بشار الأسد منذ يومين. ما الذي يمكنك الاشارة إليه نقلا عن رؤيته لما يحصل ؟

- أنا اختصر الأمر بجملة واحدة ان الرئيس الأسد مدرك جدا للصعوبات التي ستواجه مسألة إدارة العراق بعد الحرب، وهو مدرك لضبابية هذه المرحلة، وكذلك الصعوبات التي ستواجه اعادة توحيد العراق، ففي توحيده مشكلة والمشكلة الأخطر في تقسيمه. وقد تغرق الولايات المتحدة في هاتين المشكلتين. اما رأيي الشخصي فإنه من الصعب أن تحوّل الولايات المتحدة انتصارها العسكري الى انتصار سياسي. ولابد من التذكير هنا بهزيمة «اسرائيل» في لبنان السياسية والعسكرية.

بصفتك وزير خارجية سابق كيف تنظر إلى الحال الدبلوماسية العربية ؟

- اذا كان العراق أولى ضحايا الحرب والأمم المتحدة الضحية الثانية والاتحاد الاوروبي الضحية الثالثة، فإنني أرى ان الجامعة العربية الضحية الرابعة. ان المخطط الاميركي وخلفياته اكبر بكثير من الجامعة العربية وهو من اجل اعادة تخطيط العالم. وأنا أقول اذا كانت الجبهة العسكرية في العراق فان الجبهة السياسية هي في اوروبا والأمم المتحدة الذين عادوا الى نقطة الصفر وكذلك الجامعة العربية. ان الدبلوماسية توقفت عندما اتخذ قرار الحرب

العدد 219 - السبت 12 أبريل 2003م الموافق 09 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً