العدد 220 - الأحد 13 أبريل 2003م الموافق 10 صفر 1424هـ

بين الوطن والغربة والوطن تتراكم خبرات لا توظف

مشوار فني مثقل ينتهي في شاحنة

عالي - علي معراج وعبدالله حبيب 

13 أبريل 2003

حسين غلوم أو(أبوجلال)... هكذا يسمونه، عاد لتوه من المهجر بعد عشرين سنة قضاها بعيدا عن وطنه، هو وعائلته التي قضت سنوات عمرها هناك، بعد أن أبعدت عن أرض الوطن، وهناك عمل أبوجلال في سلك الإعلام، ممثلا حينا ومخرجا حينا آخر، وبعد أن عاد إلى وطنه أمل أن يواصل مشواره الفني وأن يغرس نبتته في التراب الذي ولد عليه، إلا أن الواقع كان أضيق من أن يأويه، وبدا أن أحلامه أكبر من أن يتسع لها الوطن الرحب الذي آوى الكثيرين... التقيناه في منزله المتواضع وكان هذا الحوار.

* كيف كانت بدايتك الفنية ؟

- بدايتي الفنية كانت في العام 1960 وأنا ابن الثانية عشرة، عندما كنت طالبا في الصف الرابع الابتدائي بمدرسة الهداية الخليفية، إذ شاركت في تمثيل دور إحدى الشخصيات التاريخية على خشبة المسرح، وقد لقي هذا العمل إعجاب الجمهور، ثم انقطعت عن التمثيل للتفرغ للدراسة، وفي العام 1965 وأنا في السابعة عشرة من عمري، أتيحت لي فرصة ثانية وذلك عبر مسرح النادي الفردوسي، إذ كان النادي يحيي عيد النوروز سنويا، فقمت بتقديم فقرة منولوج غنائي يتخلل القصة المسرحية.

وفي العام 1971 قمت بتكوين فرقة تمثيل بمشاركة بعض الزملاء، من ضمنهم المرحوم مرتضى (مرتو) الذي كان يعمل مصورا في تلفزيون البحرين، والمصور عبد الرضا عابدين، وعبدالرسول غلوم وآخرين، وبدأت الفرقة عملها بإنتاج فيلم سياسي اجتماعي ناطق، إذ كان الفيلم يقارن حال الفقراء القاطنين في بيوت من سعف النخيل، بالأغنياء المترفين الذين يسكنون القصور الفخمة. وبسبب عدم توافر معامل تحميض لأفلام 16 ملم في البحرين، كانت الفرقة ترسل أفلامها إلى لندن للتحميض، كما كانت طريقة المكس والمونتاج والدبلجة في تلك الأيام ليست بالتطور المتوافر هذه الأيام، إذ كنا نقوم بهذه الخطوات بطريقة بدائية. وقمنا بعرض الفيلم في عدد من النوادي، وذلك على جهاز عرض قديم (بروجكتر) وقد لقي إعجابا من الجماهير. كما قامت الفرقة بتصوير فيلم آخر حمل اسم (الحقيبة السوداء)، الذي كان يحكي قصة بوليسية تدور حوادثها في فلسطين المحتلة، وتم تصوير معظم لقطات الفيلم في قلعة عراد وسواحل المحرق لتشابه تلك البيئة بالبيئة الفلسطينية، إلا أن الفيلم الأول تمت مصادرته من قبل الجهاز الأمني في ذلك الوقت ولم نستطع استرداده حتى الآن، ما اضطرنا إلى إلغاء جميع مشروعاتنا الفنية بسبب الضغوطات الممارسة آنذاك، وتم اعتقالي في ديسمبر/كانون الاول 1980 ثم إبعادي في نوفمبر/تشرين الثاني 1982.

* عرفنا أنك عملت في قناة سحر الفضائية فترة وأنت في المهجر، حبذا لو حدثتنا عن تلك الفترة؟

- بعد الاعتقال، تم إيداعي السجن لمدة عامين، ثم تهجيري إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي قضيت فيها مجمل شبابي، وهناك التحقت بالعمل في الاذاعة والتلفزيون (القسم العربي)، إذ قدمت امتحانا لبعض الأعمال الفنية، وقد اجتزته بنجاح، بدأت العمل مذيعا في الكثير من البرامج الإذاعية، ومترجما لبعض الموضوعات الفارسية إلى العربية، وإلى جانب هذا العمل كنت أشارك في بعض التمثيليات الإذاعية، ثم انتقلت إلى العمل في التلفزيون، وشاركت بتمثيل أدوار مختلفة في بعض حلقات (صداميات) في العام 1985، الذي يتحدث عن شخصية صدام وأسلوب تعامله مع الشعب العراقي، والذي بثته القناة العربية (قناة سحر)، بعد ذلك انتقلت للعمل مساعد مخرج لمسلسل (الشباب في المعادلة) في سبع حلقات بإخراج عبدالصاحب أميري، وأخرجت عدة حلقات كوميدية قصيرة تحت عنوان (على الطاير) كما قمت أيضا بدبلجة الكثير من الأعمال والمسلسلات التاريخية الفارسية إلى اللغة العربية، ومثلت دور جندي عراقي متمرد لا يقبل الخوض في الحرب العراقية الإيرانية في الفيلم السينمائي (الكلاب والموت) الذي كان يدور حول الأجواء التي كان يعيشها الجنود العراقيون في جبهة المواجهة وشاركت كذلك في الكثير من المسرحيات التلفزيونية طوال السنوات الثمان التي عملت فيها بقناة سحر الفضائية.

من قناة سحر إلى البحرين

* لماذا انتقلت إلى قم المقدسة وتركت الفن؟

- لم أترك الفن، ولكن بعد تركي العمل في قناة سحر، انتقلت إلى مدينة قم، حيث أسست مكتب سفريات، أهتم بشئون الزوار القادمين من دول الخليج لزيارة الأماكن المقدسة، والمناطق السياحية في إيران، إذ كنت أمارس العمل الفني مترجما ومذيعا في مدينة قم إلى جانب العمل السياحي، إلى أن شملتني المكرمة الملكية السامية وعدنا إلى الوطن الغالي.

* كيف رأيت العودة إلى الوطن بعد الانفراج السياسي؟

- مثل باقي المبعدين، كنت مسرورا بعودتي إلى الوطن في يوم 15 مارس/اذار 2001 ، واحتضان عائلتي التي لم أرها منذ عشر سنين، كنت على أمل كبير بأن أواصل عطائي الفني على تراب وطني، ولكن مع الأسف الشديد لم يحصل ذلك وقد تم إبلاغي مثل باقي المبعدين بوعود كثيرة، تتضمن إعطائي الجنسية البحرينية المسحوبة مني سابقا، وتوفير السكن الملائم، وتوفير فرص العمل، بالإضافة إلى التعويض المادي بمبلغ 1200 دينار كما وعدنا، تعويضا عن الأضرار النفسية والمادية التي تكبدناها، إلا أنني لم أحصل على أي شيء من هذه الوعود، باستثناء الجنسية.

أما بالنسبة إلى العمل الفني فقد باشرت تقديم شهادة الإخراج المترجمة إلى العربية والإنجليزية، مرفقة برسالة طلب وظيفة إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون، فور عودتي إلى البحرين، إذ كنت متفائلا بأني لن أبقى عاطلا لفترة طويلة جدا، وأن فرصتي كبيرة في الحصول على عمل يتلاءم مع خبراتي وكفاءاتي الفنية، إلا انه لم يسمح لي حتى بتجاوز بوابة هيئة الإذاعة والتلفزيون، فقد كان حارس الأمن هو الموظف الوحيد الذي يمكنني مقابلته، ولما يئست من أن تلقى أوراقي الاهتمام الكافي اجتهدت حتى أتيحت لي الفرصة لمقابلة المخرج حسن عيسى فعرضت عليه تسعة سيناريوهات كوميدية ناطقة من مجموع ثلاثين سيناريوها، ألفت بعضها في إيران، والبعض الآخر في البحرين، لكي يمنحني الضوء الأخضر للبدء في إخراجها على نفقة وزارة الإعلام، كما وقدمت لحسن عيسى، كتاب «لمستقبل أفضل» من تأليف الشيخ عبدالعظيم المهتدي، لكي أخرج بعض قصص الكتاب في حلقات تلفزيونية، فوعدني خيرا، ولكن طال الأمد ولم يتصلوا بي ولو مرة واحدة ليخبروني أن نصوصي قد أخذت طريقها إلى سلة المهملات.

ذهبت إلى إحدى شركات الإنتاج الخاصة، فلم ألق إلا الاعتذر لعدم توافر الموازنة الكافية، مع إعجاب بالعمل واستعداد لتسويق المسلسل في حال توفر الممول ما دفعني إلى إلغاء العمل برمته.

كيف انتهى به الأمر

* وكيف انتهى بك الأمر إلى العمل سائق شاحنة ثقيلة؟

- يئست تماما من المسئولين في قسم الإنتاج بعد مضي سنة وخمسة أشهر على تقديمي النصوص الأولى لهم وثلاثة أشهر على النصوص الثانية، وقد ضاقت بي الحال المادية، توجهت إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية للحصول على أية وظيفة تدر علي الرزق الحلال، وخصوصا أنه صدر أمر من سمو رئيس الوزراء يقضي بإعادة المبعدين والمساجين السياسيين إلى وظائفهم السابقة، وعلى اثر ذلك أرسلت رسالة من وزير العمل إلى الشركة التي كنت أعمل فيها سابقا، تطلب إعادتي إلى العمل السابق، ولكن بعد المقابلة والترحيب والوعود بإعادتي إلى وظيفتي، جاء جواب الشركة على رسالة وزارة العمل متضمنا رفض إعادتي، بحجة تغيير اسم الشركة، ما يجعل الشركة الحالية مختلفة عن الشركة القديمة، وبالتالي فإن الشركة التي كنت أعمل فيها غير موجودة حاليا في البحرين، بينما التقيت بجميع الموظفين الذين كانوا يعملون معي في الشركة وقد تأكدت من ممارسة الشركة الجديدة النشاط ذاته الذي مارسته الشركة باسمها القديم، هذا ما دفع بي للاصطفاف في طابور العاطلين عن العمل.

اضطررت لطرق باب وزارة العمل من جديد، على أمل أن أجد في القطاع الخاص ما لم أجده في القطاع العام، إلا أنني لم أحصل على الوظيفة التي تناسبني، فقصدت وزير العمل السابق الذي وعدني بتوظيفي في قسم العلاقات العامة بوزارة العمل، إلا أن هذه الوعود ظلت وعودا، فلم أجد أمامي سوى مكتب خدمات التوظيف الذي اقترح علي الانضمام إلى سلك التدريب، إذ قدموا إلي قائمة بالفرص المتاحة للتدريب، (نجارة - لحام - كهرباء - رخصة سياقة ثقيلة) فاخترت السياقة الثقيلة مضطرا، وبعد أسبوعين هي مدة التدريب، اجتزت امتحان السياقة بنجاح، ثم التحقت بشركة خاصة سائق شاحنة ثقيلة، وقد كان العمل متعبا وشاقا مع تقدمي في العمر، بالإضافة لتدني الراتب الذي لا يكفي لمتطلبات الأسرة، وبعد ستة أشهر في هذه الشركة التحقت بشركة أخرى أفضل حالا من تلك، ولكن تبقى المأساة كما هي.

* هل بقيت أعمالك الفنية ونصوصك المكتوبة جامدة أم أن هناك أملا في تنفيذها؟

- طموحاتي الفنية كانت أكبر من أن تقنع بهذه الوظيفة التي أجبرني الزمن على قبولها، فبادرت قبل ثلاثة أشهر إلى كتابة خمسين نصا كوميديا صامتا تمس المشكلات التي يعاني منها المجتمع، مثل الفساد الإداري وسرقة الأموال العامة والمحسوبية والواسطات.

الفن... الرسالة المقدسة

* كيف ترون مستوى الفن في البحرين من خلال مشاهدتكم للأعمال الفنية البحرينية؟

- الفن رسالة مقدسة لرقي الإنسان على هذه المعمورة، ولقد لمست وجود عدد من المخرجين والممثلين والكتاب البحرينيين العاملين على ترسيخ الفن البحريني الأصيل والهادف، الذي يحارب الفساد الخلقي والاجتماعي، وهو الفن الذي يرتقي بمستوى المجتمع، ووضع حلول مناسبة للمشكلات التي تواجهه، ومع الأسف فإن أمثال هؤلاء قلة تصدهم موانع كثيرة في إنجاز أعمال فنية راقية، فهم يحاولون الابتعاد عن إنتاج الأفلام أو المسرحيات المبتذلة التي تستورد نماذجها من أوروبا وأميركا وبعض الدول العربية، وفي الجهة المقابلة هناك من لا يعتبر كفؤا لتوصيل رسالة الفن المقدسة، وأولئك عليهم التنحي أو على الأقل الابتعاد عن الأعمال المبتذلة.

أما بخصوص الفن في البحرين أقول إنه بحاجة إلى مزيد من التطوير ليصل إلى مرتبة الفن الكويتي على سبيل المقارنة، لذلك ينبغي على الفنانين البحرينيين إنجاز أعمال أكثر رقيا، تفوق مستوى أعمال دول مجلس التعاون، كما أود القول إنه تنقصنا المبادرة في الفن السينمائي، إلى جانب المسلسلات التلفزيونية، وهنا أرسل بطاقة دعوة إلى الفنانين الذين يرغبون في العمل في حقل السينما لتأسيس تجمع للمبادرة بإنتاج الأفلام السينمائية الهادفة والخروج من حيطان الاستوديوهات.

* بماذا تنصح الشباب الراغب في دخول المجال الفني؟

- أقول لهم إن التمثيل عمل شاق يحتاج إلى المثابرة والدراسات العليا والذوق الرفيع، فلا تغرهم الشهرة، المهم هو مواصلة الدراسة الجامعية، ومن ثم يمكنهم الدخول في مجال الفن، والفن ليس مقتصرا على التمثيل والإخراج والظهور على الشاشة، وإنما هناك فنون كثيرة ينبغي على الشباب الدخول فيها.

إن الهجمة الثقافية الشرسة التي يفرضها الاستعمار وعلى رأسه أميركا والصهيونية العالمية لترويج الفساد الخلقي عبر الفضائيات المنحطة ما هي إلا حرب مدمرة تفوق خطورتها الحرب بالأسلحة، لذلك أنصح الجيل الصاعد والفنانين الشباب في البحرين بأخذ الحيطة والحذر من هذا المخطط الإعلامي الشرس، والوقوف في وجهه بكل الوسائل، وعليهم أيضا التمسك بالمبادئ والقيم الإسلامية وإعادة بناء الصرح الإسلامي العريق الذي تم هدمه عبر الفضائيات».


محطات في حياة أبوجلال

في العام 1983 عمل مذيعا لبرامج متنوعة في إذاعة إيران.

في العام 1984 عمل مترجم موضوعات اجتماعية من اللغة الفارسية إلى العربية.

في العام 1985 عمل مقدما للبرنامج التلفزيوني «مقتطفات الأسبوع» بقناة سحر.

في العام 1986 مثل عدة أدوار في تمثيليات إذاعية مختلفة (معظمها تاريخية).

في العام 1986 لعب دور الجندي العراقي المتمرد في الفيلم السينمائي «الكلاب والموت» من إخراج عبدالصاحب أميري.

في العام 1986 مثل أدوارا مختلفة في مسلسل «صداميات» الفكاهي الساخر.

في العام 1987 أخرج عدة حلقات تلفزيونية تحت عنوان «على الطاير» في 13 حلقة كوميدية هادفة.

في العام 1987 عمل مساعدا لمخرج مسلسل «الشباب في المعادلة» بالإضافة إلى تمثيل دور ضابط عراقي في 7 حلقات من إخراج عبدالصاحب أميري.

في العام 1988 مثل دور يحيى بن أكثم في مسرحية الإمام الجواد (ع).

في العام 1988 مثل دور الحجاج بن يوسف الثقفي في فيلم قصير بعنوان «محاورة في مجلس المأمون».

في العام 1989 مثل دور البطولة في فيلم «المريض البحريني»، وهو فيلم يحكي قصة بحريني يذهب لزيارة العتبات المقدسة في العراق، إلا أنه يزج في جبهة الحرب.

في العام 1989 مثل دور الحاج الثائر في «مراسيم الحج»

العدد 220 - الأحد 13 أبريل 2003م الموافق 10 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً