العدد 220 - الأحد 13 أبريل 2003م الموافق 10 صفر 1424هـ

«العراق الجديد»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الفوضى السياسية العامة التي ضربت العراق من جنوبه إلى شماله وكادت أن تهدد العاصمة بعاصفة من النار والدمار ليست مستغربة. فهذه الأمور تحصل في كل الدول وتحديدا تلك التي تعتمد المركزية في مختلف القطاعات العسكرية والأمنية والخدمية. حتى دولة مثل الولايات المتحدة اذا تسلطت عليها دولة كبرى (أكبر منها) ورجمتها بوابل من الصواريخ والقنابل وحطمت قواعدها ومحطات الماء والكهرباء والاتصالات والجسور والمستشفيات ستنهار وتتفكك إلى ولايات محلية تدير كل واحدة منها شئونها الخاصة.

الفوضى عادة تأتي من الانهيار لا من التحولات وخصوصا اذا جاء التغيير بسبب قوة خارجية وضرباتها العسكرية وليس نتاج التطور الداخلي. ما حصل في العراق ليس نتاج انقسامات داخلية أنتجت من خلال الصراع موازين قوى جديدة كسرت معادلة سياسية قائمة ونهضت بعدها سلطة بديلة لتحل مكان اخرى قائمة.

ما حصل في العراق هو أشبه بالانقلاب الخارجي نظمته وافتعلته قوات أجنبية استخدمت قوتها العاتية لكسر جملة توازنات داخلية بإسقاط القنابل والصواريخ وارسال الدبابات والمظليين. فالتغيير الذي حصل قام على تحطيم معادلة داخلية عراقية وكان محصلة عدوان خارجي كسر توازنات محلية انقلب داخليا إلى فوضى سياسية عامة بسبب عدم وجود قوى منظمة قادرة على تحمل المسئوليات واتخاذ المواقع الضرورية والكفيلة باعادة انتاج سلطة جديدة تقوم بالمهمات المطلوبة منها على الصعيدين الأمني والخدماتي.

الفوضى السياسية العامة يمكن فهمها وتفسيرها، إلا أن الذي لا يمكن فهمه وتفسيره هو الدور الذي لعبته قوات الغزو بالسكوت وأحيانا تشجيع الفئات الهامشية على الحرق والنهب وتحطيم مؤسسات تحتاج اليها السلطة البديلة. هذا التواطؤ يفسر الى حد ما ان الولايات المتحدة تريد إضعاف العراق إلى حدوده الدنيا حتى تبقى سلطته الجديدة بحاجة إلى المعونة والمساعدة والاشراف على ادارته من قبل جهات مختصة ترسلها واشنطن الى بغداد.

الى ذلك هناك مسألة اعادة اعمار ما دمرته الحرب وحطمته فئات الشغب الهامشية فهذه كلها تعطي شرعية محلية لبقاء قوات الاحتلال وتزيد من فرص عمل شركات المقاولات والبناء التي ستلعب دورا في ترميم ما دمرته آلة الحرب الأميركية.

ما حصل في العراق ليس جديدا، لذلك فان الكلام الاميركي عن الجديد هو مجرد مناورة سياسية طويلة المدى تعطيها مساحة زمنية لانتاج قيادة محلية مرتبطة بمصالح خارجية ترتب أمور النصب والاحتيال والسرقة وتهريب الثروات والآثار كما فعل بوريس يلتسين وزمرته حين انهار الاتحاد السوفياتي وتربع مع مافيته في الكرملين بغطاء اميركي الى فترة كانت كافية الى تحوّل روسيا الكبرى الى دولة عالمثالثية تحتاج إلى المعونات والمساعدات لتلبية حاجات شعبها ومتطلباته.

الأمر نفسه تحاول ان تفعله الولايات المتحدة في العراق عن طريق الاحتلال وتفريغ البلد من ثرواته ورهن مستقبله السياسي بشروط أمنية واقتصادية. وحتى تنجح الخطة لابد من اعتماد قيادة سياسية مختلفة عن الفترة السابقة. في السابق كان ضباط الجيش وميليشيات الحزب هي القوة التي اعتمد عليها النظام لإحكام سيطرته على الدولة والمجتمع.

الآن كما يبدو الأمر تتجه واشنطن نحو استبدال العسكر برجال الاعمال (بزنس) وشركات واصحاب مصارف (مفلسة) لتسهيل عمليات البيع والشراء من دون عقبات وعوائق كانت تضعها السلطة المركزية السابقة.

العراق الجديد ليس جديدا في جوهره. وما حصل ليس غريبا وما سيحصل لن يكون في نموذجه مغايرا لحالات مشابهة ومتشابهة مع تجارب وقعت في بعض دول آسيا واوروبا الشرقية. فالتطور الذي سنشهده في قطاعات معينة سيكون ممسوكا بشركات قابضة كبرى مركزها في واشنطن تحرك الدولة عن بعد وحين تستغني عن دورها ووظائفها تستطيع أن تطيح بها في أسابيع من طريق الضغط الاقتصادي والمالي (اسواق البورصة) ومن دون حاجة إلى ارسال الجيوش كما فعلت مع «دولة» صدام حسين.

العراق الجديد لن يكون جديدا. الجديد في العراق سيكون في امكانات تحوله الى قاعدة (محطة) تهدد المحيط الاقليمي أمنيا وسياسيا. فالقوى الاميركية جاءت لتبقى مستخدمة العراق الجديد منطلقا للهجوم على دول الجوار تأسيسا على نظرية الحروب الدائمة التي يطلق عليها الضربات الاستباقية (الوقائية) ضد اية جهة تخالف او تعترض المصالح الاميركية واستراتيجيتها في المنطقة.

ما حصل في العراق من فوضى سياسية عامة ضربت جنوبه وشماله ووسطه بعاصفة من النار والدمار ليس مستغربا... والجديد فيه ان أميركا ستحاول من خلال هذا النموذج تهديد استقرار المنطقة واعادة ترتيبها في «صيغة عراقية» تطلق عليها «الشرق الأوسط الجديد».

وليد نويهض

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 220 - الأحد 13 أبريل 2003م الموافق 10 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً