العدد 220 - الأحد 13 أبريل 2003م الموافق 10 صفر 1424هـ

ميثاق التنسيق نموذجا

فقه التوازنات وخطاب التوازن عند المعارضة

سلمان عبدالحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب

قد يكون من الضروري أن تعيش الساحة السياسية للحظة ما هاجس التوازنات إذا ما خشي على الساحة من ميل لطرف على حساب طرف آخر، وقد يحتاج العمل الابتدائي إلى هذه التوازنات لما يقتضيه من معرفة بالآخر ومداراة له في بعض الأحيان، إلا أن غير المقبول في السياسة، أن تقوم الساحة كلها على هذه التوازنات كعقيدة سياسية مصاحبة للفعل السياسي، على حساب متطلبات الواقع وإشكالاته اليومية، لأن ذلك سيبرز بلا شك ميلا في ميزان القوى لطرف على حساب طرف آخر، وهذا بلا شك لن يخدم الساحة الوطنية.

ما يجري في البحرين منذ بدء الحركة الإصلاحية، هو أشبه بفقه التوازن الشللي الذي لا يستطيع المحافظة على وضعه السابق خلال فترة النضالات المشتركة، ولا هو قادر على المبادءة والمبادرة لصوغ رؤية جديدة لعلاقات الأطراف مع بعضها بعضا، ما يجعل هذه التوازنات عبئا على الحراك السياسي للمجتمع، وينذر بتفلت وعصيان غير محمود على كل القوى السياسية.

الحركة الإصلاحية شهدت منذ بداياتها وجود الطاقم المعارض بكامله في الساحة السياسية، على أرضية سياسية - من المفترض - أن تكون ممهدة للتلاقي بناء على سنوات العمل المشترك السابقة بين القوى السياسية بمختلف أطيافها، هذا نظريا، إلا أن الواقع أفرز صيغة أخرى من التوازنات الصعبة، بدأت بتحسس القوى لكياناتها وذواتها بحميمية مفرطة، وصلت حد القول: هل يستطيع هذا التيار أو ذاك التيار صوغ الموقف الوطني لوحده؟ لذلك أصبح التلاقي الشكلي في الندوات الجماهيرية لا يخلو من تحسس جديد وغير مفهوم للآخر الذي عرفه منذ سنوات، ما أسس لخطاب توازنات صعبة خلا من وجود عاطفة وطنية ومرجعية سياسية تستطيع صهر هذه الكتل المنفوشة في قالب العمل الوطني الذي أسس له في سنوات النضال.

وما يثير الأسى، أنك تحس بأن هذه القوى وقعت في ورطة حقيقية نتيجة رغبتها في الوجود العلني، إذ كان وجودها المتواري ساترا لها من ذاتها الحالية المنفوشة، من دون وجود تمايزات أساسية في تلك الفترة تحدد أولوية هذا على ذاك، خصوصا أنها فترة غاب فيها الاستحقاق السياسي، وبرز النضال من أجل الحقوق كاستحقاق كبير لا يعترف بالتمايزات ولا بالذوات المنفوشة.

بعد المقاطعة والمشاركة التي أحدثت جدلا واسعا في الشارع البحريني، تم فرز تحالفات جديدة خف فيها فقه التوازن وفصل بين القوم بالمشاركة والمقاطعة، فبرزت مرجعيات جديدة في العمل السياسي وأوليات لكل طرف من الأطراف، وعلى رغم هذا الفصل أحدث شرخا في بنية العمل السياسي، وفتت المرجعية الأم إلى مرجعيات صغيرة، إلا أنه ألغى مركزية القوى السياسية، وأبرز التلاوين السياسية كما هي، ما أعطى فسحة للقوى السياسية لتدرس توازناتها وطبيعة علاقاتها مع بضعها، وربما خلق تنوعا في بيئة العمل، وفرض تمايزا مطلوبا من أجل المراجعة وعدم الافتراق فيما بعد، تجريب القوى السياسية التعايش مع تجارب متباينة في العمل السياسي، إلا أن فقه التوازنات طغى مرة أخرى في مشهد شللي أكثر إيلاما.

ويمكن وضع اليد على مشهد للمعارضة، يدلل بقوة على ضرر هذه التوازنات التي أفقدتنا التوازن.

ميثاق التنسيق

بقدر الجهد والنوايا الطيبة التي تسعى إليها الجمعيات لتقريب وجهات النظر فيما بينها من خلال «ميثاق التنسيق»، بقدر ما تعبر هذه الخطوة عن واقع مؤلم جدا لمعارضة كانت تمثل شراكة في الحركة المطلبية التي كان من أهم ثمراتها هذه الإصلاحات. تعالوا نتعرف على كلام بعض الجهات الموقعة على «ميثاق التنسيق» لنكتشف إلى أي مدى يتشبث المعارضون بتوازنات غير مطلوبة في الواقع السياسي.

إذا جئنا لرئيس جمعية العمل الديمقراطي عبدالرحمن النعيمي تجده يصرح بأن «ميثاق التنسيق» هو اشتراك الجمعيات الست في الأمور غير المختلف عليها مثل القضية الفلسطينية والعراقية، وهذا ما نلحظه من البيانات السداسية، والسباعية سابقا، التي تصدرها الجمعيات في مثل هذه المناسبات، ويذكر من جهة أخرى أن الجمعيات الست لن تغلق الباب أمام «المنبر الإسلامي» المنشقة على «الميثاق» بسبب الخلاف حول مكتسبات دستور 2002، وستتعاون معها من خلل اللجنة الأهلية لمساندة الشعب العراقي، أي من الباب الخلفي، في حين يرى أن آلية التعاطي مع التعديلات الدستورية ستكون من خلال ما اقترحته الجمعيات الأربع بإيجاد هيئة تأسيسية يعرض عليها الدستور الجديد لإقراره أو عدم إقراره، لكنه لا يعلم - حسبما صرح - ما إذا كانت «المنبر التقدمي» و«الوسط العربي» موافقة على هذه الآلية أم لا، وخصوصا أنها شاركت في الانتخابات النيابية الفائتة، وأقرت مكتسبات دستور 2002 وإن لم تصر على وجودها في «ميثاق التنسيق».

أما رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان، فيرى أن «ميثاق التنسيق» هو «صيغة مشتركة تزيل عنوان المقاطعة والمشاركة»، ويرى أن الاتفاق على آلية التعاطي مع التعديلات الدستورية أمر ثانوي بين الجمعيات، على رغم قوله بعدم وجود أفكار كبيرة تنطلق من دستور 2002، وان أعضاء البرلمان لن يستطيعوا إلا رفع الصوت، فيما يدعو رئيس جمعية «المنبر التقدمي» حسن مدن إلى عدم تضخيم «ميثاق التنسيق»، وإعطائه أكبر من حجمه، فهو ليس تحالفا كما يقول، والحكم عليه متروك للظروف.

إذا جئنا لهذه التصريحات التي انطلقت على لسان رؤساء جمعيات سياسية ثلاث مشاركة في «الميثاق»، يمكن الوصول إلى نتائج خطيرة، تعكس عمق المأزق الذي تعيشه المعارضة الحالية، في خلق توازن بين أولوياتها الوطنية الخاصة، ويمكن وضع اليد على مجموعة نقاط:

النقطة الأولى: إن المعارضة السياسية المشاركة التي شاركت في رفع المطالب الشعبية فترة التسعينات، متجاوزة بذلك حدود تياراتها وأفكارها الضيقة، غير قادرة في الوقت الحالي على الاتفاق على مرجعية وطنية موحدة، وتعمد إلى الهروب إلى الأمام، باتخاذها من القضايا العربية والإسلامية إطارا تحافظ فيه على ما تبقى من ود شكلي.

والسؤال: إذا كانت حدود ميثاق التنسيق بهذا الحجم من الضآلة والضيق، ولم يكن هناك تعاط جدي مع القضية الدستورية تحديدا، لأنها قضية مختلفة على آليات التعاطي معها كما هو واضح في المشاركة والمقاطعة، فلم الإبقاء إذن على «ميثاق التنسيق» مادامت هناك لجنة أهلية لمناصرة الشعب العراقي تقوم بالدور نفسه وبصورة أشمل من «ميثاق التنسيق»؟ ولم صرح النعيمي أنه سيتعاون من خلال اللجنة الأهلية لمناصرة الشعب العراقي مع «المنبر الإسلامي» المنشق على «الميثاق» بسبب خلافه مع الجمعيات الست بشأن مكتسبات دستور 2002، مادام الاختلاف بين الجمعيات الأربع وجمعيتي «المنبر الديمقراطي» و«الوسط العربي» يتعلق بالخلاف نفسه مع جمعية «المنبر الإسلامي»؟ لِمَ الإبقاء على هذا الإطار الشكلي مادام التشبث بالمواقع ديدن حراك الجمعيات السياسية؟

النقطة الثانية: يقول الشيخ علي سلمان: «ميثاق التنسيق يزيد عنوان المشاركة والمقاطعة» وهذا أمر حسن إذا كان المنظور له خلق أرضية واسعة للحوار لمناقشة الملفات السياسية المختلفة عليها بشفافية وتجرد، إلا أن المربك في التصريح أنه يشير إلى ثانوية آلية التعاطي مع التعديلات الدستورية، بحيث يعيدك إلى منطقة غير جدية في تعاطي الجمعيات السياسية مع بعضها، وكأن سياق حديث الشيخ يقول: «فليبق كل شخص في موقعه، وليحاول التغيير حسبما يمتلك من آليات»، وهذا يخرج «الميثاق» من عنوانه الأساس الذي بني عليه وهو التنسيق، وقد يوصل المعارضة إلى الافتراق بعد أربع سنوات فيما لو تبنت الأطراف المواقف نفسها التي وقفتها تجاه المشاركة والمقاطعة.

النقطة الثالثة: وهي إشكال معقد لا يخلو من وجع لمن يتأمله جيدا، ففي الوقت الذي يبدو فيه «ميثاق التنسيق» إطارا جامعا لهذه الجمعيات، إلا أنه لا يحمل إلا عنوانا واحدا مرتبكا وغير ذي قيمة إذا نظرنا إلى نتائجه الملموسة على أرض الواقع، لكن الأدهى من ذلك، أن هذا «الميثاق» باعتباره إطارا شكليا جامعا يعطل البرامج الأخرى التي قد تحوي عناوين مهمة وذات أولوية خاصة، وخصوصا ما يتعلق منها بهموم الشارع. من جانب آخر لا يخلو هذا الإطار من مدارة لطبيعة المشروعات الخاصة التي تتحرك في الخفاء على حساب مشروعات أخرى، ما يجعل التطويق له سريعا، خصوصا إذا برزت هذه المشروعات كأولوية فاقعة تفوق كل الاعتبارات الوحدوية الشكلية التي تمارس كطقوس وطنية باردة يحتاج لها التنوع المثخن بالميول الفردية الطاغية.

ويشار إلى أن الكثير من قطاعات الشارع بدأت تتملل من هذه الطقوس الوطنية الباردة، التي تأتي في قبال حرارة الشارع وسخونته المتزايدة جراء تراكم الملفات، كما أن الكثير من العاملين في هذه الجمعيات بدأوا بالتذمر الفعلي من هذا الواقع، لأنهم يرون أن الكثير من الوعود التي أطلقت للناس لاتزال تصك الآذان من دون القدرة على فعل شيء، وربما يكون لهذه التحالفات الرباعية والسداسية بين الجمعيات في أطر وعناوين محدودة وضيقة دور بارز في صوغ العاطفة الوطنية الباردة، والتهيج غير المحسوب عند الشارع.

وختاما... إن عدم قدرة الجمعيات السياسية على فتح الملفات السياسية المختلف عليها حاليا، والمتفق عليها سابقا، ينذر بانحراف المسيرة الوطنية إلى مرجعيات صغيرة أقرب إلى المصالح الذاتية منها إلى الأجندة الوطنية التي تستوعب التكتيكات المختلفة

إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"

العدد 220 - الأحد 13 أبريل 2003م الموافق 10 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً