العدد 2239 - الأربعاء 22 أكتوبر 2008م الموافق 21 شوال 1429هـ

الإشكالية الطائفية وسط العمّال

مذكرات عبدالرحمن النعيمي

يمكن القول إنّ الحركة القومية والتقدمية عموما قد سعت الى تطهير منتسبيها من التعصب والنظرة الطائفية، وسعت الى تعميق الوعي الوطني والقومي والاممي لديهم. وبات عليها التعاطي مع واقع لا يخلو من الشكوك الطائفية المتبادلة، حيث يكتشف المرء أنّ المخزون التاريخي الذي يغذي الناس يوميا في كلّ موقع يجعل الطبقة العاملة وافرادها خصوصا في المواقع المشتركة يتنفسون طائفيا ويفكّرون طائفيا ويردد البعض أنّ هذه الدائرة للشيعة وتلك للسنة، في الوقت الذي لديك تفكير آخر تسعى لإقناع العمّال به.

في البداية لابد من الإقرار بأنّ الانقسام الطائفي والديني في المجتمعات البشرية إنما يعبّر عن مرحلة تاريخية مرت بها البشرية، لاتزال تسحب نفسها للوقت الحاضر، تعبّر من جهة عن الموروث التاريخي وعن الواقع الطبقي والاجتماعي وحدة الصراع الموجودة في هذه المجتمعات من جهة ثانية، وتتأثر الوضعية البحرينية بمحيطها الإقليمي والقومي والإسلامي بنسبة عالية؛ لتنعكس هذه الموجات محليا في الصراع ضد التمييز وضد احتكار السلطة والثروة.

وحيث إننا لسنا بصدد التطرق إلى هذه المسألة في هذه المذكرات، إلا أن التمييز الطائفي في البلاد يخدم مصلحة الطبقات المهيمنة وبالدرجة الأساسية قوى الحماية الأجنبية والأسرة الحاكمة، بالإضافة بعض المنتفعين من رجال الدين الذين يعيشون على الفرقة الطائفية. وبالرغم من الحوادث التاريخية التي ذهب فيها شهداء من الشيعة في منتصف القرن الماضي، الا أن ما اتسم به شعب البحرين من التسامح والتعايش المشترك والاختلاط مع الكثير من الأقليات التي اندمجت في المجتمع قد سهل على قادة الحركة الوطنية في تلك الفترة والذين مثلتهم هيئة الاتحاد الوطني من توحيد كلّ الجهود والتخفيف من الصراعات الطائفية، والتركيز على المطالب المشتركة لشعب البحرين، وتنظيم المواطنين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي، بحيث شكلت هذه الحركة بداية الحركة الوطنية الحديثة التي ورثتها الحركات الديمقراطية كافة، من قومية وشيوعية على حد سواء، أكدت على المواطنة المتساوية بالدرجة الأساسية، ورفضت الانطلاق من المسألة الطائفية، واعتبرت الصراع صراع الشعب بمجموعه ضد قوى الحماية الأجنبية والأسرة الحاكمة، ونجحت إلى حد كبير في ذلك منذ تلك الفترة حتى استعادة الحركة الإسلامية المذهبية حيويتها بعد انتصار الثورة الإيرانية.

الا انه في المنعطفات يفتش البعض عن أسباب الهزيمة، غير مدركين أسبابها الموضوعية، ملقين التهم على هذا العنصر او ذاك، ثم إحالة التهمة إلى الطائفة برمتها… لقد تقاعس الشيعة.. لقد تقاعس السنة.. الخ من تعميمات لا يمكن تبرئة العدو منها.. لكنها وسيلة لهروب البعض من النضال في مرحلة الانحسار، وخصوصا بعد الهزائم.

ذلك ما يمكن ملاحظته بعد هزيمة الانتفاضة العمالية ـ الشعبية العام 1965 بعد قرابة ثلاثة أشهر من التحرك الشعبي الذي اتخذ في بعض جوانبه طابع العنف سواء في المحرّق او سترة او مناطق المنامة المختلفة.

هكذا كانت ردود البعض عندما تم الحديث معهم عن ضرورة تنظيم صفوف العمّال في محطة الكهرباء بالجفير بمختلف فروعها.. لكن الوعي الوطني كان طاغيا بحيث اكتسح هذه الترسبات، وأمكن تسجيل الكثير من العرائض الشخصية المطالبة بتعديل وضع العامل، أو على صعيد اقسام المحطة، او عندما أمكن حشد كلّ العمّال للقيام بالإضراب العمّالي في النصف الثاني من العام 1968، وتشكيل لجنة تحمل عريضة حددت بوضوح مطالب العمال للقاء مع سمو الأمير الراحل، حيث كانت الاستجابة فورية بتعديل سلّم الرواتب والدرجات، وبدلا من السماح بتشكيل نقابة للعمّال، اعلنت الحكومة عن سماحها بتشكيل لجنة ثلاثية من العمّال معيّنة من قبل كلجنة استشارية يمكن للعمّال العودة إليها لرفع مطالبهم وشكاويهم!

لقد نجحنا في تشكيل لجنة قيادية من عدد من العناصر التي لم تتردد عن تقديم كلّ ما تملك من أجل المصلحة العمالية وخصوصا الأخ صالح العلص، محمد بهلول، عبدالرحمن يوسف انجنير، عبدالرسول، وغيرهم… وبات من الضروري أنْ نركّز على الباب الثالث في قانون العمل الذي ينصّ على حق العمّال في تشكيل نقابات، وتشكيل لجان عمّالية ووضع برنامج للتثقيف العمالي واصدار نشرة عمالية محدودة التوزيع، بالإضافة الى دراسة وضعية كل العمّال ودرجاتهم والظلم الواقع عليهم من جراء استهتار الإدارة بعدم انصاف هؤلاء المستخدمين وإبقائهم سنوات طويلة في الدرجة نفسها رغم تغيير كلّ الظروف.

ولم تتغير معاملة المهندسين الانجليز طيلة عامين.. رغم مجيء المهندس البحريني الثاني (جميل العلوي)، ووصلت الأمور إلى ذروتها عندما أصرّ المدير على أن تكون لدينا بطاقات عمّالية وأنْ نصطف مع العمّال للتسجيل اليومي، فربطنا موافقتنا بأنْ يكون الجميع على قدم المساواة وأن يكون أوّل مَنْ يصطف في الطابور المدير نفسه ورؤساء الأقسام الأجانب.. وحيث رفضوا ذلك، رفضنا التسجيل، وجاء الراتب مقطوعا في نهاية الشهر، فرفضنا استلامه.. وقلنا إنه صراع إرادات.. نحن أم هذا البريطاني المتعنت، وأخيرا تم استدعاؤنا ( العلوي والنعيمي) في اجتماع ضم المهندسين كافة لإبلاغنا بالفصل من المحطة، وكان الرد قاسيا عليه، حيث ذكّرناه بأننا موظفون لدى حكومة البحرين ولسنا في الجيش البريطاني أو البحرية البريطانية، وإننا نرفض الاستجابة لما يطلب، وسنحتكم الى المسئولين الأعلى منه.. وهكذا قررنا الذهاب إلى الشيخ خليفة بصفته مسئول الجهاز الإداري آنذاك، فلم نرَ إلا وقد سبقنا (السيد هنسن) ليلتقى مع (الشيخ خليفة والسيد محمود العلوي وسكرتير حكومة البحرين سميث)، وبالرغم من التسوية التي تمت حيث استجبنا لرغبة الشيخ خليفة بعد أنْ عرضنا الامر كاملا عليه، وشرحنا دور المهندسين الإنجليز في عرقلة استلامنا أية مسئوليات.

**

واذا كان الوضع المهني يستنزف الجهد الأكبر، فإنّ العمل التطوعي في نادي النهضة كان ضروريا في تلك الفترة، وحيث انحسر العمل التطوعي بعد الانتفاضة أيضا فقد لزم الأمر الإمساك بإدارة النادي ووضع برنامج ثقافي واجتماعي ورياضي يمكنه أن يضع النادي في مصاف الأندية العريقة في البحرين خصوصا وأنه من ضمن المؤسسين لاتحاد الاندية في البحرين، هذه الأندية التي قامت بدورها العام 1968 في التصدّي لدعوات شاه إيران حول تبعية البحرين لعرشه.

**

في خضم هذا العمل اليومي، كان الهاجس الحزبي موجودا.. إلاّ أن الوضع يتطلب الحذر وعدم الاستعجال، اضافة الى ضرورة أن تأتي تعليمات من الهيئات القيادية سواء من الخارج او الداخل، فبالرغم من معرفة بعض الرموز التي كانت في الوسط الطلابي، إلا أن الضربات المتلاحقة التي وجهها القسم الخاص للحركة السياسية بمختلف فصائلها، قد ضاعفت من الحذر لدى المناضلين، ولم يعد مقبولا التصرف باستهتار او لا مبالاة في المسألة التنظيمية حيث يمكن أن تفسر ألف تفسير وتفسير أقلها امكانية الارتباط بالقسم الخاص من قبل تلك العناصر غير المبالية!

وفي العام 1966، تم تعيين الضابط البريطاني ايان هندرسون؛ ليكون مسئول الأمن السياسي في البحرين، وكان أوّل عمل قام به هو إطلاق سراح معتقلي الانتفاضة كافة، والتأكيد لهم أنّ مرحلة جديدة من التعامل مع المعارضين قد بدأت وأنه لن يتبع الأساليب القديمة التي سار عليها الجهاز...

ولم يكن سهلا إقناع الخارجين من المعتقلات بضرورة العمل التنظيمي من قبل شخصية جاءت من الخارج، لم تكتو بلهيب المعركة التي خاضها هؤلاء المناضلون وقسوة التعذيب الذي تعرضوا له، الا اننا استطعنا عقد اللقاءات الأولى في بداية 1967، والتي ضمت المرحوم عبدالله المعاودة وعددا من الإخوة الذين لا يزالون على قيد الحياة، إلا أن الشكوك ساورت المجموعة برمتها حيث لاحظوا تردد النعيمي على القلعة بين الفترة والأخرى، من دون معرفة الأسباب، وبالتالي فإن الهاجس الأمني برز بسرعة، وأفضل الحلول هو أسلمها بالابتعاد عنه!

لم يكن التصوّر لديّ بأنّ الإخوة قد باتوا ينظرون إليّ بريبة، بل كان التصوّر بأنهم لا يريدون العمل الحزبي، وأنّ من الافضل الابتعاد عنهم وتشكيل قيادة جديدة من العناصر التي كانت في بيروت بالدرجة الأساسية بالإضافة الى بعض العناصر التي أمكن ضمها الى الحركة، ثم التركيز على الوضع العمالي في المواقع كافة التي نوجد فيها، سواء في المحطة او دائرة الزراعة او بابكو او المصارف او على الصعيد السكني، بحسب مواقع العناصر القيادية.. وأن يكون برنامج التثقيف الحزبي يستند على الأدبيات الماركسية ويعوق الوعي الطبقي والحزبي لدى المرتبطين بالحركة في البحرين.

**

كانت العواصف كبيرة على حركة القوميين العرب، كما كانت على حزب البعث ، فمنذ القرارات التاريخية للتأميمات في دولة الوحدة كان الفكر الاشتراكي يغزو هذه الحركة وكذلك الحزب باتجاه المزيد من الانحياز الى الفكر الاشتراكي العلمي وحرب التحرير الشعبية، وجاءت هزيمة يونيو لتوجه ضربة كبيرة لقيادة تاريخية، هي القيادة الناصرية، وتم تفسير الهزيمة على أنها هزيمة لقيادة البرجوازية الصغيرة، وعلى الطبقة العاملة أن تستلم القيادة، وأنّ التعبير عن هذا التحوّل هو أن تحدث الحركة القومية تغييرا جذريا في هويتها وبرامجها وقياداتها.. وكان المركز (الأمانة العامّة) يسعى للاستقواء بالفروع، ومن بينها منطقة الجزيرة والخليج، حيث انعقد المؤتمر الأوّل في نهاية العام 1967، للاعلان عن وضعية جديدة للحركة في المنطقة

العدد 2239 - الأربعاء 22 أكتوبر 2008م الموافق 21 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً