العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ

ضباب القلق يخيم على العراقيين

مدينة صدام، بغداد - روبرت فيسك 

20 مارس 2003

بدأ الظلام بالهبوط، وضباب القلق الذي يهبط على الجميع في مواجهة خطر، لا يمكن تخيّله. وهي ليست قضية آلاف المتاجر الفارغة التي أغلقت في بغداد، والتي يأخذ مالكوها بضائعهم منها خوفا من السرقة. وليست القضية أيضا منظر وسائل النقل بجانب دجلة إذا ما قام الأميركان بتفجير الجسور الكبيرة فوق النهر. انه شعور - وأنا استشهد هنا بأحد سكان بغداد القدامى - كما يقول: «الصمغ سيغدو غير لاصق ولن يبقى هناك شيء يربط بين الناس». والكابوس ليس بالدرجة الكبرى القصف الوحشي الكثيف لبغداد، إذ ان الاقتناع المتنامي هو أن الغزو الأميركي الانجليزي سيطلق حربا أهلية بين الشيعة والسنة، وبين السنة والأكراد، وبين الأكراد والتركمان. فعند المرور بالشوارع في أحياء الشيعة الفقراء في مدينة صدام - والملايين هنا جاءوا من منطقة العمارة جنوبي العراق - من الممكن فهم مخاوف الأقلية السنية، من أن الفقراء سيكتسحون عشرات الآلاف منهم لنهب مدينة بغداد في اللحظة التي تنهار فيها السلطة المركزية. قد تقول: يا لها من مفارقة! ألم يكن الشيعة هم الأكثر تعرضا للاضطهاد في العراق خلال العقود الأخيرة؟ فحول بغداد، الناس شاهدوا الحرس الجمهوري، نقاط التفتيش تنمو بصورة أكثر. والطريق الرئيسي إلى شمال العراق - إلى كردستان - أغلق في الأيام الأخيرة وبالتالي الخطوط الخارجية للحصار قد استقرت في عقول سكان بغداد. والرسميون في المدينة يتحدثون الآن عن حظر التجول الكامل ليلا ونهارا في بغداد طوال القصف الأميركي، 24 ساعة من الحبس من دون معرفة نهاية، لا شخص في الشارع لمدة أسبوع أو أسبوعين - يعتمد ذلك، كما افترض، على طول الفترة التي يقرر فيها الجنرال طومي فرانكس استخدام وتجريب أسلحته ضد صدام وضد العراق.

وعودة إلى حرب الخليج في العام 1991، نجد أن البغداديين عبأوا ثلاجاتهم باللحوم، ليكتشفوا أن تدمير الأميركان لمحطات الطاقة أدى إلى فساد مخزونهم خلال ساعات فقط. والآن هم يأكلون ما تحتويه ثلاجاتهم قبل الحرب، ويشترون أطنانا من الخبز والبسكويت والتمور والحبوب. ويتلقى آلاف العراقيين الذين يستخدمون البريد الالكتروني رسائل بالعربية تحدد العلاج الطبي المطلوب في حال الهجوم الكيماوي أو البيولوجي. والرسائل الالكترونية لا توحي بمن قد يستخدم أسلحة الدمار الشامل هذه، ولا مَنْ يكون قد أرسلها. والأوروبيون القلائل الذين بقوا هنا يشكّون في أن ذلك قد يكون عملا أميركيا عسكريا، في محاولة أخرى لالقاء الذعر بين السكان الذين سيكتشفون فجأة كم هي مرعبة الأيام المقبلة.

والرسائل الالكترونية لا تذكر شيئا يود الأميركيون أبقاءه خافيا على كل من العراقيين وحلفائهم في الغرب، بأنهم عازمون تماما على استخدام ذخائر اليورانيوم المنضب في القتال. وعشرات الآلاف من المصابين بأعراض مرض حرب الخليج وعدد متزايد من العاملين في الحقل الطبي يعتقدون أن استخدامه وراء الاصابات الكثيرة بالسرطان، وخصوصا في المنطقة حول البصرة التي استخدم فيها قبل 12 سنة.

وعلى كل حال، صرّح الجنرال الأميركي بوفورد بلونت بصراحة أن رجاله سيستخدمون مرة أخرى هذه القذائف في الحرب ضد العراق: «لقد بدأنا فعلا بتجهيز قذائف اليورانيوم المضادة للدبابات». وبالمثل تم تجاهل - خارج الكويت - اختراق المنطقة العازلة للأمم المتحدة بين الكويت والعراق، إذ كانت تتم حراستها على يد جنود بنغاليين حتى تم سحبهم الثلثاء الماضي. والغالبية العظمى من حالات الخروقات الأخيرة حدثت على يد الطوّافات الأميركية والطائرات ودوريات الجيب في المنطقة التي تشهد انطلاق الغزو الأميركي.

ومن غير الاعتيادي ألا شيء من تلك الحوادث اتخذ طريقه إلى الصحافة في بغداد! ولا حتى عندما اقتنع خبراء الأسلحة الكيماوية الأوكرانيون بمساعدة الجنود الأميركان في ميدان القتال - فغالبية الأسلحة الكيماوية العراقية سوفياتية - استيقظت الصحافة في بغداد وكأن أوكرانيا ليست نفسها التي تعرضت للتهديد بفرض الحظر من قبل الولايات المتحدة قبل أربعة أشهر فقط بزعم بيع العراق نظام رادار يمكنه أن يرصد القاذفات!

في تلفزيون العراق الرسمي بدا الرئيس مرة أخرى مصرّا على أن قواته ستحطم القوات الأميركية الغازية، ووجه تعليماته إلى ابنه قصي، قائد منطقة بغداد العسكرية، بأن النساء الأميركيات سيبكين دما على مقتل ابنائهن إذا غزوا العراق. لقد كان يرتدي بزته ويتبسّم في ثقة كالمعتاد. ربما كان هناك بعض الطمأنينة، إذ يستمع إلى حكمة القائد العظيم في مثل هذه اللحظة.

وزير الخارجية التونسي صرح قائلا: «عندما يقول صدام حسين انه ليست لديه اسلحة دمار شامل، فإنه يعني ما يقول. فإذا هجمت أميركا، فستجد المقاتلين (العراقيين) وراء كل صخرة وجدار وشجرة للدفاع عن أرضهم وحريتهم».

وقبل اسبوعين فحسب كان صدام يقول لجنوده: «ان كل هذا الكلام عن الأسلحة بلا معنى... فعلينا أن نخطط على أساس أن تكون ميادين الحرب في كل مكان، وفي كل موضع يوجد فيه بشر». وفيما كان ربع مليون جندي أميركي يستعدون لغزو العراق فإن الصفحة الثانية من صحيفة «بابل» أخبرت قراءها ان «الرئيس صدام حسين، تلقى رسالة من وزارة الصناعة والمعادن بمناسبة زيارته الميمونة لمصانع منتجات الألبان في أبوغريب في السادس عشر من مارس/ آذار 1978». منتجات ألبان؟ أليس ذلك ما كان صدام يفكر فيه قبل 13 عاما، عندما أخبر رهينة بريطانية كان سيطلقها (طالب) بأنه يجب أن يعتني بشرب الحليب كل يوم؟.

ولكن العبارة التي انتظر العالم سماعها عن القيادة العراقية جاءت من أحد المسئولين: «الرئيس ولد في العراق وسيموت في العراق»

العدد 196 - الخميس 20 مارس 2003م الموافق 16 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً