العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ

معركة «الشرق الأوسط»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت معركة قضية «الشرق الأوسط». بدأت قبل أن تنتهي معركة بغداد. هناك أكثر من علامة تشير إلى موعد اقترابها. والمعركة ليست بالضرورة عسكرية. إنها حرب شاملة ستشهد الكثير من الضغوط السياسية والثقافية والإعلامية والنفسية وبعض المناورات العسكرية من حشود ومحاولات تطويق وإثارة القلاقل والمخاوف لتركيع الدول العربية الممانعة للمشروع الصهيوني (المدعوم أميركيا).

حتى الآن هناك إشارات متعارضة، وكلها تدل على وجود خطة لتطويق منطقة «الشرق الأوسط» وعزلها، والعمل على إسقاطها دولة دولة. الإسقاط ليس بالضرورة أن يكون عسكريا كما هو حال العراق. الإسقاط المطلوب أميركيا يبدأ بالسياسي والدبلوماسي، وبعدها تأتي الوسائل الأخرى (إذا كانت هناك حاجة إليها) حين تتوافر الظروف الدولية والإقليمية.

الإشارات حتى الآن متعارضة، ولكنها مخيفة إذا تم ربطها في منهج منطقي. وزير الدفاع دونالد رامسفيلد هدد سورية وإيران، ولمح إلى دعمهما العراق عسكريا (وهذا كذب). وزير الخارجية كولن باول أشار إلى وجود صلات بين سورية وإيران والنظام العراقي يؤثر على توازن القوة العسكرية (وهذا كذب). مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس لمحت بدورها إلى وجود هذا الاحتمال (وهذا كذب)، وذهبت إلى تكرار أقوال رامسفيلد وباول، مشيرة إلى أن تلك المواقف لن تمر من دون دفع «الأثمان السياسية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون كان الأوضح في الإفصاح عن خططه المقبلة. وقبل أن يبدأ العدوان على العراق أشار شارون إلى أن الهدف المقبل هو إيران، وذكر مرارا أن صدام حسين «هرّب» سلاحه الكيماوي وصواريخه البعيدة المدى إلى سورية. وبعد العدوان على العراق صدرت تصريحات كررت الأكاذيب نفسها، وأضافت إليها الكثير من النقاط المبعثرة، ولكنها في مجموعها العام مترابطة وتدل على وجود برنامج محدد للفترة المقبلة.

أهم ما قالته «إسرائيل» تعليقا على نتائج العدوان على العراق، يمكن حصره في النقاط الثلاث الآتية:

أولا: تدمير قوة العراق العسكرية أزال خطرا استراتيجيا، وأسهم في إعادة ميزان القوة لمصلحة الدولة العبرية.

ثانيا: عزل سورية عن عمقها الجغرافي ـ السياسي ووضعها في إطار ضيق أضعف قدرتها على المناورة الدبلوماسية.

ثالثا: فتح باب اعتراف العراق «الجديد» الدبلوماسي بـ «إسرائيل»، وهو أمر ترى حكومة شارون انه يفتح التجارة والتسويق مقابل النفط العراقي. ولمحت مصادر الحكومة إلى إمكان إعادة ضخ النفط بالأنبوب الذي توقف بعد حرب 1948. واقترحت تشغيل الأنبوب ذاته الممتد من الموصل إلى حيفا.

حتى الآن كل هذه الإشارات مجرد أمنيات تراهن حكومة شارون على إمكانات حصولها في حال قبضت أميركا سياسيا على العراق. الاحتلال حصل، وبقي على واشنطن أن تستكمل فوزها العسكري في المعركة بانتصار سياسي يكسر إرادة الشعب العراقي ويفرض على حكومة بغداد الجديدة (حكومة ظل للاحتلال) قطع علاقاتها مع الدول العربية أو الانسحاب من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاعتراف بـ «إسرائيل»، وتوقيع معاهدة صلح مع العدو الصهيوني، إضافة إلى سلسلة اتفاقات وتفاهمات مع الولايات المتحدة تجيز لها البقاء في العراق واستخدام قواعده وأراضيه، وأخيرا إعطاء واشنطن حق التدخل في حال تعرضت حكومة بغداد البديلة (وكيلة الاحتلال) لمخاطر أو مشكلات.

معركة العراق انتهت، أو هي في طريقها إلى الانتهاء. وبدأت واشنطن تخطط لمعاركها المقبلة التي ترى فيها الدلائل الملموسة سياسيا لنجاحها العسكري في العراق. ومن يظن أن واشنطن ستكتفي بالسيطرة على بغداد يذهب في الاتجاه الخطأ. فالمعركة أكبر من العراق. وهي لم تحصل بسبب «أسلحة الدمار الشامل»، فهي أساسا غير موجودة كما بينت تقارير فرق المفتشين الدوليين، وإذا وجدت فهي غير صالحة للاستخدام. والمعركة لم تحصل بسبب استبدادية نظام بغداد، فهذه ليست قضية مهمة في السياسة الخارجية الأميركية. المهم هو السيطرة على مصادر الطاقة والقوة والضغط دوليا على القوى المنافسة (الصين، أوروبا، روسيا) وعربيا على الدول الممانعة لعقد الصلح بالشروط الإسرائيلية وتحت سقف المشروع الصهيوني.

هذا الكلام ليس للتهويل والإحباط، وإنما للإشارة إلى أهمية إعادة قراءة الحدث العراقي في بُعده الاستراتيجي الخطير، وانطلاقا من معرفة الجغرافيا السياسية والمشروع الأميركي الهجومي الذي اندفع عالميا منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001.

هذا المشروع شرير وخبيث، تقوده مجموعة من المجانين في البنتاغون، وهو يزايد على «إسرائيل» في صهيونيتها، ولا يقيم أي اعتبار للقوانين الدولية ولا للأعراف الدبلوماسية والسياسية. حتى الدولة الصديقة لواشنطن مثل بريطانيا لا قيمة اعتبارية لها إذا أرادت أن تضبط إيقاع الهجوم الأميركي بقرارات دولية صادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

حتى الآن لم تبدأ معركة «الشرق الأوسط» رسميا، ولكنها بدأت فعليا على المستويين السياسي والدبلوماسي، وهذا ما يمكن فهمه من قراءة تهديدات شارون لوزير خارجية بريطانيا جاك سترو، الذي قال: إن الغرب يكيل بمكيالين، ويميز بين «العراق» و«إسرائيل».

شارون ببساطة هدد بريطانيا بمنع حضورها توقيع اتفاقات «خريطة الطريق» التي يطالب بتعديلها وفق ملاحظات تل أبيب (15 ملاحظة) على الخريطة.

تهديدات شارون لسترو تقول بوضوح إن عهد بريطانيا انتهى، وبدأ العهد الأميركي المتحالف في السراء والضراء مع «إسرائيل». هذا أول الغيث، وبعده الطوفان

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً