العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ

ما حقيقة الصفقة بين نظام صدام والأميركان؟

أحمد عباس الخزاعي comments [at] alwasatnews.com

بين التهويل الإعلامي والحقيقة المرة، هناك خيط رفيع يمكن أن ينقطع في أية لحظة، وينكشف ما هو مستور وتتضح الحقيقة. ما تردد عن وجود صفقة خفية بين نظام صدام والأميركان قد تكون حقيقة اضيفت عليها قصص خيالية وألغاز على نمط صدق أو لا تصدق. ولكن هناك اعتقاد سائد لدى الشعوب العربية جميعها بلا استثناء، بأن صدام وجماعته باعوا بلدهم ومعتقدهم الحزبي من اجل حفنة من الدولارات وضمان انقاذ ارواحهم وأملاكهم وعوائلهم. الغريب في الأمر مدى دقة ترتيب خطة الصفقة التي حبكت في شكل مؤامرة عالمية اشتركت فيها عدة اطراف دولية فاعلة، ولابد أن الدول الكبرى لها يد في انجاز صفقة القرن السياسية هذه.

الحكاية بدأت عندما زار وزير خارجية الاتحاد السوفياتي السابق بريماكوف بغداد واجتمع بصدام حسين في بغداد قبل الحرب، وكان التهديد الأميركي بشن العدوان على العراق آنذاك في أوجه. خطة بريماكوف تقضي بأن يقنع صدام وعائلته بالخروج من العراق بأقل الخسائر، ويتم الاتفاق على ثمن الخروج في شكل تعويضات وضمانات بسلامته، لكن الصفقة لم تعجب صدام ربما لأن التعويض المقدم غير مغرٍ، على رغم أن صدام سبق له أن قبض ثمن سياسته المعادية لإيران من الأميركان، عندما دفعه الأميركان بشن حرب الخليج الأولى ضد ايران وتقديم كل إشكال الدعم المالي والعسكري والاستراتيجي له. لكن صدام تعرض إلى ما يمكن أن نطلق عليه خديعة القرن، عندما شجعت السفيرة الأميركية في بغداد صدام على غزو الكويت، مؤكدة له أن الرئيس بوش الأب سيغض النظر عن غزو صدام وان الاميركان لن يتدخلوا في ذلك الأمر. موقف الاميركان شجع صدام على تحقيق أمنيته بالاستيلاء على الكويت وغزوها، إلا أن صدام تعرض لأكبر خديعة دبرها الأميركان لحاكم عربي لتبييت النية لانتقام الأميركان لـ «اسرائيل» من العراق بسبب تعاظم قوته وتهديده لـ «اسرائيل» الحليف الأول لأميركا في المنطقة، لهذا تحالف الأميركان مع 33 دولة لشن حرب مدمرة على صدام، أجبرته على الانسحاب من الكويت. وبذلك فقد صدام الثقة في الأميركان تماما، على رغم انه كان يرى نفسه افضل حليف في الشرق الأوسط يخدم المصالح الأميركية.

خيوط الصفقة بدأت تتضح معالمها بمجرد زيارة مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي كوندليسا رايس إلى روسيا. وفي الاجتماع الذي جرى بين رايس والرئيس الروسي بوتين ووزير الخارجية ايفانوف، تم الاتفاق على إبرام الصفقة والتخطيط لها، ولكون الصفقة سرية جدا، لم تكن القيادة الوسطى الأميركية في الدوحة، برئاسة الجنرال تومي فرانكس على علم بها، لهذا عندما تسلم احد طياري القيادة الوسطى معلومات استخبارية عسكرية بأن صدام ربما يهرب عن طريق الحدود السورية، تصرفت القيادة الوسطى على الفور وأمرت بقصف موكب السفير الروسي في العراق، إلا أن اتصال السفير الروسي المستعجل بالقيادة الروسية ربما هو الذي أوقف القصف الأميركي لموكب السفير الروسي. ولكن ما هي الخطة؟

الخطة جرى عليها بعض التعديل عن خطة بريماكوف السابقة بتقديم ضمانات لصدام وعائلته وأعضاء قيادته بالخروج سالمين مع ممتلكاتهم لمكان آمن. وبذلك ينقل صدام وجماعته إلى روسيا ومن ثم إلى كوريا الشمالية أو روسيا البيضاء، ويقال إن الرئيس صدام استقر به الحال في روسيا البيضاء. الخيار الآخر هو الخروج إلى كوبا والبقاء فيها إلى بقية حياته من دون ملاحقة، والدليل على ضلوع كوبا في العملية هو قصف الأميركان للسفارة الكوبية لاعتقاد الطيارين الأميركان أن صدام مخبأ في السفارة الكوبية في بغداد أو السفارة الصينية.

السؤال هو: ما ثمن خروج صدام من بغداد؟ الأخبار المتواردة أن الثمن نزع سلاح 7 فرق من الحرس الجمهوري المكلف بحماية بغداد، لاعتقاد الأميركان بأن مقاومة الحرس الجمهوري للقوات الأميركية في بغداد ستكلف القيادة الاميركية كثيرا من أرواح جنودها، ومن ثم الاختفاء من الساحة تماما، أما الادعاء بأن صدام قتل في قصف بيت المنصور، وان فرق الحرس الجمهوري انهارت واستسلمت بمجرد سماعها خبر مقتل صدام، فهي أخبار مدسوسة وكلام مردود عليه، والغرض منها التمويه واخفاء حقيقة الصفقة التي تمت. جميع وكالات الانباء ومراسلي الشبكات الفضائية أعربوا عن استغرابهم لدخول الجيش الاميركي المفاجئ بغداد، واختفاء جميع عناصر الحرس الجمهوري وفدائيي صدام، ولم يبق في الساحة من المقاومة غير الانتحاريين العرب.

الرأي الآخر الذي نسمعه أخيرا ويتردد كثيرا أن خوف الأميركان من استخدام العراق الأسلحة الكيماوية والبيولوجية هو الذي عجل بالصفقة حفاظا على أرواح الجنود الأميركان ولرغبة أميركا وبريطانيا في عدم استثارة الرأي العام لديهما. وهناك رأي آخر يدعي بأن العراق استخدم الأسلحة الكيماوية فعلا في معركة مطار بغداد، ونتج عنها مقتل الكثير من الجنود الأميركان، ما اجبر القيادة الأميركية على قبول الوساطة الروسية لعقد صفقة القرن السياسية.

الخوف من سقوط ضحايا دفع أميركا لإرسال عدة وفود عالمية لإقناع صدام بالتنحي عن السلطة، وعندما سأل رامسفيلد عن الوساطات الدولية السرية التي تدور هنا وهناك لإقناع صدام بالتنحي، أنكر علمه بتلك الوساطات، على رغم انهم أوعزوا لوساطات عربية وإسلامية وشرق اوسطية وأوروبية للتحدث مباشرة مع صدام. الأمر الذي تعدى الوساطات باطلاق عدد من الدول مبادرات تهدف إلى إقناع صدام بالتنحي، ولكن تلك المبادرات باءت بالفشل على ما يبدو لأنها لم تحز اعجاب صدام أو قبولها، ربما لأنها لم تقدم إليه ضمانا مغريا ومقنعا، وفي الوقت نفسه تحافظ على حياته وممتلكاته.

الواقع هو أن خروج صدم كما يرى الكثير من المحللين السياسيين في صالح الشعب العراقي، الواقع بين سندان صدام ومطرقة الاميركان. الشيء المؤكد أن خروج صدام أنقذ الشعب العراقي من القصف والتدمير، وإلا استمر ذلك القصف عدة شهور، إذا لم يتوصل الأميركان المصممون على استعمار العراق واحتلال منابع النفط إلى اهدافهم المعلنة، عندها سيموت الآلاف من العراقيين من نار الصواريخ والمدافع والدبابات والقنابل الاميركية القاتلة، من دون اتاحة الفرصة لهم بالدفاع عن انفسهم.

التفسير الآخر لعقد الصفقة هو التمويه الاميركي المفضوح بإصدار بطاقات طبعت عليها صور صدام وقيادته الخارجة من العراق، لإقناع العموم بأن القيادة الأميركية تبحث عن صدام وأعوانه، والدليل على ذلك أن أقطاب النظام الذين لم تشملهم الصفقة كبرزان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام وغيره قد تم القاء القبض عليهم.

من هنا يجب أن نؤمن أن السياسة عمل قذر كما يقال، ولتحقيق الأهداف السياسية للدول الكبرى فإن هذه الدول لا تبرم ميثاق شرف مع أية دولة في العالم للحفاظ على أخلاق الحرب أو نظافتها كما يقول الأميركان، ويدعون أن حربهم في العراق حرب نظيفة وان قنابلهم قنابل شريفة وذكية وليست عنصرية أوطائفية.

العدوان على العراق كما وصفه بابا الفاتيكان عمل غير أخلاقي، والحرب استعمارية بكل معنى الكلمة، ولا مجال هنا لإطلاق لقب حرب تحرير عليها لمجرد النظر بتمعن إلى تصرفات الأميركان في العراق

العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً