العدد 230 - الأربعاء 23 أبريل 2003م الموافق 20 صفر 1424هـ

إشكالية الثقافة التسطيحية لدى الحركة الإسلامية

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

لا يمكن لناقد موضوعي ان يختزل الحركة الاسلامية في اخطائها ليقول: انها بلا ايجابيات. هذه بدهية واضحة ان للحركة اخطاء وايجابيات وتفوق الثانية الاولى ولكن هذا لا يعني ان الحركة لا تحتاج الى ترشيد لاعادة بعض مكوناتها، ولتشكيل وعي آخر يزيدها افقا، ونضجا ووعيا خصوصا على مستوى السلوك الذي عادة ما يكون افرازا لقراءات تاريخية تقتطع من سياقاتها نتفرض على الارض من دون مراعاة الظرف والزمن والمكان.

ونحن عبر هذه الورقة نحاول ان نسلط الضوء على بعض العوامل التي عملت على خلق ثقافة تسطيحية لدى بعض الناشئة من اتباع الحركة الاسلامية فأوقعت البعض منهم في قراءة الاسلام خطأ أو راحت تنظر وتفسر المفرادات الاسلامية التاريخية وغيرها بمنظار مبسط لا يخلو من قطيعة وتجزيء وتسطيح ايضا اوقعت مجموعة كبيرة من الحركة في ذات الاشكاليات والاخطاء التي وقعت فيها الرموز الاسلامية في القرون الماضية عندما استسلمت لمثل هذه الثقافات او الجدليات فأوجدت فكرا تستطيحيا محكوما ومأسورا إلى القضايا الجزئية والتي عادة ما تكون بعيدة عن تطلعات وطموحات ذات الايديولوجية الإسلامية وما اراه من منطلق تنظيري ان الثقافة التسطيحية، التي ترفد بالمعارك الوهمية سواء كانت هذه المعارك تنظيرية او تطبيقية ثقافية او سياسية عادة ما تترجم ـ نتيجة هذا الفكر ـ إلى سلوكيات حادة على الأرض حتى تجاه من يحملون ذات التوجه وهنا تكمن خطورة تعبئة جمهور «الفئة» أو «الحزب» او «المجموعة» بمثل هذه الثقافات.

ولعل ما يؤخذ على الحركة الاسلامية في بعض مواقعها هو وضع بعض فرقها في الاخطاء ذاتها التي حدثت تاريخيا. فالتاريخ الاسلامي مازال يحمل في ذاكرته صورا مركبة لأكثر من معركة «علمية» وهمية أو ليست ذات مردود عملي يذكر على واقع الحركة الا بالسلب. من قبيل تلك السجالات التي دارت سنين طويلة بين المسلمين على قضايا قديمة مبسطة... استنزفت اوقات الشباب المسلم واعمارهم وشغلتهم عن جوهر الاسلام... من قبيل النقاشات المحتدمة بين المسلمين عن قضية ازلية القرآن او التناسخ ووحدة الوجود وما إلى ذلك. الخطأ الذي وقع فيه المسلمون هو الاسراف في النقاش إلى درجة ان أصبحت هذه القضية هي الجوهر ما اصبح على حساب تلك الأولويات التي ركز عليها الاسلام والقرآن... ما ندعو اليه هو اعطاء أية قضية او مسألة حجمها الحقيقي وبطريقة علمية معرفية بعيدة عن التضخيم تماما كما حدث في مسألة «جناح الذبابة» إذ اصبح هناك جدل واسع لسنين طويلة عن حديث «جناح الذبابة» وقد ارفدت المكتبة الاسلامية بكتب عن هذا الجناح، والتي كان منها على سبيل المثال لا الحصر «الاصابة في صحيح حديث الذبابة».

او من قبيل الاسراف في النقاش عن سقوط الحيوانات في الآبار ـ التي بالطبع ليست محل ابتلاء عملي كما هو السابق ـ فهل تنزع 10 دلاء ام 15 دلوا... وللعلم مازالت هناك نقاشات مطولة في بعض هذه المسائل وهناك دراسات قد تصل الـ 10 سنوات في مثل هذه القضايا. بالطبع لا ادعو إلى الغائها ولكن كل ذلك لا يكون بطريقة مبالغة مطولة فتصبح على حساب المسائل الكبرى التي ركز عليها الاسلام فمازالت المكتبة الاسلامية فقيرة لتلك البحوث التي تركز على فقه الدولة وعلى تقنين رؤية اسلامية متكاملة عن طبيعة النظام الاسلامي وعن النظرية الاقتصادية من منطلق اسلامي وغيرها. هذه القضايا لابد ان يكون الاسلام اعطى لها تصورا ولكن العلماء الاسلاميين بحاجة إلى استنفار العقول لتقنين مثل هذه النظريات فما عادت تجدي تلك الخطابات العائمة والانشائية، وقد ذكرت سابقا ان السيد الصدر عمل جادا في هذا المضمار واستطاع ان يقدم رؤى وتصورات سدت بعض المواقع التي كانت محل تساؤل لدى المثقفين والمتعطشين من النخب الاسلامية، ولكن القضية تحتاج إلى من يكمل المشوار متحملا كل الضغوط من قبل كل من يرفض تقدم الاسلام كإيديولوجية تستطيع فرض نفسها، خصوصا بعد سقوط الايديولوجيات، بدلا من اسقاط الناشئة في الخلافات التفسيرية الجزئية أو اسقاطهم في يد تلك التصورات الحالمة والمتسغرقة في الخيال كما يفعل معتنقو بعض الفرق الصوفية، إذ اغرقوا شبابهم وقواعدهم الشعبية في القضايا الرومانسية وذلك عبر تدريسهم بعض الكتب من قبيل «الرسالة القشرية» التي راحت تتحدث عن «الذين يطيرون في الهواء ويعبرون الأنهار»... الخ.

بالطبع ازمة هذه الثقافة تأتي عادة من بعض تلك الخطابات التي هي بحاجة ايضا إلى تطوير وإلى إظهار الايديولوجية الاسلامية كما جاءت من السماء... لهذا يقع على عاتق المتصدين من الدعاة، ممن تمكنوا من الاحتفاظ بعنصر التأصيل وبعنصر عدم إلغاء الزمن وتغيرات الواقع توفير أكثر عدد من المنابر التثقيفية الجادة.

يقول المفكر الاسلامي فهمي هويدي في كتابه (التدين المنقوص): ان الحركة الاسلامية مازالت تعاني من بعض هذه المنابر... ففي برنامج تلفزيوني عرض على شاشات التلفزيون تكلم فيه هذا الداعية عن «اداب قضاء الحاجة» كما وان شيخا من شيوخ احدى الموسسات الإسلامية راح يتكلم في الاذاعة البريطانية في شهر رمضان عن عصا موسى مستدلا بذلك على فوائد الخشب تاركا التحدث عن القضايا التي تمس جوهر المشكلات لدى المسلمين، عين هذه الاشكاليات اختصرها الشيخ مرتضى مطهري في كتابه (الملحمة الحسينية) عندما راح ينتقد بعض الرؤى التسطيحية التي علقت بذكرى كربلاء من «زفاف القاسم» وغيرها من القضايا الخيالية التي لا تعتمد على حقائق تاريخية.

وذات الهم كان يعيشه الشيخ محمد الغزالي الذي استعرض ملاحظاته على اخطاء تلك الافكار أو تستطيحها في كتابه «مشكلات في طريق الحياة الاسلامية» إذ يقول منتقدا ذلك الاسقاط التاريخي لدى بعض الشباب: «ان الشباب في الجزائر قرروا بناء مسجد في العاصمة واستقدموا ناقة وتتبعوها حتى يحددوا مكان المسجد» تأسيا بالواقعة التي حدثت في تاريخ الرسول (ص)!

مشكلة بعض هؤلاء الشباب انهم اغلقوا عقولهم على القضايا الفرعية والجزئية واعطوها اهمية اكبر من القضايا الجوهرية وراحوا يشككون في بعض القضايا من قبيل «لبس النعال» أو «الاستصباح بالزيت في المساجد» أو «استخدام المطابع لطباعة المصاحف».

ومثل هذه الثقافة تحركت إلى مواقع اخرى من الخطاب... من قبيل تلك الخطابات التجزيئية التي تحمل نزعة الجرثومة الاهلية والتي تحمل نزعات انقسامية حتى بدأت لغة التكفير سائدة في مضمرات الكثير من الخطابات ما عمل على خلق عقلية شبابية تحمل ذات المرض فزادت ثقافة الطوائف على ثقافة الدين. ولعل ما طرحه جبران خليل جبران لا يخلو من دقة على رغم تبني الرجل ايديولوجية اخرى وهو يقول: «ويل لأمة كثرت فيها الطوائف وقل فيها الدين» بالطبع مثل هذه الخطابات التسطيحية عادة ما تكون موقعا خصبا لتفريخ الرؤى الاستئصالية حتى للآخر من ذات الاتجاه الايديولوجي. فالعنف الفكري تجاه الاخر من ذات التوجه يؤدي الى خلق ثقافة استئصالية بدلا من ان تكون تسامحية. فعل العنف الفكري تجاه بعضنا بعضا كحركات اسلامية لايزال موجود على رغم ان بعض الحركات ومن كل الطوائف بدأت تخرج من هذا الواقع عندما تبين لها خطورة قمع الاخر من البيت ذاته وعادة ما تفرز الثقافة المسطحة ثقافة استئصال. إذا نحن بحاجة إلى رفع مستوى الخطاب الثقافي لكي نصل إلى أجندة تتناسب مع حجم التحديات. لعل بعض هذه الاخطاء هي التي وقعت فيها حركة الطالبان إذ قامت باصدار تعميمات ساعدت على ترسيخ مثل هذه الاشكاليات لما تحمل من تبسيط وتسطيح ففي تاريخ 17/12/1996م أصدرت الحركة تعميما يحظر كثيرا من النقاط التي منها:

- منع تربية الحمام.

- اللعب بالطيارات الورقية للاطفال.

- خياطة ثياب النساء بالنسبة إلى الرجال.

وغيرها من القضايا... التي فرضت على الشعب الافغاني.

مصدر هذا البيان كتاب (الطالبان جند الله في المعركة الغلط) لفهمي هويدي.

مثل هذه الثقافات هي محل ابتلاء لدى كل الحركة الاسلامية ولا تخلو فئة أو مجموعة الا وتعاني بنسب مختلفة من هذه القضايا... ولهذا يجب ان تعمد الحركة الاسلامية الى ازالة بعض هذه القرارات أو الخطابات حتى تستطيع ان تعطي وجودها قوة واقعية. بالطبع نحن لا نختصر خطاب الحركة في هذه الاخطاء ففي عموم الخطاب قوة كخطاب الحركة الاسلامية في فلسطين ولبنان وبعض الدول ولكن هذا لا يعني عدم وجود بعض الملاحظات على خطاب الحركة في عمومه في بعض الدول الاخرى في الماضي أو الحاضر

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 230 - الأربعاء 23 أبريل 2003م الموافق 20 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً