العدد 234 - الأحد 27 أبريل 2003م الموافق 24 صفر 1424هـ

البيضة أم الدجاجة؟

خليل عبدعلي خليل comments [at] alwasatnews.com

الجدلية الفلسفية القديمة التي تدور حول مجيء من أولا إلى الوجود «هل البيضة أم الدجاجة؟» ربما هي الفكرة التي تصدع الآن أدمغة البعض من الطلبة عن أي مشروع يسبق الآخر، هل قيام اتحاد أم مجلس طلابي؟ وبقدر ما يبعث السؤال على الحيرة والتفكير والتفكك لدى المنشغلين به، بقدر ما يفضي إلى خانة فارغة تتشابه معها الخطوط وينعدم عندها الاتزان والرؤية الصائبة.

وهي فكرة تطفو على السطح وتلقى نقاشا ساخنا بين فريقين من الطلبة يتزامن طرحها مع الاعلان عن انتخابات مجلس طلبة جامعة البحرين في دورته الثانية التي ستجرى الاثنين المقبل. الفريق الأول مؤيد للمشاركة في المجلس ويرى أنها مكسب للحركة الطلابية ولا ضير أن يشهر الاتحاد من عدمه. والفريق الثاني يؤيد قيام اتحاد للطلبة يكون القاعدة الأساسية لانطلاق العمل الطلابي، ويدعون بشكل صريح وعلني إلى مقاطعة الانتخابات الطلابية المقبلة؛ لأنها من وجهة نظرهم «عديمة الفائدة ولا تلبي الطموح» ولابد أن يسبق وجود الدجاجة البيضة.

وتجربة المجلس الطلابي - على رغم الاختلافات حول تقييم أدائه خلال دورته الأولى- حفلت بالكثير من المحطات والمواقف التي استفاد منها أعضاء المجلس ولا نستطيع أن ننكر ذلك، بدءا من خوض الأعضاء تجربة العمل الطلابي المؤسساتي، والتقدم بأفكار ومشروعات تخدم الحياة الطلابية تحقق منها جزء وبقت مشروعات أخرى هي في طور التنفيذ منها على سبيل المثال تطوير مواصلات الطلبة وانشاء استراحات لهم ومشروع حاسوب لكل طالب. وهي جهود طلابية نثمنها ونشد على أيدي القائمين عليها، وثمرة التعاون بين ارادة الطلبة والادارة الجامعية، وبحاجة إلى بلورة وترسيخ أكبر في المرحلة المقبلة من عمر المجلس.

التجارب المفيدة تستغرق ولادتها وقتا طويلا، وتُبنى عبر الأيام والشهور والسنين؛ و«روما لم تبن في ليلة واحدة». وسيخرج لنا هنا طالب من الفريق الثاني المولعين بـ «المقاطعة» وسيقول: «عماذا تتحدث؟! كيف ندعم المجلس ولوائحه الداخلية تقيده وتجعله تابعا مباشرة إلى عمادة شئون الطلبة ولا يستطيع تنفيذ أي فعالية من دون الرجوع إلى العمادة». وهذه الاشكالية التي يصفها البعض أنها معضلة «محورية» هي قابلة للنقاش والبحث وليست جامدة أو نصا مقدسا؛ وإنما الجمود هو تبني فكرة يكون الخنوع لها شكلا من أشكال العبودية، وتجاهلا للآخرين وما يمليه المنطق.

ومحاولة تأسيس عدد من التجمعات الشبابية والطلابية لكيان الاتحاد الطلابي في الشهور الماضية هي خطوة جديرة بالتوقف والدعم من مختلف شرائح الطلبة، فهي الفكرة الأعم الأشمل للجسم الطلابي الذي يتكون من المجالس الطلابية الصغيرة. والتجربة الطلابية السابقة للاتحاد الطلابي المتمثلة في الاتحاد الوطني لطلبة البحرين أفرزت نتائج وتراكمات هي حصيلة الزمن الذي عاشته خصوصا على مستوى غلبة اللون السياسي على أنشطة الاتحاد. ولكننا نقول ان واقعا طلابيا جديدا يتشكل اليوم وهناك ثقافة وزمن آخر لا بد من التعاطي معهما بتعقل وتروٍّ وعدم انفعال وتسرع.

والجهود التي يبذلها الطلبة لتأسيس اتحادهم الطلابي لا يمكن فصلها عن مجريات الأحداث داخل جامعة البحرين التي تحوي قاعدة طلابية جماهيرية كبيرة وتستعد خلال الأيام المقبلة لخوض الاحتفالية الانتخابية الثانية للمجلس الطلابي. لا بأس أن تتزامن التجربتان في الوقت نفسه، ويستفيد الطلبة من تشكل وتجربة المجلس في خدمة قضايا الطلبة والدفاع عن حقوقهم، فالهدف في الحالتين هو واحد.

وبغض النظر عن فحوى الاجتهاد الفكري في الجدل البيزنطي عن قضية (البيضة والدجاجة)، فإنه من المهم التأكيد وبشدة على ضرورة احترام مواقف وآراء الآخرين وأنه لا داعي لاستخدام الأساليب القديمة في كبت ودحر حريات الآخرين التي دائما ما توصف الأنظمة السياسية بأنها تمارسها، ونرى البعض يتفنن في تنفيذها مستخدما أشد الأسلحة فتكا، فمادام الآخر - بغض النظر عن التوجهات والأفكار التي يتبناها - ملتزما بقواعد الحوار والأعراف والأطر العامة ولا يخل طرحه بأعمدة وبنيان الثقافة المجتمعية، فإن من حقه التعبير واستخدام الوسائل السلمية من دون التضييق والتخنيق عليه، ويكفل الدستور هذه الحقوق كاملة.

وربما ثقافة «الحوار واحترام الآخر» هي التي تنقصنا اليوم للتعامل مع الأنظمة الديمقراطية المهيئة لنا سواء داخل الجامعة أو في المجتمع. وتعميق هذه الثقافة لدى الطلبة الجامعيين الذين هم ركيزة البناء والتطوير والتحديث في المجتمع، هي مسئولية الطلبة أنفسهم والمثقفين والأكاديميين، فالعلم والمعرفة من دون الأخلاق والقيم الحميدة تنعدم قيمتها

العدد 234 - الأحد 27 أبريل 2003م الموافق 24 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً