العدد 236 - الثلثاء 29 أبريل 2003م الموافق 26 صفر 1424هـ

البطالة: أزمة خرجت عن نطاق السيطرة...ولكن

محمد جابر الصباح comments [at] alwasatnews.com

في مقال سابق اشرت تحت العنوان ذاته بتاريخ 4 الجاري، إلى أن البطالة، هي أم العوز، وأصل الحاجة، ونبع الإغراءات الشيطانية المدمرة، والمحرضة على ارتكاب أي نوع من أنواع الجرائم، وما يمكن أن يتصوره العقل البشري من الانحرافات الأخلاقية التي لا عد لها ولا حصر...

ولما أن البطالة، بمثلما طالت شرورها وانعكاساتها المؤلمة والتدميرية العمالة الوطنية، فإنها وبالقدر نفسه، قد طالت هذه الشرور التدميرية العمالة الأجنبية، إن لم يكن بأفضح منها شدة، وألما وقهرا، ذلك أن العامل الأجنبي فارق أهله وزوجته وأبناءه وهو صفر اليدين، إلا من بسمة أمل ودع بها الأهل والأحباب والخلان، وحلم واسع بخير جزيل ينتظره في بلاد المهجر أو التغرب المؤقت، يتردد في أجواء قلبه مع كل شهقة وزفرة، فإذا بكل آماله وأحلامه تنتهي به إلى التسكع في الشوارع والطرقات شأنه شأن أخيه العامل البحريني يجمع من القمامة والمخلفات ما يسد به رمقه...!

إن محاولات وزارة العمل، سواء بحسن نية أو بسوئها، التستر على كبار تجار الفري فيزا، المتنفذين في أرقى مفاصل سلم الهرم الحكومي ومختلف وزارات الدولة هي أكبر من أن يغطيها قرار إعطاء العامل الأجنبي حق تغيير كفيله من دون الحصول على رسالة ممانعة، ذلك أن رسالة عدم الممانعة تكشف بكل وضوح عن شخصية الكفيل وتحدد ما إذا هو موظف رفيع المستوى في الدولة يملك من الصلاحيات ما تفرض عليه مبدئيا وأخلاقيا أن يكون أمينا ومحافظا على مصلحة الوطن والشعب، لا متلاعبا ومتاجرا في مصير الخلق والعباد، وبالمعنى ذاته، فإن محاولات التلاعب بالأرقام والنسب فيما يرتبط بحجم العمالة الأجنبية ونسبة البطالة ليست بأوفر حظا في هزالها وتدنيها وجعجعتها الفارغة من قرار اعطاء العامل حق تغيير كفيله كما يشاء...!

إن آخر التصريحات المتعلقة بحجم العمالة الأجنبية، تلك التي أدلى بها كل من عضو مجلس النواب عبدالنبي سلمان، وحسن فخرو بأنها (300 ألف) عامل، إن دل قبولهما به وتبنيهما له وموافقتهما عليه، إن دل على شيء فإنما يدل، مع الاحترام، على افتقارهما إلى خلفية تاريخية حول نشوء أزمة البطالة وتطورها وبلوغها إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم كأزمة خرجت عن نطاق السيطرة، على رغم كل المحاولات الترقيعية التسترية التي بذلت، والمستشارين والخبراء الذين جُندوا (بضم الجيم) لاحتواء أزمة البطالة، ومئات الملايين من الأموال التي هدرت، فقد ظلت الأزمة تتنامى حتى لحظتنا المعاشة، وما الرقم (300 ألف) إلا رقم مقطوع عن سياقه التاريخي، ألقي به في خضم الحوادث لإلهاء الناس عن حقيقة حجم العمالة الأجنبية الحقيقي، وما نتج عنها من بطالة بسبب اختلال التوازن بين الحاجة للعمالة والقدرة الاستيعابية لمشروعات العمل المتوافرة... ومن هنا تقتضي الضرورة وضع النقاط على الحروف وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وصولا لتحديد حجم العمالة الأجنبية إلى الأقرب الصحيح بدل تطيير الأرقام كيفما يحلو وبصورة مزاجية، وفي السياق نفسه سيتم تحديد حجم البطالة التي سببها الرئيسي تجارة الفري فيزا... ومن هنا نبدأ...

إنه، وبإلقاء نظرة فاحصة، وإجراء دراسة متأنية للمجموعة الإحصائية للعام 1991، وما تلا ذلك من تطورات في صفوف العمالة الأجنبية حتى الربع الأول من العام 1994 يتضح، أن الاسقاطات المتوسطة لسكان دولة البحرين العام 1991 تشير إلى أن التعداد السكاني هو 516,444 نسمة، منهم 347,044 بحرينيا و169,400 أجنبي، ولما أن النمو السكاني للبحرينيين هو 2,9 في المئة فمعنى ذلك أن مجموع المواليد هو 10064 والتعداد السكاني سيصل في العام 1992 إلى 357,108 نسمة.

وفيما يختص بالنمو السكاني الأجنبي، فيجب أن ندرك أن هذا التفصيل السكاني يتميز بنوعين من النمو، أولهما النمو الطبيعي الناتج عن الحمل والولادة ونسبته 1,53 في المئة وتعطينا 2608 مواليد، وثانيهما النمو الناتج عن العمالة الوافدة، ولما أن وكيل وزارة العمل المساعد قد صرح لصحيفة «أخبار الخليج»، ونشرته في عددها 5793 الصادر في 1 فبراير 1994، بأن الوزارة قد أصدرت 59,746 ترخيصا لجلب أيدٍ عاملة أجنبية، وبإضافة عدد المواليد إلى عدد العمالة الوافدة تصبح الزيادة في عدد العمالة الأجنبية 62,354، ويبلغ عددها الإجمالي (للعام 1992) 231,754، ونسبة الزيادة 36,8 في المئة.

أما إذا انتقلنا للعام 1993، فطبقا إلى مصدر وزارة العمل السابق الذكر، فإن عدد العمالة الأجنبية التي دخلت البلاد كانت 49,816 عاملا إضافة إلى 3,335 خادما من الجنسين، و3120 مولودا، وبهذا تصبح الزيادة في (العام 1993) 56,271 ويرتفع المجموع إلى 288,025 ونسبتها 24 في المئة. أما البحرينيون فإن تعدادهم السكاني العام 1993 هو 367,464 نسمة بعد إضافة 2,9 في المئة نسبة النمو السكاني البالغ 10,356 مولودا. وإذا ما تطرقنا إلى الربع الأول من العام 1994، فقد صرح وكيل وزارة العمل المساعد للصحيفة نفسها في عددها 5877 تاريخ 26 أبريل/ نيسان 1994، بأن الوزارة قد أصدرت 12,861 رخصة لجلب عمالة أجنبية، و3,176 رخصة لخدم منازل خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام 1994، إذ يكون لدينا ما مجموعه 16,037. فإذا أضفنا هذا إلى ما وصل إليه عدد العمالة الأجنبية حتى نهاية العام 1993 لأصبح لدينا ما مجموعه 304,062 عاملا وخدم منازل.

ومع استعراضنا لمجمل الأرقام التي تناولت تنامي العمالة الأجنبية منذ العام 1991 وحتى الربع الأول من العام 1994، سنجد أن الرقم (300 ألف) الذي اعتمده كل من عضو النواب عبدالنبي سلمان وحسن فخرو كمؤشر على حجم العمالة الأجنبية في العام 2003 غير صحيح، وأن صحيحه يعود إلى الربع الأول من العام 1994 كما هو واضح من الأرقام الإحصائية الرسمية التي سبق ذكرها.

إن الرقم (300 ألف)، لا يمكن أن يستقيم كمؤشر مقبول، يمكن الاطمئنان له والارتكان إليه كدليل ثابت على حجم العمالة الأجنبية ما لم يأت كنتيجة حاسمة لعمليات حسابية تتفاعل صعودا وانخفاضا في ظل تسلسل مجموعات من إحصاءات تربط الفترة الزمنية الممتدة من بدايات الربع الثاني من العام 1994 وحتى اللحظة التي برز فيها بصورة مفاجئة على صفحات الصحف بتاريخ 6 أبريل 2003 مفصوم عما سبقه من أرقام وإحصاءات تتناول أعداد العمالة الأجنبية التي دخلت البلاد وهي فترة بلغت عامها التاسع وبدأت العاشر، غابت خلالها تقريبا أية معلومات أو إحصاءات عن عدد التراخيص التي أصدرتها لجلب عمالة أجنبية... فهل الوزارة لم تصدر أية تراخيص منذ نهاية الربع الأول من العام 1994 الذي بلغت فيه العمالة الأجنبية (300 ألف) وحتى اللحظة المعاشة إذ تم تسريب أن حجم العمالة الأجنبية لازال هو (300 ألف) (لم يزد عن أمس حتى إصبعا)... وهل تعتقد وزارة العمل بأن ذاكرتنا بلغت من الخور والعجز والإنهاك بحيث لم نعد نتذكر أن الرقم (300 ألف) قد بلغته العمالة الأجنبية في العام 1994 وليس الآن 2003؟!

وإذا ما سلمنا جدلا، ووافقنا على أن الرقم (300 ألف) صحيح، غير أننا نود أن نسأل وزارة العمل، هل الثلاثمئة ألف عامل أجنبي مضافا إليهم عمال الفري فيزا الذين ربما بلغ عددهم الآن عشرات الألوف إن لم يكن قد تجاوزوا هذا العدد وبلغوا مئة ألف. إذا كان جواب وزارة العمل (نعم)... فإن الوزارة تكون قد أقرت إقرارا رسميا بتجارة الفري فيزا، واعترفت بتجار الفري فيزا، وأنها تعرف مواقعهم العليا والساطية في مختلف مفاصل الدولة، أما إذا كان جوابها (لا)، فعليها أن تعترف اعترافا شجاعا بأن (300 ألف) لا تمثل حجم العمالة الأجنبية، وعليه تكون أكبر بكثير من 45 ألف بنسبة 15 في المئة

إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"

العدد 236 - الثلثاء 29 أبريل 2003م الموافق 26 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً