العدد 238 - الخميس 01 مايو 2003م الموافق 28 صفر 1424هـ

سقوط بغداد الثاني أم تحرير العراق...؟

السياسي الأردني عدنان أبو عودة يثير سؤال المرحلة:

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

اثار المستشار السياسي السابق لعاهل الاردن عدنان أبوعودة سؤال المرحلة بعد احتلال الولايات المتحدة الاميركية للعراق وقال في دراسة حصلت «الوسط» على نسخة منها: من حقنا عربا ومسلمين بل من حق الانسانية جمعاء ان تؤرخ للحقبة الجديدة في تاريخ العالم التي بدأت في ابريل/نيسان 2003 م بمصطلح سقوط بغداد الثاني بدل مصطلح تحرير العراق الذي تجهد أجهزة الاعلام الاميركية لترسيخه في الذهن والوجدان العالميين ليس فقط لان الولايات المتحدة خرجت منتصرة في هذه الحرب، بل ايضا لاعطاء بعد اخلاقي لحرب غير اخلاقية.

فمثلما قابل المؤرخون الغربيون مصطلح فتح القسطنطينية الاسلامي بمصطلح سقوط القسطنطينية للاشارة الى بداية العصور الحديثة يحق لنا ان نؤكد مصطلح سقوط بغداد الثاني باعتباره علامة كارثية فارقة في التاريخ الانساني لمقابلة مصطلح تحرير العراق.

ولئن رأى الغرب في سقوط القسطنطينية اكثر من هزيمة عسكرية فان سقوط بغداد الثاني هو الاخر اكثر من اسقاط نظام دكتاتوري. واضاف ابو عودة: يحدثنا المؤرخون الغربيون عن سقوط القسطنطينية ويقولون ان العلماء والفلاسفة البيزنطيين الذين كانوا يقيمون في القسطنطينية هربوا نحو الغرب يحملون معهم افكارهم ومخطوطاتهم واستقر معظمهم في ايطاليا وروما بشكل خاص ليشكلوا البذرة الاولى لعصر النهضة الاوروبي.

وبمعنى آخر وحسب القول المشهور رب ضارة نافعة، اطلق سقوط القسطنطينية دينامية ايجابية نافعة لاوروبا اولا وللانسانية بالنتيجة وبالمقابل، فان ما رافق حرب ازالة نظام صدام حسين من نهب وسلب أو تدمير لمقتنيات وشواهد تاريخية تروي قصة بداية الحضارة الانسانية وتطورها على مدى خمسة آلاف سنة سبقت عصر النهضة الاوروبي يعتبر من دون شك مأساة انسانية كبرى لا يضاهيها الا حرق الكتب وتدمير شبكات الري في العراق من قبل هولاكو وجنوده العام 1258، ويكفي فقط ان نعرف من بين امور اخرى - منها سرقة اول قيثارة عزف عليها الانسان - ان 80,000 لوحة اجر لم تحل رموزها ولم تترجم بعد قد دمرت او اختفت، وهذا يعني ببساطة ان جزءا من التراث الانساني الذي يعرفنا بتطور الحضارة قد ضاع مرة واحدة والى الابد.

ولفت صاحب كتاب السلام: هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق المرة التي تدمي القلب هي التي حدت برئيس اللجنة الاستشارية للملكية الثقافية للبيت الابيض، واثنين اخرين من اعضائها ان يستقيلوا احتجاجا على اخفاق جنود المارينز في حماية هذه المقتنيات القيمة من اللصوص والغوغاء وربما ايضا من مجموعة سياسية منظمة اطلقت عليها الولايات المتحدة مجموعات لصوص منظمة في محاولة يائسة منها للتخفيف من حدة مسئوليتها عن هذه الكارثة، وذلك على رغم تحذير رئيس اللجنة للبنتاغون قبل شن الحرب على العراق بلفت انتباه العسكريين الاميركان الى اهمية الكنوز التاريخية العراقية وضرورة حمايتها .

ويبدو ان جنود هولاكو كانوا في ذهن غاري فيكان «افْ ىكفَ» أحد اعضاء اللجنة المستقيلين حينما قال اننا بالتأكيد ويقصد الاميركان ندرك قيمة النفط ولكننا بالتأكيد لا نعنى بقيمة المقتنيات التاريخية.

ان غاري فيكان يعي تماما اهمية ما نهب ودمر من كنوز اثرية مودعة في متحف بغداد والمكتبة الوطنية العراقية وصالات عرض الفنون التشكيلية العراقية الفنية بسائر انواع الاعمال الفنية، والاهم من ذلك انه يعي ويعرف ان الهلال الخصيب وفي مقدمته بلاد ما بين النهرين كانت البقعة الاولى التي عمرها الانسان على هذا الكوكب، وعلى رأي تفْْمل ىفٍَُل مؤلف الكتاب المرجعي المدافع والجراثيم والفولاذ ََِّّ، امٍَّْ فَل ُّممٌ.

سبق الهلال الخصيب الصين بألفي عام في تدجينه للحيوان والنبات البريين اي بانتقال الانسان من مرحلة الصياد الى مرحلة المزارع المستقر الذي عمر الارض كمقدمة ضرورية لنشوء الحضارة الانسانية وتطورها .

وخلص ابو عودة الى ان تدمير لوحات الاجر واختفاء او تدمير مقتنيات المتاحف العراقية هو تدمير لسجل الحضارة ومحو للذاكرة الانسانية، ومهما حققت اليونسكو والحكومات من نجاح في استعادة ما نهب فانها لن تسترد ما دمر، ومن هنا تأتي مسئولية الحكومة الاميركية عن هذه الكارثة الانسانية الناجمة عن تقصيرها في اداء وظيفتها كدولة محتلة ومن هنا ايضا يبرز واجب المثقفين العرب تجاه تثبيت مصطلح سقوط بغداد الثاني ونحن نؤرخ لحقبة تاريخية جديدة ليصبح مصطلحا عالميا متفقا عليه تماما كما حصل لمصطلح سقوط القسطنطينية اما الرسمية العربية فواجبها الاشارة المستمرة إلى هذه الكارثة تنديدا بصانعيها ومطالبة بالسعي لاسترداد ما سرق في كل بيان صحافي او بيان مشترك يصدر عن اي لقاء سياسي يتعلق بالمسألة العراقية كما كانت تفعل اثناء التزامها بالقضية الفلسطينية بالاشارة المستمرة إليها في كل تصريح او بيان .

ان الرسمية العربية وخصوصا حكومات دول الهلال الخصيب التي تعتبر شريكة في الثكل العراقي مسئولة عن التذكير بهذه الكارثة وعن التخفيف من اثرها بالعمل وبالتنسيق مع سائر الافراد والمؤسسات الدولية والوطنية المهتمة بالتاريخ وبالاثار والحضارة لتعقب السارق والمسروق على الاقل فضلا عن الادانة المستمرة للفعل والفاعل، وانه لمن دواعي الاسف ان تعقد ست دول عربية ودولتان اسلاميتان اجتماعا على مستوى وزراء الخارجية لبحث تداعيات احتلال العراق بعد يوم واحد فقط من استقالة ثلاثة علماء او خبراء اميركيين من مناصبهم في لجنة الملكية الثقافية التابعة للبيت الابيض احتجاجا على تقصير حكومتهم، ولا ترد في البيان الصادر عن الاجتماع المذكور اية اشارة إلى الحدث الفاجعة، فكيف تتوقع الرسمية العربية ان يأخذها العالم بجدية وهي تتحدث عن قضايا حق تقرير المصير ووحدة الاراضي العراقية وشرعية الحكم... الخ من هذه الشعارات والمبادئ بينما لا تذكر شيئا عن كارثة حلت قبل اسبوع فقط بتاريخها وسجلها الحضاري في البلد ذاته الذي كان موضوع لقائها...؟ اعتقد ان عاصمة الخليفة المأمون الذي قدر العلم والمعرفة وجعل قيمة الكتاب المترجم ما يساوي وزنه ذهبا تستحق ذلك واكثر

العدد 238 - الخميس 01 مايو 2003م الموافق 28 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً