العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ

الخوف من أميركا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في استطلاع للرأي جرى قبل الحرب على العراق عن القوة التي تشكل الخطر الحقيقي على العالم، جاءت الولايات المتحدة في الطليعة إذ وصلت نسبتها إلى 82 و84 في المئة بينما احتل العراق المرتبة الثانية 8 في المئة، وكوريا الشمالية المرتبة الثالثة 6 في المئة.

وفي استطلاع آخر جرى بعد العدوان على العراق أشار إلى وجود نسبة مرتفعة من شعوب العالم تتمنى هزيمة الولايات المتحدة وانكسار جيشها. والمفاجأة كانت أن الشعوب الأوروبية وتحديدا فرنسا وألمانيا وإيطاليا واسبانيا والبرتغال تمنت أيضا هزيمة أميركا... الأمر الذي أثار غضب إدارة البيت الأبيض فحصلت الضغوط على المسئولين في تلك الدول.

وبسبب تلك الضغوط التي مارسها البنتاغون اضطر الكثير من كبار المسئولين في روسيا وفرنسا وألمانيا إلى الاعتذار مواربة لواشنطن. فقال الرئيس الروسي إنه يتمنى هزيمة العراق وانتصار الولايات المتحدة لأسباب «سياسية واقتصادية»، وكرر الأمر نفسه المستشار الألماني ووزير خارجيته الذي وصف حال العداء للولايات المتحدة في الشارع بأنه غير صحي وتمنى هزيمة العراق. وكرر القول نفسه الرئيس الفرنسي ووزير خارجيته الذي أكد في أكثر من تصريح أنه يريد انتهاء الحرب بسرعة وانتصار أميركا بأقل الخسائر.

والسؤال لماذا كان يتمنى العالم، أو معظمه، هزيمة أميركا وانتصار العراق؟

لا شك في أن هذه المواقف لا تعني حبا للعراق بل كراهية للولايات المتحدة. فالعالم يرى أن انفلات آلة الحرب الأميركية وافراطها في استخدام القوة بعد انهيار معسكر الاتحاد السوفياتي بات يشكل ظاهرة خطيرة تهدد السلم العالمي واحترام حقوق الشعوب وحقها في تقرير مصيرها. فالعالم الذي يرى ويقرأ لم يعد غبيا في فهم المواقف ومن هو الطرف المعتدي والطرف المعتدى عليه. كذلك ترى شعوب العالم ان القبول بالجزء (تدمير أفغانستان والعراق) يعني القبول بالكل في المستقبل. وهذا في معناه البعيد أن هناك قوة كلية تريد فرض شروطها على كل مخالف لإرادتها الآن ومستقبلا. ولهذا السبب جاءت الاستطلاعات تشير أولا إلى أن واشنطن هي مصدر الخطر على السلم العالمي، ثم اشارت ثانية إلى «أمنيات» شعوب العالم بأن تهزم أميركا وينتصر العراق.

للأسف انهزمت «أمنيات» شعوب العالم ودوله وحصل ما كان متوقعا، هزيمة العراق وفوز أميركا في معركة سهلة لم تكبدها سوى 150 قتيلا، وهو أقل بكثير من الرقم الذي وضعه «البنتاغون» ويعادل نسبة واحد في المئة من القوات أي ثلاثة آلاف قتيل.

الفوز السريع زاد من مخاوف العالم، لانه من جهة شجع حفنة الاشرار والمجانين على توسيع دائرة مغامراتهم العسكرية، ورفع من معنويات شركات التصنيع الحربي وعسكرة المجتمع الأميركي. فالرئيس جورج بوش طرح في ضوء نتائج الحرب على العراق خطة رفع موازنة الانفاق العسكري (الدفاعي) الى أرقام خيالية، ونائبه ديك تشيني قال في خطاب له ان فوز أميركا بسهولة على العراق دليل على انتصار «التكنولوجيا العسكرية». الفوز الأميركي لم يخيب فقط آمال شعوب العالم وأمنيات دوله بل إنه ضاعف من مخاطر أميركا على الشعوب وزاد من مخاوف الدول (حتى أوروبا وروسيا) من نمو نزعة العسكرة واتجاه ادارة البيت الأبيض إلى المزيد من التطرف وتشجيع تيار «الحروب الدائمة» الذي يتبنى النظـرية الأمنية التي ترفع شعار «الضربة الاستباقية الوقائية».

التيار المذكور الذي فرض سيطرته على ارادة القرار الأميركي ودفع الدولة من سياسة البراغماتية وأخرجها إلى دائرة التطرف الايديولوجي تحسن موقعه وزاد تأثيره على البيت الابيض بعد الحرب على العراق في مرحلة يستعد فيها الرئيس لخوض معركة رئاسية ثانية في السنة المقبلة.

وبسبب ازدياد قوة نفوذ التيار الايديولوجي على القرار الأميركي يرجح ان يلجأ الرئيس بوش الى المزيد من التطرف مستفيدا من اجواء «الانتصار» والفراغ الدولي والضعف العام الذي يسود منطقة «الشرق الأوسط». ولا شك في ان «الشرق الاوسط» سيكون منطقة الاختبار لموازين القوى الدولية في اطار سعي واشنطن إلى استثمار فوزها العسكري على العراق بتحصيل الكثير من النقاط السياسية لمصلحة مشروعها العام في دائرتي المشرق العربي والخليج. و«خريطة الطريق» التي صاغتها الولايات المتحدة مع اطراف ثلاثة لتصبح مشروع سلام مشترك ستتحول مع الايام وبالتعاون مع شارون (اسرائيل) إلى خريطة أميركية تعدل نقاطها لمصلحة الاعتراضات والملاحظات التي قدمها الليكود.

فالرئيس بوش في وضع قوي ضد العالم وفي الآن لايزال في موقع الضعيف في مواجهة «اسرائيل»، وخصوصا انه يستعد لخوض معركة الرئاسة ولا يستطيع ان يمارس ضغوطه بشكل كاف على شارون ليتراجع الأخير عن ملاحظاته على الخريطة.

صحيح أن الانحياز الأميركي لدولة «اسرائيل» ليس جديدا فهو جزء من استراتيجية عامة توارثها رؤساء الولايات المتحدة إلا أن بوش هو الرئيس الاكثر تطرفا في دعمه لشارون وانحيازه لدولة هناك ما يشبه الاجماع على مخالفتها الدائمة للقرارات الدولية.

انحياز بوش ليس جديدا لكنه الرئيس الاكثر تطرفا في قيادة استراتيجية اميركية معادية للشعب الفلسطيني والدول العربية. فالادارات الأميركية مثلا استخدمت منذ تأسيس الأمم المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية حق النقض 35 مرة لمصلحة «اسرائيل» من اصل 74 مرة استخدمت أميركا هذا الحق منذ العام 1946.

أي إن واشنطن عطلت 35 قرارا دوليا اجمعت دول مجلس الأمن عليها وكان لها الاثر الكبير في مأساة الشعب الفلسطيني وتدمير كيانه ووجوده وتشتيته ومنع عودته الى أرضه.

إلا أن بوش استخدم الفيتو (حق النقض) في قرارات بسيطة تتعلق بالجوانب المدنية والحماية الدولية وغيرها من مسائل لها صلة بالحد الأدنى من الحقوق الانسانية. فالعامل الاسرائيلي لم يعد تهمة توجه إلى الرئيس الاميركي، كذلك لا تخجل الادارات من أن نفوذ تل ابيب اقوى من حجم الدولة الاسرائيلية. فهذا العامل لم يعد تهمة بل بدأ يتحول الى أمر واقع تقبله واشنطن لتفسير فرضيات الحماس الأميركي لضرب العراق وتحطيمه والافراط في تأييد «اسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني.

العالم يخاف من أميركا ويتمنى هزيمتها إلا أن العالم العربي الاكثر خوفا، وهذا ما يعزز فرص «اسرائيل» في فرض شروطها على مشروع التسوية في «الشرق الاوسط»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً