العدد 248 - الأحد 11 مايو 2003م الموافق 09 ربيع الاول 1424هـ

أسباب تخلف الجامعات وعوائق تقدمها

تقاس الامم بتقدم شعوبها، وأول مؤسسة علمية يجب ان تكون مسئولة عن تقدم المجتمع هي الجامعة فهي القائد والمنبر الذي يمكن ان تنطلق منه كل انواع الافكار الصالح منها والطالح، فإذا كان هذا القائد يمتلك مهارات قيادية ناجحة استطاع ان يقود هذا المجتمع إلى التقدم العلمي والتكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي وغيره، واذا كان قائدا فاشلا اصبح المجتمع فاشلا بعيدا كل البعد عن التقدم الفعلي، ويمكن ان يطلق عليه مجتمعا متخلفا. وخلاصة القول هو اننا نستطيع ان نرى تقدم المجتمع او تخلفه من خلال الجامعة فهي اكبر مركز يعكس الحركة الفكرية الموجودة في المجتمع.

ويمكن القول بصورة عامة (د. سعيد التل وآخرون 1997م)، انه اذا ما حلل التخلف إلى عناصره الاساسية تحليلا علميا دقيقا، وقيم تقييما موضوعيا لمعرفة اثر ووزن كل عنصر من هذه العناصر لوجد ومن دون ادنى شك او صعوبة، ان الانسان بمعرفته ومفاهيمه وقيمه ومثله وعاداته وتقاليده وأسلوب تفكيره وسلوكه، اي بكل ما يمثل ويتمثل، هو بصورة رئيسية اساس التخلف وهو سبب وجوده وعلة استمراره. فإذا كانت هذه الامور متخلفة كان الانسان لا محالة متخلفا وكان المجتمع الذي ينتمي اليه متخلفا بالضرورة.

وكثيرا ما تتهم الامة العربية بكل مقوماتها بالتخلف، وبصفتي انتمي إلى هذه الامة واحدى المنتسبات إلى جامعاتها، حاولت ان اضع اصابعي على الجروح التي بسببها تتألم جامعاتنا؛ املا في الوصول إلى معرفة اسباب التخلف التي إنْ تم اكتشافها فقد نقترب من النجاح والتقدم، فيا ترى ما هي تلك الاسباب التي ربما تقف عائقا بيننا وبين التقدم؟

لنكشف الغطاء ونقول: قد يكون احد اسباب تخلف جامعاتنا هو عدم جدية البعض من الطاقم الاكاديمي والاداري في العمل وتحمل مسئولياته في الوقت الذي ينبغي فيه ان يكونوا هم محل ثقة طلبة الجامعة وصمام الامان في حياتهم، الامر الذي يتمخض عنه وجود طلبة لا يرون في العلم والدراسة اية متعة او واجب بل يسحبون اقدامهم إلى الفصل الدراسي بتثاقل.

ومن اسباب تخلف الجامعة كذلك: عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب، فهذا العامل ان وجد في اية مؤسسة يشكل خطرا جسيما، فما بالك اذا اخذ هذا العامل حيزا في المؤسسة التعليمية الام «الجامعة»، كيف يمكنك ان تعطي وأنت لا تملك شيئا؟

ضيق الافق الانساني عند البعض ووجود التعصب العرقي والقبلي والمذهبي كلها مظاهر لهذا التخلف، وهي اساس البلاء الذي يظهر بأشكال مختلفة باطنها اسوأ من ظاهرها. فكثير ما يتم التوظيف في جامعاتنا، وحتى توظيف الهيئات الاكاديمية منها والتي تتخرج على ايديها اجيال واجيال، يتم وللاسف، لا على اساس علمي موضوعي، بل على اساس عرقي ومذهبي، وعلى اساس علاقات اجتماعية.

ثم ان الاتكالية في القيام ببعض الاعمال وعدم متابعة مستجدات الامور بشكل عام، وتغلغل البيروقراطية التي تعرقل سير الاعمال كلها مظاهر تؤخر ولا تقدم بل تجمد العقول لا توظفها.

وماذا عن التصدعات الداخلية التي تعاني منها كليات بعض الجامعات؟ فالاختلافات والنقد الهدام يفوقان التوافق والنقد البناء، وغياب اجواء المحبة والالفة واجواء المواقف الهادفة وغياب روح التعاون العملي والصفاء القلبي في بعض الاحايين كلها تعرقل مسيرة الجامعة وتعطل نمو المجتمع وتقدمه، فضلا عن افتقار جامعاتنا إلى الاستاذة المناضلين الشجعان المدافعين عن المصلحة العامة لا عن المصالح الفردية. فالجامعات - لكي تسير في طريق صحيح - تحتاج إلى عناصر لا تنصاع لأوامر عليا غير رصينة بل تحتاج إلى من يتصدى للخطأ ولأصحابه قائلا لهم: «لا انا فاعل ما تفعلون» فأصحاب القرارات هم بشر يصيبون ويخطئون.

والطامة الكبرى هي قتل جامعاتنا للابداع والآمال الطموحة لأساتذتها وطلابها تخوفا من التغيير ومن ينادي به. فتوقيف النشاطات الثقافية الطلابية وكبت الطلبة ومنعهم من ممارسة حقوقهم الجامعية كحق التعبير عن الرأي ما هو إلا وأد لابداعاتهم. نحن نكبت الطالب الذي هو في مرحلة العطاء ونفرض آراءنا عليه ثم نوجه اليه اللوم معتبرين اياه انسانا سلبيا لا يستخدم مخيلته وغير واثق من نفسه.

ناهيك عن انفاق الاموال في غير محلها، فالشكليات والرسميات المبالغ فيها التي تعيشها جامعاتنا والتي تصرف عليها الاموال الطائلة من اجل تجميل وجه الجامعات هي خسارة لا مكسب، وكذلك الحال بالنسبة إلى العمل، فالكثيرون منا يعملون من اجل الصيت والشهرة لا من اجل العمل والعطاء.

ان غياب الوعي الحقيقي بأهمية الجامعة يجعلنا نتناسى بأن امتنا تمر بمرحلة عصيبة ويجب اسعافها قبل ان تتفاقم امراضها ويجب انقاذها قبل ان تزداد غرقا إلى عمق خطير يؤدي بحياتها إلى اللحد. والذي يؤكد غياب هذا الوعي هو سلوكياتنا نحن الجامعيين التي تتمثل احيانا في عدم اعارة اهتمامنا للعدالة والمساواة والتسامح، الامر الذي يؤدي بنا إلى التفكك وعدم الاتحاد.

ولعل عدم التنظيم الجيد الذي تعاني منه الجامعات وداء حب التسلط والرئاسة التي يوهم الكثير نفسه بها، هي من اولويات تأخر جامعاتنا. فغياب التنظيم الجيد وغياب الاشراف على ما يجري يسهمان في تشتت الجهود، فتجد الموظف المخلص الحريص على اتقان عمله وتجد الموظف المهمل الذي لا يؤدي عمله. اضف إلى ذلك ان خدمات بعض الجامعات بطيئة، الامر الذي يؤدي إلى تعطيل العمل، فعلى سبيل المثال اذا حصل خلل في جهاز الكمبيوتر ربما يتم اصلاح ذلك الخلل الذي لا يأخذ دقائق من الزمن بعد أشهر. وهذا بدوره يؤدي إلى تأجيل العمل الذي قد يخدم اعدادا هائلة من الطلبة المراجعين.

ومن الامور الجديرة بالذكر في هذا المجال، المناهج الدراسية في الجامعات. فكثير من المقررات الدراسية تعتمد على حفظ الملازم والكتب وهذه الطريقة لا تخرج طالبا مفكرا متفاعلا مع قضايا مجتمعه ولا تتناسب مع احتياجات سوق العمل. وما الجامعات إلا مسرح لواقع مجتمعاتها، فهشاشة الجامعة تعكس هشاشة المجتمع المدني. ينبغي ان يستبدل نظام الحفظ بنظام يجعل الطلبة يفكرون ويوظفون عقولهم ويتعودون القراءة والبحث والتحليل وربط ما يدرسونه بواقع الحياة. اي لابد من وجود عملية التجديد في المناهج واستمراريتها لتواكب التطور الثقافي في العالم.

ويقول الباحث محمد مالك (1994م) في مقارنته بين الجامعات والحوزات الدينية: «... فالملاحظ في المنهج الدراسي للجامعات التأثير الكبير للثقافة الغربية فيه، فعلى الصعيد الكمي لم تكن تزيد على (الملازم المترجمة) غالبا وعلى استظهار مجموعة من المعلومات والصيغ والمعادلات. أما على الصعيد الكيفي او على صعيد محتوى تلك المناهج فالامر في غاية التعقيد ومشكلة كيفية المناهج استطيع ان اقسمها إلى مشكلة في (العلوم الانسانية) وأخرى في العلوم البحتة».

وهناك موضوع آخر يجب ألا نغفل عنه هو لغة التدريس في بعض الجامعات، ففي بعض الجامعات العربية مثلا تدرس بعض المواد بلغات اجنبية كالانجليزية والفرنسية ما يتعذر على بعض الطلبة الذين يجدون صعوبة في استيعاب هذه اللغات استخدامها في التعبير تحدثا وكتابة، الامر الذي يجعلهم لا يجدون متعة في الدراسة. أما بالنسبة إلى بعض الاساتذة فغالبا ما يتردد على ألسنة الطلبة ان هؤلاء الاساتذة وإن كانوا يتميزون بالطلاقة فإن نطقهم غير واضح ما يضاعف معاناة الطلبة في فهم الدروس. أما بالنسبة إلى قواعد التدريس وأساليب التعليم فيذكر. سعيد التل وآخرون (1997): ان قواعد التدريس التي تتبعها فئة غير قليلة من اساتذة الجامعات العربية ليست قواعد قديمة تقليدية فحسب، بل مهترئة ولا تتلاءم مع المعطيات الجديدة في مبادئ التعليم ونظريات التعلم المعاصر، كما لا تستفيد من معطيات تكنولوجيا التعليم. ان هذه الامور وغيرها لا تمكّن الجامعة من ان تحقق اهداف التعليم التي تتناسب وواقع العصر الذي نعيش فيه.

أما اساليب التعليم - وفقا للدكتور التل وآخرون - فيغلب عليها اسلوب الاملاء والتلقين. والمرجع الذي تستخدمه هذه الفئة من اساتذة الجامعة في الاملاء، وفي اغلب الاحيان مادة حضرت او خزنت في الذاكرة منذ زمن طويل، ناهيك عما عفى عليه الزمن منها.

استاذة الترجمة وعلم اللسانيات في جامعة البحرين

العدد 248 - الأحد 11 مايو 2003م الموافق 09 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً