العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ

المهاتما غاندي... داعية اللاعنف

الوسط- محرر الشئون التاريخية 

15 مايو 2003

وهب الزعيم الهندي المهاتما غاندي حياته لنشر سياسة المقاومة السلمية أو اللاعنف واستمر على مدى أكثر من خمسين عاما يبشر بها، وفي سنوات حياته الأخيرة زاد اهتمامه بالدفاع عن حقوق الأقلية المسلمة وتألم لانفصال باكستان وحزن لأعمال العنف التي شهدتها كشمير ودعا الهندوس إلى احترام حقوق المسلمين ما أثار حفيظة بعض متعصبيهم فأطلق أحدهم رصاصات قاتلة عليه أودت بحياته.

الميلاد والنشأة

ولد موهندس كرمشاند غاندي الملقب بـ «المهاتما» (أي صاحب النفس العظيمة أو القديس) في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1869 في بور بندر بمقاطعة غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، إذ شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بور بندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة. وقضى طفولة عادية ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد.

دراسته

سافر غاندي إلى بريطانيا العام 1888 لدراسة القانون، وفي العام 1891 عاد منها إلى الهند بعد أن حصل على إجازة جامعية تخوله ممارسة مهنة المحاماة.

الانتماء الفكري

أسس غاندي ما عرف في عالم السياسية بـ «المقاومة السلمية» أو فلسفة اللاعنف (الساتياراها)، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولا ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر

حياته في جنوب إفريقيا

بحث غاندي عن فرصة عمل مناسبة في الهند يمارس عن طريقها تخصصه ويحافظ في الوقت نفسه على المبادئ المحافظة التي تربى عليها، لكنه لم يوفق فقرر قبول عرض للعمل جاءه من مكتب للمحاماة في «ناتال» بجنوب افريقيا، وسافر فعلا إلى هناك العام 1893 وكان في نيته البقاء مدة عام واحد فقط لكن أوضاع الجالية الهندية هناك جعلته يعدل عن ذلك واستمرت مدة بقائه في تلك الدولة الافريقية 22 عاما.

إنجازاته هناك

كانت جنوب افريقيا مستعمرة بريطانية كالهند وبها الكثير من العمال الهنود الذين قرر غاندي الدفاع عن حقوقهم أمام الشركات البريطانية الذين كانوا يعملون فيها. وتعتبر الفترة التي قضاها بجنوب افريقيا (من 1893 إلى 1915) من أهم مراحل تطوره الفكري والسياسي إذ أتاحت له فرصة لتعميق معارفه وثقافاته والاطلاع على ديانات وعقائد مختلفة، واختبر أسلوبا في العمل السياسي أثبت فعاليته ضد الاستعمار البريطاني. وأثَّرت فيه مشاهد التمييز العنصري التي كان يتبعها البيض ضد الأفارقة أصحاب البلاد الأصليين أو ضد الفئات الملونة الأخرى المقيمة هناك. وكان من ثمرات جهوده آنذاك:

إعادة الثقة إلى أبناء الجالية الهندية المهاجرة وتخليصهم من عقد الخوف والنقص ورفع مستواهم الأخلاقي.

إنشاء صحيفة «الرأي الهندي» التي دعا عبرها إلى فلسفة اللاعنف.

تأسيس حزب «المؤتمر الهندي لنتال» ليدافع عبره عن حقوق العمال الهنود.

محاربة قانون كان يحرم الهنود من حق التصويت.

تغيير ما كان يعرف بـ «المرسوم الآسيوي» الذي يفرض على الهنود تسجيل أنفسهم في سجلات خاصة.

ثني الحكومة البريطانية عن عزمها تحديد الهجرة الهندية إلى جنوب افريقيا.

مكافحة قانون إلغاء عقود الزواج غير المسيحية.

العودة إلى الهند

عاد غاندي من جنوب افريقيا إلى الهند العام 1915، وفي غضون سنوات قليلة من العمل الوطني أصبح الزعيم الأكثر شعبية. وركز عمله العام على النضال ضد الظلم الاجتماعي من جهة وضد الاستعمار من جهة أخرى، واهتم بشكل خاص بمشكلات العمال والفلاحين والمنبوذين واعتبر الفئة الأخيرة التي سماها «أبناء الله» سبة في جبين الهند ولا تليق بأمة تسعى إلى تحقيق الحرية والاستقلال والخلاص من الظلم.

صيام حتى الموت

قرر غاندي في العام 1932 البدء بصيام حتى الموت احتجاجا على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود، ما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى «اتفاقية بونا» التي قضت بزيادة عدد النواب «المنبوذين» وإلغاء نظام التمييز الانتخابي.

مواقفه من الاحتلال البريطاني

تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية، وتسبب له تنقله بين المواقف القومية المتصلبة والتسويات المرحلية المهادنة حرجا مع خصومه ومؤيديه وصل أحيانا إلى حد التخوين والطعن في صدقية نضاله الوطني من قبل المعارضين لأسلوبه، فعلى سبيل المثال تعاون غاندي مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد دول المحور، وشارك العام 1918 ـ بناء على طلب من الحاكم البريطاني في الهند ـ في مؤتمر دلهي الحربي، ثم انتقل إلى المعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين العامين 1918 و1922 وطالب خلال تلك الفترة بالاستقلال التام للهند. وفي العام 1922 قاد حركة عصيان مدني صعَّدت من الغضب الشعبي الذي وصل في بعض الأحيان إلى صدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية، ما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة، وعلى رغم ذلك حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن ست سنوات ثم عادت وأفرجت عنه في العام 1924.

مسيرة الملح

تحدى غاندي القوانين البريطانية التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية ما أوقع هذه السلطات في مأزق، وقاد مسيرة شعبية توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك، وفي العام 1931 أنهى هذا العصيان بعد توصل الطرفين إلى حل وسط ووقعت «معاهدة دلهي».

وفاته

لم ترق دعوات غاندي للغالبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وفعلا في 30 يناير/كانون الثاني 1948 أطلق أحد الهندوس المتعصبين ثلاث رصاصات قاتلة سقط على اثرها المهاتما غاندي صريعا عن عمر يناهز 79 عاما

العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً