العدد 2531 - الإثنين 10 أغسطس 2009م الموافق 18 شعبان 1430هـ

مؤتمر فتح السادس في الميزان

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ينهى مؤتمر «فتح» السادس أعماله اليوم. وقبل تناول ذلك المؤتمر وتقويمه، لابد من الاعتراف بأنه، مهما قيل عن فتح، تبقى هي ذاكرة الشعب الفلسطيني المعاصرة، وبوتقته الكفاحية التي انصهرت فيها تلك النضالات، بغض النظر عن تقديرنا لأدوار القوى والمنظمات الأخرى التي برزت على الساحة منذ نكبة 1948، وإلى يومنا الحاضر. من يطالع نتائج ذلك المؤتمر، وعلى وجه الخصوص قراراته السياسية تنتابه موجة فرح سريعة لا تلبث أن تخبو بمجرد الاستماع إلى ما رشح من أخبار عما دار في كواليس الجلسات من ملاسنات وما شهدته دهاليز المؤتمر من ترتيبات. وقبل الخروج بأي استنتاج لابد من التأكيد على أن عقد المؤتمر، أخذا بعين الاعتبار الظروف التي تمر بها فتح تحديدا، والقضية الفلسطينية على وجه العموم، يعتبر بحد ذاته مكسبا لحركة فتح التي يلتئم مؤتمرها بعد مرور عشرين سنة على آخر مؤتمر لها.

الوثائق التي خرج بها المؤتمر واضحة عند الوهلة الأولى، فهي تقول صراحة «برفض الاعتراف بيهودية إسرائيل ورفض توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، (وتشدد) على حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال بكل الأشكال وفق القانون الدولي بما فيها الكفاح المسلح، كما ترفض الدولة ذات الحدود المؤقتة وترفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية حماية لحقوق اللاجئين ولحقوق أهلنا عبر الخط الأخضر، (وبأن) النضال من حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والاستيطان والطرد والترحيل والتمييز العنصري وهو حق تكفله الشرائع والقوانين الدولية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف وحق لاجئيه في العودة والتعويض». لكن كل هذه العبارات تفقد قيمتها الحقيقية عندما ندرك أن المؤتمر لم ينجح في تحقيق أي من المهام التالية:

1. رأب الصدع الوطني الفلسطيني، فقد افتتح المؤتمر على أرضية الخلاف بين فتح وحماس، بعد أن احتجزت هذه الأخيرة أعضاء فتح ممن كانوا في غزة، ومنعتهم من مغادرتها للمشاركة في المؤتمر، وسحب الخلاف بين التنطيمين نفسه على جلسات المؤتمر. فبعد أن اتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس حركة حماس «بالإعداد للانقلاب بعد اتفاق مكة بوضع متفجرات على طريق عودته وفي بيته» وجدناه يندد بمنع حركة حماس أعضاء فتح من السفر، ويتهمها «باستدعاء واعتقال كوادر الحركة في غزة»، إلى أن سمعناه وهو يقولها علنا «إن مؤتمر فتح سينجح رغما عن ممارسات حركة حماس ضد كوادر الحركة في غزة، (مضيفا)، بأن الوطن سيبقى موحدا رغم أنف الجميع، وأنه لن يسمح للظلاميين بأن يواصلوا نهجهم التخريبي الذي يستهدف أساسا ضرب المشروع الوطني الفلسطيني». وأنهى عباس المؤتمر بخطابات حمل فيها على حماس أيضا. ولم تكن حماس قادرة هي الأخرى على ضبط النفس، ولعق الجراح، فهي الأخرى أصدرت بيانا أثناء انعقاد المؤتمر طالبت فيه حركة فتح «بنبذ نهج عباس والعودة إلى حضن البرنامج والمشروع الوطني الفلسطيني لأن التساوق مع عباس خروج عن الأهداف الوطنية وانحراف عن الثوابت، متهمة عباس بأنه «قلب الأولويات بل شوهها عندما حرص على مدّ الجسور مع العدو الصهيوني عبر التفاوض وخريطة الطريق، بينما سعى جاهدا إلى إيجاد عدو مشترك جديد لحركة فتح وهي حركة حماس والمقاومة الفلسطينية».

2. وضع حد للخلافات داخل فتح ذاتها، فوجدنا الخلاف الذي انطلق بين فاروق القدومي ومحمود عباس يسحب نفسه على جلسات المؤتمر حيث وجدنا هذا الأخير لا يتردد في أن يقول: «أقول للقدومي، نحن بشر، كلنا بشر، وكلنا نخطئ ونصيب، وكلنا خطاؤون، وخير الخطائين التوابون». أما القدومي فقد شنَّ بدوره هجوما على أجنحة فتح الموالية لأبومازن واصفا المؤتمر بأنه «غير شرعي لاحتوائه على مخالفات قانونية وتنظيمية». على هامش ذلك الخلاف، اندلع خلاف آخر بين مسئول الأمن السابق محمد دحلان وأبومازن حول تحديد المسئول عن فقدان فتح نفوذها في غزة. حيث ألقى دحلان التهمة على عباس الذي قال عنه إنه «سلم غزة على طبق من ذهب لحماس وجاء بها في انتخابات كان مؤكدا فيها سقوط فتح». ثم كان هناك الخلاف الذي اعتبره البعض ثانويا، لكنه يعكس خلافات أجنحة داخل فتح، والذي اندلع بين محمد دحلان ومفوض التعبئة والتنظيم في الحركة أحمد قريع بشأن ما جرى في غزة أيضا.

3. إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي شكلت، منذ تأسيسها الإطار التنظيمي الواسع الذي استظلت بظله، كل قوى الثورة الفلسطينية، على مختلف مشاربها، وتباين ايديولوجياتها، ونجحت عند المنعطفات الحادة من حياة تلك الثورة أن تكون صمام الأمان الذي حال دون تشظي الثورة الفلسطينية، وهو ما كانت تحلم به المؤسسة الصهيونية. لقد طغت القضايا الفتحاوية الصغيرة التي ضخمتها تلك الخلافات الثانوية على النقاشات، فحرفت جلساته عن القضايا المصيرية، وفي مقدمتها تعزيز مواقع منظمة التحرير الفلسطينية، التي، لا تزال، ورغم تطور مؤسسات العمل الوطني الفلسطيني، الأكثر شرعية والأكثر ديمقراطية عند الحديث عن تمثيل الشعب الفلسطيني على نحو ديمقراطي عادل وشفاف.

إذا أردنا أن نضع مؤتمر فتح السادس في الميزان، فيمكننا القول إنه باستثناء نجاح فتح في عقد هذا المؤتمر وسط ظروف استثنائية معقدة وغير مناسبة، تصعب الإشارة إلى إنجاز استراتيجي ملموس يمكن للفتحاوية أن يسجلوه. ولعلّ كل من شاهد واستمع لندوة الجزيرة التي بثتها عشية الأحد الموافق 9 أغسطس/ آب 2009، وشارك فيها بلال الحسن من فلسطين، وسمير غطاس من مصر، كان قادرا على تلمس عناصر الفشل التي واكبت جلسات المؤتمر، والقرارات التي خرج بها، والتي يأمل المواطن العربي، وقبله المواطن الفلسطيني أن تتمكن قيادة فتح المنتخبة الجديدة من درء سلبياتها قبل استفحالها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2531 - الإثنين 10 أغسطس 2009م الموافق 18 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً