العدد 1582 - الخميس 04 يناير 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1427هـ

تركيا نمر اقتصادي صامت 1/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الظواهر التي لفتت انتباه المتابعين لردود الفعل على إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ذلك التجاهل غير المتوقع من تركيا. تساوى في ذلك الصمت المؤسسات الحاكمة والمعارضة على حد سواء.

واعتبر بعض الملاحظين هذا الموقف التركي شاهدا على انصراف الدولة التركية، على مستوى توجهاتها نحو الشرق الأوسط، في هذه المرحلة على قضيتين أساسيتين: الأولى تحاشي اتخاذ موقف حاد من القضايا الخلافية في هذه المنطقة مثل تلك التي يثيرها مقتل إعدام صدام حسين، واللجوء إلى الصمت أو التجاهل، الثانية التركيز على القضايا الاقتصادية في تلك العلاقة كيلا يفوتها قطار المشروعات الكبيرة ولا تحظى سوى بالفتات، وهو أمر عانته تركيا في طفرة النفط الأولى في السبعينات.

هذه السياسة التركية المدروسة تجد انعكاساتها على الصعيد الداخلي في السياسات والإجراءات الاقتصادية التي تحاول تركيا من خلالها تهيأة نفسها لهذه المرحلة المقبلة التي يتوقع لها أن تستمر طيلة السنوات العشر القادمة. ولعل هذا يفسر الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي خططت لها وحققتها تركيا في السنوات الأخيرة والتي كانت مفاجأة كبيرة لم يتوقعها أحد، وخصوصا بعد أن اعتبر المحللون الاقتصاديون ضعف الاقتصاد التركي العائق الأكبر أمام انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.

لقد كانت البداية في نهاية العام 2004 عندما وقعت تركيا على مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة عشرة مليارات دولار ليمتد بذلك دعم الصندوق للاقتصاد التركي لثلاث سنوات أخرى.

يذكر أن تركيا حينها كانت مرتبطة باتفاق مع صندوق النقد الدولي ينتهي في فبراير/ شباط من العام 2005، تحصل بموجبه على قروض تقدر بنحو 18.6 مليار دولار. ويعني ذلك الاتفاق الجديد أن دعم الصندوق الدولي لتركيا سيستمر في الفترة ما بين عامي 2005 و2007.

وتعين على تركيا حينها أن تسعى للسيطرة على معدلات التضخم وتبني مجموعة من الاصلاحات الاقتصادية مقابل الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي.

وبموجب ذلك الاتفاق الجديد نجحت تركيا في تأجيل سداد قروض سابقة تقدر قيمتها بحوالي 3.7 مليارات دولار حتى العام 2006.

وعلى رغم تحسن النمو الاقتصادي إلا أن تركيا كانت حينها مثقلة بالديون، كما أن عجز الموازنة ارتفع إلى 10.7 مليارات دولار في العام 2004.

حينها، كان التركي قد بدأت في التعافي من أزمة طاحنة عصفت بالاقتصاد التركي في العام 2001. وتراوح معدل النمو الاقتصادي التركي في السنوات الثلاث الماضية ما بين 6 و7 في المئة، وهي معدلات فاقت توقعات صندوق النقد الدول لاقتصادي. كما تراجع التضخم لأقل من 10 في المئة في العام الجاري لأول مرة منذ 30 عاما.

وبفضل كل ذلك حقق الاقتصاد التركي في السنوات الأربع الأخيرة سلسلة من الإنجازات الملفتة للنظر التي لم تكن في حسبان المحللين الاقتصاديين، إذ نجح في الخروج من عنق الزجاجة بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت به مطلع الألفية الثانية. وفي هذا الإطار تأتي عملية إعادة هيكلة بنيته التحتية ورفع قدراته التنافسية على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى نجاح الحكومة التركية في إصلاح الموازنة العامة والحفاظ على استقرارها من أجل إعادة كسب ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في قوة وعافية الاقتصاد التركي.

ويعود الفضل في القوة والتنمية المستدامة التي يشهدهما الاقتصاد التركي منذ العام 2002 إلى استراتيجية الحكومة التركية في تنمية الصادر. لقد ظلت الشركات المصنعة تعمل بطاقة تشغيل 83 في المئة لمقابلة متطلبات الأسواق الخارجية.

أدى ذلك إلى طفرة مثيرة للاهتمام حققها الاقتصاد التركي في السنوات الأربعة الأخيرة، شكلت مفاجأة كبيرة للمراقبين الاقتصاديين، وذلك بعد أن ساد إجماع عام في قطاع الاقتصاد العالمي على أن ضعف البنية التحتية للاقتصاد التركي وضعف قدراته التنافسية، مقارنة بدول النمور الآسيوية على سبيل المثالي. أما الآن، وبعد أقل من أربع سنوات على بدء إجراءات الإصلاح الجذري التي اتخذتها الحكومة التركية للخروج من الأزمة الاقتصادية، بدأ الاقتصاد التركي بقطف ثمار هذه الإصلاحات الجذرية إذ حقق في العام الماضي نموا في أجمالي الناتج القومي وصل إلى نسبة 9.9 في المئة.

وفيما يتعلق بصادرات تركيا يؤكد كورساد توزمين، وزير الدولة التركي في اجتماع لجمعيات المصدر ينعقد في نهاية العام 2004 إن الصادرات التركية ارتفعت بنسبة 19.9 في المئة خلال الشهر من ذلك العام لتصل إلى 6.496 مليارات دولار. وأضاف الوزير «للمرة الأولى ستقترب الأرقام الشهرية للصادرات من سبعة مليارات دولار. وسيكون هذا رقما قياسيا في تاريخ الجمهورية التركية الحديثة رغم كل الصعوبات». وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2004 الجاري بلغت الصادرات 53.06 مليار دولار. كما قال الوزير المسئول عن التجارة الخارجية أنها ارتفعت خلال الاثني عشر شهرا الأخيرة إلى أكثر من 72 مليار دولار. وأضاف أن العجز التجاري المتوقع هذا العام بحدود 40 مليار دولار يمثل ما بين 20 و22 في المئة من إجمالي حجم التجارة الخارجية».

وتتركز مراكز الصناعة والتجارة التركية حول منطقة مدينة اسطنبول وفي باقي المدن الكبرى و خاصة في الغرب. هناك فرق كبير في مستوى المعيشة والحالة الاقتصادية بين الغرب الصناعي والشرق الزراعي. يعتبر القطاع الزراعي أكبر قطاع من حيث تشغيل العمالة، إذ تبلغ النسبة حوالي 40 في المئة من مجمل قوى العمل في البلاد، ولكنه ينتج ما نسبته حوالي 12 في المئة فقط من الناتج القومي. القطاع الصناعي ينتج حوالي 29.5 في المئة، قطاع الخدمات حوالي 58.5 في المئة من الناتج القومي لتركيا. يعمل في قطاع الصناعة 20.5 في المئة، في قطاع الخدمات 33.7 في المئة من مجمل عدد الأيدي العاملة. تم إنشاء اتحاد جمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي منذ العام 1996، إذ تبلغ نسبة صادرات تركيا إلى الاتحاد الأوروبي نحو 51.6 في المئة من مجمل صادراتها.

وفي الفترة ما بين 1945 إلى بداية الثمانينات، اتبعت الحكومة سياسة اقتصادية تركز على الاقتصاد الداخلي. حاولت من خلالها حماية الشركات المحلية عن طريق فرض قيود على الشركات والواردات الأجنبية. تعرقلت حركة الصادرات في هذه الفترة بفعل البيروقراطية والفساد المنتشر، كما نقصت الإيرادات المالية الحكومية اللازمة لتحسين الصناعة وتحديثها واستيراد البضائع والمواد الخام اللازمة لها. الجزء الأكبر من القطاع العام التركي كان غير منظم بشكل فعال. أيضا، تم استغلالهم من الساسة لأغراض سياسية واجتماعية. على سبيل المثال تم فرض رسوم بيع موحدة على منتجات بعض شركات القطاع العام، وتم استعمال بعضهم كملجأ لتوظيفهم العاطلين عن العمل في وقت لم تكن تلك الشركات في حاجة إلى عمالة جديدة. في أغلب الأحيان اضطرت الحكومة عادة لصرف أكثر مما هو مخطط له في الخطط الخمسية، وكانت النتيجة دائما لصالح المصروفات وليس العائدات. استمر عجز الميزانية في التصاعد وزادت نسبة التضخم ومعهم الدين الخارجي للدولة، مما أدى إلى انخفاض قيمة العملة التركية، إذ أصبح في بعض السنوات من المعتاد الحصول على نسب تضخم ذو خانتين مئوية. ساعد الوضع السياسي الداخلي الغير مستقر والمشكلات العسكرية في قبرص والمناطق الكردية لزيادة مصاريف الدولة وتعجيز الاقتصاد. في الستينات، زادت نسبة الأتراك العاملين في الخارج بشكل كبير، إلى أن أصبحوا في منتصف السبعينات يشكلون بضعة ملايين، وأصبحوا يساهموا في تنمية الاقتصاد التركي بشكل غير مباشر من خلال تحويلاتهم. برغم كل هذه الصعاب كان النمو الاقتصادي التركي مستقر ويمكن وصفه بشكل عام بأنه عالي، إذ بلغ على سبيل المثال نسبة 6،7 في المئة في الخمسينات، و4.1 في المئة في السبعينات. مع تنحية الحكم العسكري للبلاد العام 1982، دخلت تركيا مرحلة سياسية واقتصادية جديدة، ركزت فيها الدولة على الصادرات و أزالت القيود على الواردات وفتحت الباب للاستثمار الأجنبي. قامت الحكومة في السنوات التالية بتشجيع خصخة القطاع العام ودعمت القطاع الخاص. عانت البلاد في 1994، 1999 و2001 أزمات اقتصادية حادة ما أدى إلى انهيار الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها وزيادة نسبة التضخم بشكل كبير. ساعدت الظروف الاقتصادية السيئة على انهيار الحكومات عدة مرات، ولأول مرة العام 2004 تم خفض نسبة التضخم إلى نسبة مئوية ذو خانة مئوية واحدة (من نسبة تضخم نحو 150 في المئة في 1994/1995 إلى 9.4 في المئة في 2004). تحسن الاقتصاد تدريجيا، نمت ثقة المستثمرين بالتعديلات التي أقرتها الحكومة و زاد الأمل في دخول البلاد الاتحاد الأوروبي كعضو كامل بعد حصولها رسميا على صفة دولة مرشحة للانضمام العام 1999. بدأ تطبيق تداول العملة الجديدة الليرة التركية الجديدة (Yeni Türk Liras?) منذ الأول من يناير/ كانون الثاني 2005، لكي تحل تدريجيا محل العملة القديمة (الليرة التركية). بلغ الناتج القومي بالنسبة للفرد 4172 دولارا أميركيا في 2004، كما بلغت القوة الشرائية موزعة على الفرد 7400 دولار أميركي. بلغ الناتج القومي نحو 200 مليار دولار أميركي في 2004، و نسبة دين خارجي تبلغ 134.4 مليار دولار في العام 2002 أي ما نسبته 78 في المئة بحسب الناتج القومي.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1582 - الخميس 04 يناير 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً