العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ

الفنان البحريني راشد العريفي في لقاء مع «الوسط»: الفن تاريخ... وحركة العمران ستجعل من مناطقنا السكنية جزءاً من التراث

الوسط خلال لقائها الفنان راشد العريفي (تصوير: محمد المخرق)
الوسط خلال لقائها الفنان راشد العريفي (تصوير: محمد المخرق)

في صبيحة يوم جمعة، زارت «الوسط» مقر جمعية البحرين للفن المعاصر، لتلتقي الفنان راشد العريفي، أحد رواد الفن التشكيلي المعاصر في البحرين.

القاعة الصغيرة كانت تزدحم بأكثر من 15 لوحة فنية جديدة، عرفنا أن الفنان العريفي رسمها خلال شهر رمضان المبارك، وتغلب عليها الوجوه والمناظر الطبيعية.

وفي جلسة «فنية» بحتة، استهلها الفنان بالحديث عن الظواهر الفنية التي كانت تزين أركان البيت البحريني في الحياة اليومية العامة. يقول:

يمكنك أن ترصد بداية استعمال التشكيل في المجتمع البحريني من خلال ما كان يحدث من ترتيب الفرش والمواسد داخل المنزل القديم، وكذلك تعليق صورة الطاووس على المرايا المعلقة على الجدران. تاريخيّا، كلنا نعرف أن المعلقات كانت تعلق في الكعبة من أيام الجاهلية، وهي تعتبر فنّا من الفنون باعتبارها كتابة وخطّا. ومعناه أن هناك أناسا يحبون المشهد من جانب الأبعاد الثلاثة. فالمنظر يمكن أن يراه الإنسان معلقا على جدار أو قماش أو جلد غزال.

وماذا عن الفن الإسلامي؟

- الفن الإسلامي اهتم بالزخارف في المساجد والجوامع والمآتم... وكلها تشكّل جزءا من الثقافة التشكيلية لدينا. ونحن كنا نجلس على الوسائد المزينة، ثم تطور إلى الجلوس على كراسي منتظمة ونحب أن نشاهد المناظر أمامنا. ولعل أول التجربة مشاهدة صورة الطاووس لما فيه من ألوان زاهية، وهو يدل على رؤية متقدمة، فأنت لا تريد أن ترى الجدار خاليا.

رجالات البحرين كانوا يزورون البلاد الأخرى ويقتنون بعض الأواني والتحف... يوم كنت أبحث عن التراث وجدت أن من أجمل الأواني الموجودة في البحرين كانت تلك التي يشربون بها الحليب والشاي، وتوضع أيضا للتزيين الجمالي في المنزل حيث توجد «رواشن» فيها أباريق تستخدم للشرب. التزيين في المنزل يعتبر جانبا مهمّا من جوانب الثقافة الجمالية في المجتمع، بما فيها النوافير التي تحتوي على الورود، وهي ظاهرة متقدمة في عملية التذوق الجمالي، في سياق فهم الناس للتشكيل ولجماليات الحياة.

باعتباركم من الجيل الأول للحركة التشكيلية... كيف كانت البدايات والتأسيس؟

- نحن من الجيل الذي نظّم الحركة التشكيلية مع تكوين مؤسسات الدولة الحديثة، بتشكيل إدارة للثقافة والمسرح والموسيقى وغيرها من حقول كالتربية والتعليم. إدارة الثقافة كانت تتبع وزارة العمل والشئون الاجتماعية، وكان مديرها محمد الخزاعي، ثم انتقلت إلى الإعلام التي أخذت تهتم مباشرة بالفنون والمجالات الثقافية مع اتساع تنظيم إدارات الدولة الحديثة.

في هذا السياق التاريخي لتنظيم الثقافة، جاء تشكيل «جمعية أسرة هواة الفن» العام 1956، وكان الاهتمام بالتشكيل والمسرح والموسيقى. وكنا نعد على أصابع اليد الواحدة. وفي العام 1970 قمنا أنا وعبدالكريم العريض وحسين السني، بتأسيس جمعية تشكيلية باسم جمعية البحرين للفن المعاصر، بعد أن انفصلنا عن أسرة هواة الفن، على أساس التخصّص، ومازلنا نمارس نشاطنا حتى الآن. ثم تفرع عن أعضائها جمعية البحرين للفنون التشكيلية العام 1984.

هل كان السبب فكريّا أم سياسيّا؟

- لا، وإنما على أساس قيادة الفن، والمشاركات في الخارج الآن باسم البحرين تكون مشتركة.

نحن نعترف بأن عبدالكريم العريض هو المؤسس ويستحق أن يكون قائد المسيرة، بصفته رائدا للحركة التشكيلية البحرينية. هنا كان الأستوديو وكما يحصل في كل دول العالم، هو الذي يخرّج التشكيليين وينقل الخبرات ويغذي المجتمع بالفنانين. ولدينا بالجمعية أكثر من 10 أعضاء من المنطقة الشرقية والكويت من الجنسين، يأتوننا بسياراتهم. فنحن عائلة واحدة وأهل وتربطنا الأنساب، كما أننا أعضاء مؤسسون لاتحاد الفنانين الخليجيين وسبقنا بذلك الحكومات في إنشاء مجلس التعاون، وذلك يعتبر سابقة بالنسبة إلينا.

ما سر هذه العلاقة التي تربط العريفي المحرقي بالعريض ابن المنامة؟

- عندما جئت للعريض في المنامة كنت طالبا بالثانوية العام 1959، وكان مقر أسرة هواة الفن بيتا قديما مستأجرا في فريق الفاضل، وكان كريم يقلّب لوحة بيده، فطلبت إليه الاشتراك في الجمعية فرحّب بي ترحيبا مازلت أذكره بكل سرور وبهجة، وهي من أحلى الذكريات.

أنا في هذا العمل 40 سنة، وكريم 50 سنة، وقد كرّمتنا الدولة بإعطائنا وسام الدولة من الدرجة الأولى تكريما لجهودنا.

وكيف كنتم تحصلون على الأدوات والألوان في تلك الفترة المبكرة من الحركة التشكيلية؟

- الأدوات الفنية كانت شحيحة جدّا، وكنا نطلبها من انجلترا...

من المؤكد انها كانت مكلفة؟.

- نعم، كلفة عالية... وكانت هناك مكتبتان تستوردها، وقليل من الفنانين من يتمكن من شرائها، لكن وزارة التربية كانت تطلب كميات منها، ومعظم الفنانين كانوا يستفيدون من هذه الإمكانيات، وأكثرهم مدرسون. لكن الخامات الآن متوافرة وبنوعية جيدة، وبعد افتتاح الجسر أخذ الفنانون يحصلون على خامات أرخص من السعودية.

في رمضان رسمتم لوحات كثيرة، فما هي مشاريعكم الأخرى؟

- نعم، في رمضان رسمت كل هذه اللوحات التي هي أمامكم، إذ كنت أرسم من الساعة الحادية عشرة ضحى حتى الخامسة عصرا. أما مشروعي الحالي فهو العمل على نشر أكثر من 10 آلاف صورة مهمة لتوثيق الحركة الفنية والتشكيلية. وقد انتهيت من صور البيوت القديمة، وبدأت بصور الأدوات والأواني الفخارية والمعدنية والخشبية والنحاسية. وقد استفدت من تأسيس متحف التراث الذي عملت على جمعه لمدة 5 سنوات، كنت أدور من بيت إلى بيت، ومن قرية إلى قرية، حتى تم جمعه في بعض غرف الآريف، ولكن للأسف لعدم وجود إمكانات لتخزينه خسرناه.

كيف؟

- في 1969 كتبت عن إنشاء متحف البحرين، وكنت أعمل مدرسا بـ «الهداية الخليفية» آنذاك، فأرسل إليّ الشيخ عبدالعزيز (نائب الوزير أحمد العمران) وسالني: هل تقدر على ذلك؟ فقلت له: أنا كتبت عن ذلك وإذا لم أستطع (فنّشني). فقام بنقلي من الهداية إلى دار الحكومة حيث خصص الطابق الأرضي للمتحف.

وكيف كانت الخسارة؟

- خسرنا خسارة كبيرة بعد التنقيبات، لأنه لم يكن لنا استعدادات للتخزين، وغالبية ما أخرجناه من تحت التراب ذاب، فقد خُصّصت لنا ثلاث غرف من (الآريف) للتخزين الذي لم يكن ملائما، فخسرنا كمية كبيرة من التراث... هذا ما حدث.

الآن عندنا متحف عالمي المواصفات، وهو أفضل مؤسسة ثقافية تم إنجازها في بلادنا.

وكيف تقارن بين جيلكم والأجيال الجديدة؟

- الجيل المقبل سيستفيد أكثر من الإمكانات المتوافرة. نحن تعبنا في التأسيس وغيرنا تعب بالعمل في المسرح والثقافة وغيرها... ولكن المستقبل سيكون أفضل وأكثر توفيرا للإمكانيات، وخصوصا مع تكريس الجهود الثقافية وتوزيع العمل بين الكتابة والتوثيق والإنتاج بين المؤسسات الأهلية والصحافية.

مثلا أحمد أخي، كان يريد الدراسة ليعمل ضابطا، ولكنه تخصّص في الزخرفة، ومن حسن حظه أن غالبية المساجد والمآتم هو الذي يعمل فيها، فهو مثقف ومتخصص في مجاله وفنان تشكيلي.

العمران الحالي كبير، وهذا التمدّد الكبير سيجعل مناطقنا السكنية الحالية كلها من التراث.

وماذا تأمل أن يتحقّق للفن؟

- نأمل أن تكون هناك مؤسسات خاصة تتجه إلى الاهتمام بالفنون بصفة عامة، والفن التشكيلي خصوصا، وذلك من جانب ثقافي وتنمية اقتصادية. في العالم أصبح للوحة ثمن ويتم إيداعها في البنوك كالذهب والورقة النقدية. النفط قلّ سعره واللوحة لا يقل سعرها بل يزداد. يمكنك أن تحوّل أموالك إلى عملة أخرى فتقلّ أو تهبط، بينما اللوحة مضمونة. ومع تطور البلد ثقافيّا واقتصاديّا وسياسيّا وعمرانيّا، سيكون هناك اتجاه لهذه الناحية.

وماذا يقول العريفي لجيل الشباب؟

- جيل الشباب حصل على قاعدة ثقافية واسعة عن التشكيل، فهناك متاحف ومؤسسات وتوثيق... لابد أن يستفيد من هذه المرجعية الثقافية ليزدادوا ويطوّروا عطاءهم، لأن الفن تاريخ.

العدد 2246 - الأربعاء 29 أكتوبر 2008م الموافق 28 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً