أي وجع ينتابك، وأي جرح يخدش مشاعرك، وأي بؤس يرتسم على معالم وجهك وقتما تجد نفسك محشورا في عالم أنت لا تنتمي إليه بالأساس، عالم الموضة والأزياء والرشاقة. بينما أنت ممن تتراكم بين طبقات جلده شحنة زائدة من الدهون تفوق معدلها الطبيعي، وتوصف ممن يطلق عليهم بذوي الأجسام البدينة «سمين».

كأن تجد قدميك توقفتا فجأة قرب محل لبيع الملابس الفاخرة، مختص فقط لذوي المقاسات الرشيقة والأجساد الضعيفة، والخواص النحيلة والأكتاف العريضة والسيقان الطويلة الناعمة، صفات تكاد لا تجدها إلا في دور لعروض الأزياء العالمية.

أي وقت يلزمك في تجهيز فستان ما، خصوصا إذا كنت على موعد عاجل - ووقتك ضيق - في مناسبة مفرحة، كالتجهيز لعيد مثلا، أو لعرس وأنت تتجول باحثا وجاهدا لعل وعسى يدر عليك الحظ وتجد ضالتك في العثور على الفستان الذي يختصر آمالك مركبة وموجودة في تفصيلات وهيئة الفستان الجاهز للعرض، من دون أن تتطلب منك الحاجة الملحة إلى الفستان في تكبد مشقة الصولات والجولات للبحث عن مستلزمات الفساتين سواء من القماش المناسب أو الإكسسوارات حتى تحصل على القناعة والرضا في حاجتك إلى الملبس الذي يناسب الموضة من جهة ويناسب الذوق العام من جهة أخرى. فقط أولئك الذين يملكون جسما رشيقا، لديهم خيارات كثيرة للبحث عما يناسب مقاس جسمهم في الوقت المتاح والضيق.

الحياة الحديثة وعلاقتها بالسمنة

الحياة الحديثة وما فرضته من تيسيرات شملت مختلف نواحي الحياة بغية انجاز الأمور والمعاملات اليومية بأيسر جهد ممكن وأقل وقت، أسهمت في جعل الإنسان يتكل على الآلة في كل صغيرة وكبيرة، في كل مجهود يبذله، وبالتالي انعكس ذلك سلبا على هيئة جسمه بسبب إفراطه الزائد في الراحة يقابله مجهود قليل في الحركة والنشاط.

ودخلت الآلة في مجالات شتى، أبسطها في حال إعداد الأطعمة واختصار الجهد والاتكال على أكلات الوجبات السريعة، كذلك العادات الخاطئة كمشاهدة التلفاز وتناول الأطعمة أمور جميعها أنتجت في النهاية أشخاصا بدناء.

البدانة والعادات الخاطئة

وتعرف البدانة علميّا هي زيادة وزن الجسم عن الوزن المثالي بأكثر من 20 في المئة، بسبب تراكم الدهون تحت الجلد وداخل مكونات الجسم عموما.

ويرجع الباحثون وذوو الاختصاص في التغذية أسباب البدانة إما إلى عوامل وراثية، أو عادات سلوكية مكتسبة من المحيط الاجتماعي كالإفراط في تناول الطعام، أو اتباع عادات غذائية خاطئة، قلة النشاط والحركة، أمراض في الغدد الصماء، والعلاج ببعض الأدوية.

وربما يتساءل البعض عن سبب تراكم الدهون تحت الجلد ويمكن أن نفسر ذلك بوجود مخزن طبيعي لتلك الدهون أو بمعنى آخر بيئة خلقها الله سبحانه وتعالى لتخزين تلك الدهون تحت الجلد لوظائف كثيرة منها تثبيت طبقات الجلد معا، ومخزون يستغل من أجل الطاقة والحركة في حالات الصيام أو المجاعات، وكذلك تمثل طبقة الدهون عازلا طبيعيا عن البيئة الخارجية ومن ثم تحافظ على حرارة الجسم الداخلية.

«ريجيم أتكينز»

انتشرت حديثا سلوكيات جديدة ومبتكرة لاتباع أنظمة غذائية وحميات، بعضها صحي فيما الآخر مضر ويؤدي الى نتائج معاكسة على الصحة تماما، بغرض تحقيق هدف منشود يسعى صاحب الحمية والريجيم الى نيله هو فتك أكبر قدر من الدهون المتراكمة والحفاظ على الجسم الرشيق الصحي.

وأبرز أنواع الريجيم الذي انتشر بشكل لافت للنظر لقطاعات جماهيرية كبيرة، مختلفة الأعمار، هو «ريجيم أتكينز» الذي يعتمد بدرجة أساسية على تناول الأطعمة التي تحوي البروتينات والدهون بشكل أكبر مقابل تقليل كمية السكريات والنشويات، وعلى رغم الزخم الذي ناله هذا النوع من الريجيم وتفشي استخدامه لدى كل الأجناس لكن مساوئه تفوق فوائده.

وأبرز سيئاته تكمن في أن زيادة استخدام الدهون تؤدي إلى تجمعها وبالتالي حصول مشكلات في الدهنيات بالدم ومشكلات بالقلب، في المقابل تتسبب كمية السكر القليلة إلى تخفيف مخزون المادة التي تغذي العضلات فلا تعود نشطة، وبالتالي تؤدي إلى فقدان الشحم من الجسم وخصوصا العضل.

كما أن الريجيم بالإضافة إلى ذلك يعتبر فقيرا جدا من الفواكه والخضر أي الفيتامينات والألياف، وانه خطير بسبب نقص معدن الكالسيوم، سوء الريجيم يأتي من سوء تقسيمه لنسبة الدهون والبروتينات والكاربوهيدرات في الوجبات.

ويعتمد الريجيم بالأساس على أكل اللحوم والدواجن والأسماك والأصداف (ثمان البحر)، البيض والأجبان بكثرة وبلا كميات محددة وبحسب الرغبة، بينما يكون أكل الخضراوات مع سكريات مثل الخس، الأرضي شوكي، الفطر، الهليون، الصويا، الأعشاب والبهارات، الماء، المشروبات بكميات محدودة.

الريجيم القاسي يضر بالصحة

ويعتبر الريجيم القاسي غير صحي لأنه يمنع وصول حاجات الجسم الغذائية الكافية اليه ويؤدي الى نتائج مغايرة. ولتوضيح الصورة أكثر، أثبتت دراسة قام بها علماء عن وجود علاقة طردية بين الريجيم القاسي وانقلاب الحال المزاجية لصاحب الرجيم؟

فقد درس العلماء العلاقة بين الريجيم القاسي والمرن على مجموعة من المتطوعات تضم 88 سيدة، وكان هدف الدراسة التحقق من افتراضية تقول إن النساء اللائي يخضعن للريجيم القاسي لمنع اكتساب الوزن يتعرضن لاختلال نظام الأكل واكتساب مزيد من الوزن مقارنة مع النساء اللائي يخضعن لريجيم معتدل.

وجاء في نتائج الدراسة أن السيدات اللاتي خضعن للريجيم القاسي واجهن انعكاسات سلبية، أبرزها كان إخلال نظام الأكل واضطراب الحال المزاجية بالإضافة إلى القلق الزائد لشكل وحجم الجسم.

وجاء تقرير السيدات اللاتي خضعن للريجيم المعتدل على عكس ذلك تماما، إذ لم تحدث زيادة في الوزن ولم يتعرضن لاختلال نظام الأكل والحال المزاجية وبالإضافة إلى عدم القلق على شكل الجسم أو حجمه. وقد أكدت نتائج البحث بعض نتائج الأبحاث السابقة، ونصحت الدراسة من يريد عمل ريجيم بالاتجاه إلى الريجيم المعتدل لما له من فوائد والابتعاد عن الريجيم القاسي.

الأكل المعتدل وقاية

والغذاء الصحي والمعتدل أمثل علاج يبعدك عن الأمراض ويجنبك الوقوع في أزمات مستقبلية، وللعمل بهذه النصيحة تناول الطعام في جو هادئ ولطيف بحيث توجه انتباهك للأكل الذي تأكله، من دون أن تعمل أو تقرأ أو تشاهد التلفاز خلال الأكل، كذلك تناول الطعام وأنت في مزاج متناغم ومستريح وبسرعة معتدلة ليست بطيئة جدا ولا سريعة جدا، اترك ثلث معدتك أو ربعها فارغا لتسهيل عملية الهضم. لا تملأ معدتك بالكامل ولا تترك المائدة وأنت جائع، انتظر أن تهضم وجبة الطعام قبل تناول الوجبة التالية (من 3 إلى 6 ساعات تقريبا بين وجبتين) تناول الأكل فقط عندما تكون جائعا، اشرب رشفات من الماء أو العصير خلال وجبات الطعام. يشرب الحليب (اللبن) منفصلا عن الأكل، قد يشرب بعد الأكل بمدة 20 دقيقة أو مع الحلويات، على وجبات الطعام أن تكون متوازنة.

في المساء حاول قدر الإمكان والمستطاع الابتعاد عن اللبن واللبنة والجبن والبروتين الحيواني والخضر غير المطبوخة، لا تطبخ الأكل بالعسل، فالعسل لا يجب أن يسخن على النار، ابتعد عن الأكل والمشروبات الباردة، فهي تضعف الجهاز الهضمي، أجلس بشكل هادئ لبضع دقائق بعد وجبات الطعام.

و «خير الكلام ما قل ودل» وهو أن «درهم وقاية خير من قنطار علاج».