العدد 1629 - الثلثاء 20 فبراير 2007م الموافق 02 صفر 1428هـ

وزارة الداخلية وموضة معسكرات الزجاجات الفارغة

خصص مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية العقيد عادل خليفة الفاضل في بيان بلغ تعداد كلماته 644 كلمة زهاء %50 ( 352) كلمة لتقديم الموعظة والنصيحة للبحرينيين كافة في شتى مؤسسات السلطتين التنفيذية والتشريعية ومؤسسات المجتمع المدني. أما موضوع النصيحة فهو ما قرأناه في 218 كلمة تسرد حوادث اعترافات متهم من كرانة - كانت بحوزته «مولوتوفة» واحدة حين تم القبض عليه متلبسا - حول انتمائه إلى تنظيم وصفه البيان بـ «المدروس» للحرق والتخريب.

المتهم الذي أرشد قوات حفظ الأمن إلى متهم آخر أنكر التهمة لاحقا والذي قاد رجالات الوزارة إلى مزرعة في قرية بني جمرة بها «زجاجات فارغة موضوعة بعناية» لا يعرف أسماء أعضاء التنظيم ولا وجوههم فهم (ملثمون). الأهم من هذا وذاك أنه لا يتدرب على صناعة المولوتوف، ولكن على رميها!!. ومن هنا كان لنا أن نستمتع بقراءة بيان ذي حس أبوي «رفيع» يبادر إلى النصيحة والموعظة.

كان من الممكن جدا أن تتاح لمدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية مساحة جيدة لتقديم النصيحة والموعظة التي احتواها البيان - المقال الجيد يتكون من 350 كلمة - من دون الحاجة إلى رواية قصة التنظيم الغريبة برمتها.

أولا: من الواجب أن نشكر وزارة الداخلية إذ إنها ومن «منطق الحرص على أبناء هذا البلد كافة» لم تنس أن تؤكد لنا «أن الحلول الأمنية وحدها ليست كافية لمواجهة مثل هذه الأنشطة الهدامة، في وقت تنطلق فيه قافلة التنمية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، من أجل تحقيق الاستقرار والرفاهية لكل أبناء هذا الوطن الغالي».

هذا الخطاب الأبوي الكريم يستحق منا أن ندرك أن إعلان الوزارة عن بيانها هذا لم يأت إلا لإتاحة الفرصة لأعضاء التنظيم لـ «التوبة» كما تاب إخوانهم في إحدى مدن البحرين الذين أعلنت وزارة الداخلية أنها اكتشفت بحوزتهم أسلحة قبل أشهر من الآن!! لتفرج عنهم بعد 6 أيام. أولئك لم يكونوا يسعون إلى أعمال تخريبية، أولئك أيضا لم يكن المنزل الذي يجتمعون فيه ساحة للتدريب. البحرينيون فعلا محظوظون جدا بهذه القسمة والرعاية التي توليهم إياها وزارة الداخلية. وسنراقب عن كثب ما إذا كانت وزارة الداخلية ستفرج عن دليلها (الشاب من كرانة) بعد 6 أيام أسوة بمن أفرجت عنهم سابقا.

المسكوت عنه في تصريح وزارة الداخلية هو إضافة جديدة إلى قائمة الممنوعات الأمنية دوليا. يوم أمس أضافت وزارة الداخلية البحرينية دليلا ملموسا إلى قائمة أدوات التخريب والإرهاب الدولية التي غفلت عنها المراكز التدريبية للإرهابيين والتخريبيين. إنه: «الزجاجات الفارغة» لكن ليس أي نوع من أنواع الزجاجات. إنها زجاجات «فارغة» و»موضوعة بعناية». ومن واقع الحرص، أدعو وزارة الداخلية إلى تسجيل هذه الإضافة الإستراتيجية في المفاهيم الأمنية لصالح وزارة داخليتنا الموقرة.

مطلوب من البحرينيين كافة أن يتخلصوا من أي زجاجات فارغة في منازلهم أو سياراتهم. وألا يعمدوا إلى ترتيبها أو تنظيمها في نسق واحد. (كما نتمنى من وزارة الداخلية أن تصدر بيانا رسميا تشرح فيه ما هية الصورة التي تبدو معها الزجاجات الموضوعة بعناية (أداة إجرامية) وذلك من باب الثقافة الأمنية على الأقل.

المسكوت عنه أيضا، هو أن حيازة الزجاجات الفارغة قد تكون دليلا على انتماء أي بحريني إلى تنظيمات سرية تهدف إلى تحقيق أهداف بعيدة المدى!!. وللمحتجين على ذلك، أن يحتفظوا بزجاجاتهم لكن، من دون أن تكون «موضوعة بعناية»!!.

على رغم أن بيان وزارة الداخلية لم يوضح أو يفسر أو يعلن أو يلمح أو يكشف عن أي من التفاصيل المهمة التي استطاعت أجهزة حفظ الأمن الحصول عليها والتي من المفترض أنها تتعلق بحسب البيان «بكيفية تجنيد وتدريب بعض الشباب على القيام بتلك الأنشطة التي تستهدف ضرب حال الاستقرار والأمن لتحقيق أهداف بعيدة المدى»، فإن ذلك لا يعني ألا نهتم بوقاية أنفسنا من أن نقع ضمن هذا المخطط الخطير، الذي لا يقل خطورة عن مخططات التسعينات الصحافية.

يقول البيان إن المتهم الأول «اعترف بأنه اشترك مع مجموعة من المتهمين بارتكاب أعمال شغب وتخريب وحرق على شارع الجنبية»، و»إن أحد الأشخاص من منطقة أبوصيبع... كان قد قام باصطحابه إلى مزرعة بمنطقة بني جمرة للتدريب على استخدام المولوتوف في أعمال الاعتداء على الشرطة والحرق». وعلى رغم أن أحدا من بني جمرة لم يكن سمع صوتا أو شاهد نارا أو دخانا في تلك المنطقة الآمنة التي لا تزيد مساحة المزرعة فيها على مساحة البيت الواحد إلا ما ندر. وعلى رغم أن عاقلا لا يفهم - عقلانية التدريب الإستراتيجي في تحقيق أهداف بعيدة المدى- في رمي الحجارة والمولوتوف فإن هذا لا يغني عن ضرورة أن يتخلص كل مواطن من أي زجاجات فارغة بحوزته.

وحتى ينتهي بيان وزارة الداخلية الى التهم (التوقعات) التي ذهب إليها، كان من الضروري أن يعطينا البيان العرمرمي أدلة دامغة وبيانا بمستوى الحدث، يستحق أن تخرج بعض صحفنا في اليوم التالي به كخبر رئيسي تكشف فيه وزارة الداخلية عن خلايا إرهابية في قرية بني جمرة أو في غيرها من القرى. طالعوا معي: يقول الشاب بحسب بيان وزارة الداخلية «إن أحد الأشخاص الملثمين غير معلوم له، قام بتدريبه ضمن 35 شخصا من المتدربين تتراوح أعمارهم بين 20 و25 عاما». أولى النتائج المستوحاة هي أن مُدَرِب المعسكر السري مجهول الهوية. وهذه الفكرة مقبولة. أضف إليها لاحقا و- بحسب البيان نفسه - أن جميع أعضاء التنظيم أيضا مجهولون، يقول البيان إن الشاب «أشار الى أن المتواجدين في هذه المزرعة لا يعرفون أسماء بعضهم البعض». اما النتيجة النهائية لمجموع ما قاله الشاب فهي أن: ثمة أناسا لا يعرفون بعضهم بعضا يجتمعون في تواقيت محددة ودقيقة. حسنا، فليشرح لنا عاقل واحد كيف يتم ذلك.

ولكن الشاب «الفلتة» و»الذكي» جدا على ما يبدو «عرف أنهم قد تم اختيارهم من مناطق متفرقة من البحرين، للتدريب في هذه المزرعة على أعمال التخريب والاعتداء على رجال الشرطة وسياراتهم، وأفاد بأن التدريب كان يجري في مواعيد يتم تحديدها بشكل دقيق». السؤال، كيف عرف هو اسم صديقه الذي دل عليه. وكيف تجمعوا في مكان واحد إن لم يكونوا عارفين ببعضهم بعضا أصلاُ!!. كان من الأولى أن يتم توضيح جميع هذه التفاصيل والتناقضات الواضحة عوض القفز على الحقائق والمعلومات مباشرة صوب توجيه الاتهامات الفقيرة إلى الأدلة عن تنظيم ذي أهداف وصفها البيان بأنها «بعيدة الأمد».

الأدهى من كل هذا، هو أن هذا المعسكر التدريبي الذي مقره بني جمرة لا يحتوي بحسب البيان أيضا - سوى على صندوق واحد من الزجاجات الفارغة. وحتى لا ننسى حقوق إيراد النص الدقيق في كل مرة كان صندوقا يتكون من «زجاجات فارغة وموضوعة بعناية».

معنى ذلك أيضا: أن لدينا 25 فردا وأكثر يتدربون على إلقاء 25 زجاجة فارغة. فلكل واحد فرصة رمية واحدة لا أكثر. فإن أخفق فعليه أن يأتي للتدريب في المرة القادمة. تبدو الأهداف «البعيدة» واضحة للعيان!!.

تحتاج وزارة الداخلية فعلا - وهذا من باب الحرص ذاته على الوطن الذي دعا مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية إلى توجيه مواعظه فيه - إلى إعادة النظر في بياناتها التي توزعها على الصحافة. تحتاج أيضا إلى أن تزيد من تدقيقها فيما تكتب. وألا تتورط «هي» أو تورط «الناس» فيما لا طاقة لهم به. وفي هذه الأجواء المشحونة المتلبدة بنار الفتنة الطائفية تحتاج الوزارة إلى المزيد من تفعيل ردود الفعل العقلانية على ما يجري.

شتى مؤسسات المجتمع المدني تغفل العين عن سياسات العنف المضاد - الزائد عن الحد - تجاه المتظاهرين الذين لا نبرئ ساحتهم، بل ندعو إلى محاكمة أي متورط منهم. كما نغفل العين جميعا عن سياسات العقاب الجماعي. وعن أشياء أخرى لا مجال لذكرها، قبل التحقق من مدى صحتها. لذلك وجب على الوزارة أن تلتفت إلى ضرورة أن تقتصر بيانات الوعظ والنصيحة على مؤسساتها الداخلية التي تحتاج إليها فعلا.

العدد 1629 - الثلثاء 20 فبراير 2007م الموافق 02 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً