العدد 2249 - السبت 01 نوفمبر 2008م الموافق 02 ذي القعدة 1429هـ

سيادة الدولة والركود الاقتصادي

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

ردّا على السفير البلجيكي كاريل دي جاشت الذي انتقد «الامتيازات الكبيرة» التي يتمتع بها رجال السياسة الكونغوليون، ثارت ثائرة الرئيس الكونغولي جوزيف كابيل فاتهم بلجيكا بمحاولة التدخل في الشئون الداخلية لبلاده والبحث عن وضعها تحت الوصاية.

نحن لسنا بصدد تبرير أي تدخل خارجي في الشئون الداخلية الكونغولية، إنما تجدر بنا الإشارة إلى أنه كلما وجه أحدهم انتقادا لأحد القادة الأفارقة سارع هؤلاء باتهامه بمحاولة انتهاك سيادة بلادهم.

فمؤخرا، وعندما اشتدت عليه الضغوطات الخارجية بعد التلاعب بالانتخابات، أعلن الرئيس موغابي وبدون تردد «أن زيمبابوي ليست للبيع». كأن احترام نتائج الانتخابات الديمقراطية يشكل تهديدا لسيادة بلاده!

هؤلاء القادة اليوم، وأسلافهم من قبلهم، نصبوا أنفسهم كحامين للسيادة الوطنية، ثم استغلوا ذريعة الحفاظ على السيادة، لتبرير سياسات تنموية غير فاعلة من جهة وجمود اقتصادي من جهة أخرى.

لا يمكن الاعتراض على أهمية سيادة الدول الإفريقية على أراضيها، ولاسيما سيادتها على ثرواتها الطبيعية من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي. ولكن تدخل الدولة لتوجيه الاقتصاد من أجل حماية هذه السيادة غالبا ما يفرز نتائج عكسية وسلبية، كما أنه يكرس تبعية الدول الإفريقية اقتصاديا للخارج.

بُعيد حصولهم على الاستقلال، قام العديد من صناع القرار في الدول الإفريقية «الجزائر، الكونغو (زائير سابقا)» بوضع استراتيجية تنمية اقتصادية مركزية مبنية على عدم التبعية، وذلك عبر استبدال المنتجات المستوردة بالمنتجات المحلية، وفرض التعريفات الجمركية وغير الجمركية للحد من منافسة السلع الأجنبية وتأميم الشركات وتكريس احتكارات الدولة. لكن وللأسف، فقد فشل هذا الخيار الاستراتيجي على جميع الأصعدة. فعدم قدرة الاقتصاد على خلق الثروات من جهة، وقدم المعدات الصناعية الإفريقية من جهة أخرى يشهدان على فشل هذه الاستراتيجية التي جعلت اقتصاد الدول الإفريقية يزداد اعتمادا على السلع المستوردة. فاستبدال المنتجات المستوردة بالصناعة المحلية باء بفشل ذريع، إذ إنه أدى إلى ارتفاع مهول في فواتير الاستيراد وزيادة العجز في الميزان التجاري وارتفاع الدين العام.

اليوم تضم إفريقيا 14 في المئة من سكان العالم على الرغم من أنها لا تشكل سوى 2.9 في المئة من الصادرات العالمية. كما أن سياسة التأميم واحتكار الدولة أدت إلى سوء الإدارة والتبذير وزيادة الدين العام.

من المعروف أن العنصر الأساسي للسيادة الاقتصادية للدولة يكمن في الحرية والقدرة على الاختيار. لذا فإن اعتماد مفهوم السيادة المطلقة قد أعطى لكثير من الدول الإفريقية الوهم بالحرية، لكنه، وفي الوقت نفسه، عرض للخطر قدرتهم على التطور نحو الحكم الذاتي. لأن هذا المفهوم المطلق للسيادة لم يفشل فقط عمليا إنما استعمل أيضا كذريعة لتعطيل الإصلاحات.

لذا ولحد سنة 1994، رفضت الجزائر السياسات الداعية إلى التغيير وذلك بحجة الحفاظ على «سيادتها». فحتى لو كانت توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قابلة للنقاش، لا شيء يمنع أصحاب القرار في الجزائر، مثلا، من المباشرة بإصلاحات هيكلية كانت تفرض نفسها.

في زيمبابوي والكونغو، كما في الجزائر، لم يكتف القادة بوضع البلاد في حالة جمود اقتصادي باسم السيادة، بل سخروا هذه السيادة لخدمة مصالحهم الشخصية. خير مثال على هذا، هي سياسة الرئيس الزائيري موبوتو سنة 1974 التي هدفت إلى إعادة أملاك المقيمين في الخارج إلى أرض الوطن. فتحت غطاء سياسة «إنماء قومية»، انتقلت هذه الأملاك إلى أعضاء الحكومة وحلفائهم. وبينما كان القادة الأفارقة يتهمون الغرب بانتهاك سيادة بلادهم، لم يتوانوا عن سرقة أموال المساعدات الأجنبية لصرفها على حاشيتهم. فمعادلة السيادة مقابل الثروات المالية هي من أهم أسباب عدم النمو والجمود المؤسساتي الذي تعيشه الكثير من الدول الإفريقية.

فالمشكلة لا تكمن في الحق بالحفاظ على السيادة إنما تكمن في الوسائل التي تجعل الحصول على السيادة ممكنا. فالاندماج الاقتصادي لا يؤدي بالضرورة إلى فقدان الاستقلال. بل على العكس؛ لأن الانفتاح الاقتصادي هو السبيل الوحيد لكي تحصل الدول الإفريقية على القوة الاقتصادية اللازمة، والتي ستسمح لها باتخاذ قراراتها بدون أي ضغوط خارجية.

الصين لم تخسر سيادتها، عندما اختارت الانفتاح الاقتصادي، بل على العكس، وبفضل حرية الاستثمار وحرية التبادل وتفعيل المنافسة، استطاعت الصين الحصول على رؤوس الأموال والتكنولوجيا اللازمين لكل تحرر اقتصادي. لذا فإن الدول الإفريقية ستكون رابحة لا محالة إذا اتبعت هذا النهج.

إذا كان المبتغى هو التمتع بالحكم الذاتي والوصول إلى السيادة الحقيقية فيجب علينا أن نتعلم أولا كيف نصل إلى مرحلة الفاعلية. مرحلة لا يمكن إدراكها إلا داخل إطار يشجع على التبادل والانفتاح؛ لأن البلدان والاقتصاديات المغلقة و «المحمية» تفتقر إلى الحوافز والمسئولية الضروريين لتحسين الأداء الاقتصادي.

على نقيض الايديولوجيات السيادية التي يروج لها بعض رجال السياسة الأفارقة، تشكل الإصلاحات الانفتاحية، المتمثلة في حرية الاستثمار والإنتاج والاستهلاك وحرية التبادل، البوابة إلى الخروج من التبعية الاقتصادية نحو الاستقلال الذاتي والسيادة الحقيقية.

* دكتور ومحلل اقتصادي في مركز التحليل الاقتصادي في فرنسا، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية» www.misbahalhurriyya.or

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2249 - السبت 01 نوفمبر 2008م الموافق 02 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً