العدد 1639 - الجمعة 02 مارس 2007م الموافق 12 صفر 1428هـ

استحقاقات دولية تنتظر المنطقة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

منطقة «الشرق الأوسط» تنتظر لحظات ثقيلة. فالاستحقاقات كثيرة وكلها تشمل تلك الملفات الخطرة التي قد تشعل المنطقة في حال فشلت الاتصالات في التوصل إلى اتفاقات بشأنها. هناك الملف النووي الإيراني الذي يدور في فلك دولي وينتظر الحل الدبلوماسي. وهناك الملف الأمني في العراق الذي ينتظر التوافق على مخارجه ومداخله. وهناك الملف الفلسطيني الذي كاد أن يدخل طور الانفجار الأهلي في غزة والضفة. وهناك الملف اللبناني الذي وصل إلى شفير التفكك والانهيار. وهناك الكثير من الملفات التي تتعلق بالمصالحات العربية بعد حصول أزمات ثقة ناتجة عن اختلاف في التوجهات العامة. وعلى ضفاف هذه الملفات يمكن فتح الباب على أزمات مختلفة تبدأ باليمن والصومال وتنتهي في إقليم دارفور السوداني.

ملفات ثقيلة تنتظر منطقة «الشرق الأوسط» وهي كلها متصلة ببعضها من قريب أو بعيد، ولكنها أيضا تخضع لقانون الأولويات والأهم والأقل أهمية. الملف الإيراني الآن يحتل الصدارة وبعده العراق ثم فلسطين وبعده لبنان ثم تأتي بالتدرج الملفات الأخرى.

الملف النووي في إيران بات بعد صدور القرار 1737 تحت المراقبة الدولية. فالملف تم تدويله وأصبح عرضة لتقلب العلاقات التي تربط الدول الكبرى. فالدول الست الكبرى التقت الأسبوع الماضي في لندن وأخذت تبحث عن بدائل أو خطوات تصعيديه تعزز قرار العقوبات والمقاطعة وربما الحصار الاقتصادي. حتى الآن لم تتوصل تلك الدول إلى صيغة واضحة بسبب اختلاف التوجهات بين طرف (الصين وروسيا) يميل إلى التهدئة وطرف (أميركا، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) يتجه نحو تشديد الضغوط والعقوبات. وبين السياستين يظهر التنافر على المسرح السياسي الإقليمي بين واشنطن وطهران. واشنطن تراهن على عامل الوقت لتحقيق نوع من الخرق الاستراتيجي للأمن الإيراني، وطهران تراهن على ضعف الولايات المتحدة وعدم قدرتها على تحريك الملف خارج سياقه التفاوضي السلمي.

الملف الأمني في العراق ستبدأ مراجعته من خلال المؤتمر الدولي لدول الجوار الذي سيعقد في بغداد في العاشر من الشهر الجاري. وأهمية المؤتمر أنه يعقد في بغداد وبمشاركة الدول المجاورة إضافة إلى مصر. وبما أن إيران وسورية تعتبران من تلك الدول فإن مشاركتهما بموافقة أميركية تعطي أهمية خاصة لحسابات المؤتمر والنتائج المتوقعة منه. الموافقة الأميركية ملغومة وحتى الآن لاتزال غير واضحة. فهل الموافقة تعني أن واشنطن قررت مغادرة مواقعها السلبية السابقة والتعامل بإيجابية مع الأزمة الأمنية أم هي مجرد خطوة شكلية تريد إدخال مختلف الأطراف في عناصر أزمة كانت هي السبب في افتعالها وتفجيرها؟ إدارة جورج بوش وجهت إشارات مشوشة فهي رحبت بمشاركة طهران ودمشق في المؤتمر وأيضا أكدت أن مواقفها لاتزال ثابتة على حالها. وحتى الآن لا يمكن التكهن في اعتبار أن إدارة واشنطن لم تتوصل بعد إلى خلاصة جدية ونقدية لسياستها الفاشلة في بلاد الرافدين. فهي تعترف لفظيا بالفشل وعمليا تصر على مواصلة النهج الذي اعتمدته منذ تقويض دولة العراق.

ملفان

الملف الفلسطيني لايزال بدوره يراوح مكانه بعد التوصل إلى توقيع تفاهم مكة. فالتفاهم تلقى الكثير من الدعم والترحيب من مختلف الدول العربية والعواصم الإسلامية والدولية إلا أنه واجه أيضا ذاك الرفض الأميركي - الإسرائيلي المدعوم نسبيا من أوروبا. وأدى هذا الرفض إلى تجميد الإسراع في الحل وتحميل التفاهم مسئولية إفشال الخطة الأميركية لمشروع السلام في المنطقة. وبسبب هذا النفاق الأميركي - الإسرائيلي تعطلت جزئيا خطوات الحل بانتظار تبلور الصيغة النهائية لتشكيلة الحكومة الفلسطينية وبيانها الوزاري. واشنطن وتل أبيب وضعتا سلسلة شروط تبدأ بنبذ العنف والاعتراف بـ «إسرائيل» وتنتهي برفض مشروع السلام العربي الذي صدر عن القمة العربية في بيروت. ومثل هذه الشروط التعجيزية تعني فعليا أن تحالف واشنطن تل أبيب غير مرتاح لذاك التفاهم الفلسطيني الذي جرى في مكة وغير مستعد للتفاوض مع الدول العربية بشأن السلام.

الملف اللبناني يعتبر شائكا وخصوصا بعد انكشاف ساحته دوليا منذ صدور القرار 1559 في صيف العام 2004. الآن وبعد ثلاث سنوات تتجاذب ساحة البلد الصغير ذبذبات دولية وإقليمية أوصلته إلى قاب قوسين من الانفجار الأهلي. فهذا الملف يتعرض لكثير من الضغوط بعضها يتعلق بالقرار الدولي الرقم 1701 الذي يتضمن مجموعة قرارات تتصل بالحدود الدولية مع سورية و«إسرائيل» وسلاح المقاومة وغيرها من ملحقات ترتبط بالأمن الإقليمي وتوازنات المنطقة، وبعضها يتعلق بمشروع «المحكمة ذات الطابع الدولي» وملحقاته السياسية المحلية والإقليمية. هذا الملف الشائك في تعقيداته ومداخلاته سيكون على رأس جدول مباحثات الرئيس الإيراني والعاهل السعودي التي ستبدأ اليوم في الرياض. وفي ضوء نتائج المباحثات ستتقرر الكثير من الملفات الأخرى المتصلة بأمن لبنان واستقرار المنطقة.

استحقاقات كثيرة تنتظر المنطقة. فإيران عرضة للتفاوض الدولي حتى يتقرر مصير مشروع التخصيب. والعراق عرضة للتفاوض الدولي الإقليمي حتى يتقرر مصير الخطة الأمنية الأميركية والاتجاه الذي تسير فيه. وفلسطين عرضة للضغوط الأميركية لمنع نجاح «تفاهم مكة» بين حماس وفتح. ولبنان عرضة للتقلبات الدولية والإقليمية التي يرجح أن تتضح معالمها العامة بعد انتهاء مباحثات الرئيس الإيراني مع العاهل السعودي.

كل هذه الملفات مضافا إليها حالات اليمن والصومال والسودان القلقة يرجح أن توضع جميعها على طاولة القمة العربية التي ستعقد في الرياض في 28 و29 مارس/ آذار الجاري. فهذه القمة تعتبر مفصلية لتوضيح المسار العام للعلاقات العربية - العربية والعلاقات العربية - الدولية. إذا حصلت تفاهمات عليها يمكن القول إن هناك بداية جديدة تعيد تشكيل منظومة إقليمية عربية مدعومة من تركيا وإيران لمواجهة استحقاقات خطيرة تهدد الأمن والاستقرار وربما تعبث بخريطة المنطقة الجغرافية وتوازناتها السياسة. وإذا وقع الاختلاف عليها فمعنى ذلك أن المنطقة ستتجه نحو مسار عنيف قد يؤدي إلى تكرار حالات مشابهة لذاك الذي حصل في الصومال أو العراق.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1639 - الجمعة 02 مارس 2007م الموافق 12 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً