العدد 1643 - الثلثاء 06 مارس 2007م الموافق 16 صفر 1428هـ

العرب بحاجة إلى إيران... فانتصروا لها قبل فوات الأوان!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

في أعقاب حرب أكتوبر المجيدة في العام 1973، اكتشفنا - نحن العرب - أن «إسرائيل» ما هي إلا نمرٌ من ورق تم تضخيمه والنفخ فيه حتى صار في عقول كثير من الناس جيشا لا يُقهر، تتذرع به جميع الحكومات العربية حتى لا تقدم إلى شعوبها أية وجبات صحية سواءٌ أكان ذلك على صعد الانفتاح والإصلاح والتنمية أم على مستوى الحياة المعيشية.

وبينما نحن في زهو الانتصار على عدونا فرحين بنجاحات جيشنا الباسلة التي مسحت العار وأخذت لنا بالثأر ورفعت رؤوسنا بعد سنوات من الذل والانكسار، بدأت مفاوضات الكيلو 101 في خيمة الهزيمة التي نُصِبت على أرض سيناء، وقيل يومها إن المفاوضات ستفصل بين القوات المتحاربة، وترتب لانسحابات إسرائيلية من الأراضي العربية!

وما هي إلا سنوات أربع حتى فجر الرئيس المصري الراحل أنور السادات قنبلته المدوية حين أعلن استعداده لزيارة القدس في العام 1977، وما بين مصدقٍ ومكذبٍ بدأ النصر يتحول إلى هزيمة، وأصبح العرب في حيص بيص لا يدرون إلى أين يولون الأدبار!

وهكذا اجتمع القادة العرب في بغداد في العام 1979 وقرروا تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية، وإيقاف المساعدات الاقتصادية كافة، وسحبوا مشاركاتهم في المشروعات المشتركة، حتى وصل الأمر إلى شبه توقف لعدد من المشروعات ومن بينها هيئة التصنيع العربي الحربي، ولم يكتفوا بذلك، بل نقلوا مقر الجامعة إلى تونس وانتخبوا أمينا عاما لها من غير أبناء مصر هو التونسي الشاذلي القليبي.

حينها انتفخت أوداج بعض الحكام العرب واتهموا مصر بالخيانة، وبأنها باعت فلسطين وكل القضايا العربية، وما كان منهم إلا أن سحبوا سفاراتهم من القاهرة، وخفّضوا مستوى تمثيلهم الدبلوماسي، حتى صارت الدول الإفريقية والآسيوية ترعى المصالح العربية في عاصمة أكبر بلد عربي!

لقد كان المشهد كارثيا، ولكن الواقع كان أدهى وأمر، وكان ينذر بانهيار شبه كامل في النظام العربي الرسمي، وكانت معظم الشواهد تشير إلى أن أوراق اللعبة قد تم وضعها بيد الولايات المتحدة الأميركية، وأن الأمر لا يعدو كونه إعادة ترتيب الأولويات بعد أن استخدم الرئيس المصري الراحل الجوكر في الوقت القاتل.

آنذاك تجلى الشاعر العربي الفلسطيني أحمد مطر فلخّص المشهد في إحدى لافتاته الشهيرة قائلا:

«الثور فرّ من حظيرة البقر

الثور فرّ

فهاجت العجول في الحظيرة

تبكي لفقد قائد المسيرة

وشُكِّلت على الأثر محكمة ومؤتمر

فبعضهم قال: قضاء وقدر

وبعضهم قال: إلى سقر

وبعضهم قال: امنحوه فرصة أخيرة لعله يعود للحظيرة

وفي ختام المؤتمر تقاسموا مربطه وجمّدوا شعيره

وبعد عام وقعت حادثة مثيرة

لم يرجع الثور

ولكن ذهبت وراءه الحظيرة»

أجل لقد صار الجميع يخطب ود أميركا! في الوقت الذي كان الانتصار التاريخي العربي في حرب رمضان يتحول إلى مهزلة وهزيمة نكراء سلّمت كل مقاليد الأمور إلى الأميركيين، كان عرش الحليف الأميركي الأكبر الشاهنشاه محمد رضا بهلوي، يسقط تحت أقدام أبناء الشعب الإيراني المسلم، ففي فبراير/ شباط من العام 1979، تحط طائرة فرنسية تنقل آية الله العظمى الإمام روح الله الموسوي الخميني على أرض طهران ليعلن انتهاء عهد الشاه شرطي أميركا الأول في المنطقة.

مفارقة عجيبة، فلقد كان مقدرا أن يتراجع الوجود الأميركي في المنطقة، وينتكس المشروع الصهيوني، محصورا بين الانتصارات العربية في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1973 والانتصارات الإيرانية في فبراير من العام 1979، ولكن هناك من كان يعمل ضد المصالح القومية العربية والإسلامية!

وهكذا لم يكتفِ النظام العربي بتضييع النصر العسكري المبين الذي تحقق للأمة العربية على العدو الصهيوني، بل إن هناك من أراد أن يضيع النصر الإيراني أيضا؛ لذلك قرر الطاغية صدام حسين أن الوقت قد حان لإجراء تغيير كبير في الهياكل الحاكمة في بغداد، فأزاح الرئيس أحمد حسن البكر، وتولى دفة الأمور ليخوض حربا لا هوادة فيها ضد الثورة الإسلامية الوليدة في إيران.

لقد قيل يومها إن صدام يريد أن يحرر القدس، ولكن طريقه تبدأ من طهران! فما كان من الشاعر العربي العراقي مظفر النواب إلا أن تهكم على ذلك شعرا فقال:

«هل أرى هذا السلاح لقد داس من داس

متجها نحو يافا بنيرانه الزاحفة

بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة»، والغريب أن العرب الذين لم يستطيعوا أن يصمدوا في حرب حزيران 1967 أكثر من 6 أيام، وفي حرب تشرين أكثر من 21 يوما قد صمدوا في حربهم ضد الجارة المسلمة إيران 8 سنوات بأيامها وبلياليها، ومن دون شك إن «إسرائيل» ما كانت تستطيع أن تصمد كل هذا الوقت لو أن صدام قد يمم نحو القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين!

يومها كان الطاغية صدام حسين يرسل «صواريخ الإمام العباس لتدك مدينة قم المقدسة»، وعلى رغم أن هذه الصواريخ والأعتدة الحربية كانت مدفوعة الثمن من قِبل بعض الدول العربية - وهو ما تم الاعتراف به لاحقا - وعلى رغم أن عدد المتطوعين في الحرب من مصر ودول المغرب العربي والأردن وغيرها كانوا أكبر من أن تعدهم آلة حاسبة، فإن إيران لم توسّع دائرة الحرب، ولم تتهم العرب بدعم حرب صدام الشوفينية العنصرية!

لقد كانت الدعاية البعثية تبشرنا صباح مساء بأعداد القتلى الإيرانيين وحجم التدمير الكبير الذي ألحقه الجيش العراقي الباسل بجحافل «المجوس الشعوبيين» في حرب القادسية الجديدة التي يقودها البطل المغوار لحماية البوابة الشرقية للوطن العربي، بينما قلب الأمة العربية يشتكي ألما ولا من مجيب، ولا من ناصر أو مغيث، وفي هذا يقول مظفر النواب:

«القدس عروس عروبتكم

فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟

ووقفتم وراء الأبواب تسترقون السمع لصرخات بكارتها

وسحبتم كل خناجركم وتنافختم شرفا

وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض

فما أشرفكم؟

هل تسكت مغتصبة؟».

ولكن القدس لم تكن تمتلك في ذلك الزمان نصيرا، فلقد تحوّلت الحرب المقدسة إلى جهة إيران، وأغرب ما في الموقف الإيراني تلك القدرة العجيبة على ضبط النفس، ففي الوقت الذي كانت الصواريخ والطائرات العراقية تضرب كل ما له قيمة في إيران، لم تقطع الأخيرة علاقاتها مع الدول العربية، ولم تسحب سفراءها ولم توقف تجارتها، على رغم أن الآخرين قاموا بذلك!

الأمر الأكثر غرابة أن ضبط النفس الإيراني قد استمر طيلة ثماني سنين عجاف، لم تنتهِ إلا عندما تعب الجيش العراقي وانهارت قواه، ومع ذلك لم تقم القوات الإيرانية بتوجيه صاروخ واحد إلى أية دولة عربية بحجة مساعدتها صدام في حربه الغاشمة ضد إيران!

ولكن صدام - الذي انقلب على أشقائه حلفاء الأمس الذين أمدوه بالخيل والرجال - دخل الكويت محتلا فشطبها من على الخريطة وألحقها بالامبراطورية التي كان يريد تشكيلها لتكون المحافظة 19، لم يستطع أن يحفظ لأشقائه العرب الذين تطولهم يده أي معروف يذكر! وهكذا وفي فترة لم تتجاوز 8 أشهر هاجم كل العواصم العربية في الخليج، فاحتل الكويت وقصف الرياض والمنامة والدوحة وأبوظبي ومسقط، ولم يتوقف عن الزحف عليها إلا بعد أن تلقى الضربات الأميركية على أم رأسه في بغداد.

لقد أثبتت إيران صدقيتها وصداقتها وحبها للعرب، وأنها لم تأخذ أحدا بجريرة صدام وبجريمته، بل إن صدام نفسه كان أول من وضع ثقته في إيران التي اعتدى عليها في حرب السنوات الثماني الطاحنة، حين أرسل طائراته العسكرية والمدنية أمانة عند الإيرانيين ليضمن سلامتها من القصف الأميركي الذي كان يعرف أنه لن يستطع صده أو رده.

إيران لا تريد بنا شرا ولا تضمر لنا سوى الخير، وهي قد وقفت إلى جانب الحق العربي في استعادة فلسطين وتحرير لبنان والأراضي العربية المحتلة كافة، علاوة على أنها تقول دائما: إنها تقبل بما يقبل به الفرقاء وما يتفقون عليه في لبنان والعراق، وإنها ستدعم الاستقرار في هذه الساحات.

إيران تضع ثقتها فينا نحن العرب، وتمد إلينا يد الأخوة الإسلامية، وتقف في الصف الأمامي ضد هيمنة المشروع الصهيوني - الأميركي في المنطقة، الذي يبدي استعداده للتغاضي عن كل ما تقوم به إيران إن هي قبلت فك الارتباط مع المشروع العربي المقاوم في المنطقة، ورضيت بالشرق الأوسط الكبير، الذي تكون فيه «إسرائيل» سيدة الجميع.

خلاصة القول: نحن العرب بحاجة إلى إيران قوية وعزيزة؛ كيلا نؤكل يوم أُكِلَ الثور الأبيض، فتعالوا ننتصر لإيران قبل فوات الأوان، وقبل أن يبيعنا الأميركيون لـ «إسرائيل» برخص التراب وأبخس الأثمان!

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1643 - الثلثاء 06 مارس 2007م الموافق 16 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً