العدد 1669 - الأحد 01 أبريل 2007م الموافق 13 ربيع الاول 1428هـ

«الشرق الأوسط» والاجتياح الدبلوماسي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

شبكة اتصالات بادرت إلى اتخاذها مجموعة وفود أوروبية وأميركية مع دول «الشرق الأوسط». وكل الاتصالات تستهدف جس نبض إمكانات البحث عن حلول لمشكلات المنطقة. فالحركة تشبه استطلاع الرأي التي تسبق عادة اتخاذ خطوات ميدانية، وهي أقرب إلى استكشاف الأجواء التي عزمت بعض الدول والأحزاب إجراءها لمعرفة درجة السخونة والبرودة قبل التحرك بهذا الاتجاه أو ذاك.

حتى الآن لا توجد خريطة طريق للاتصالات وبعضها جاء بمبادرة شخصية ولا تحمل معها تصورات معينة. المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بدأت زيارتها للمنطقة لدراسة إمكانات إعادة إحياء اللقاءات الفلسطينية - الإسرائيلية في ضوء التوافق الفلسطيني على تشكيل حكومة وحدة وطنية. الوفد الإيطالي توجه إلى الرياض للاطلاع على خلفيات المبادرة العربية التي أعيد طرحها في القمة العربية. رئيسة الكونغرس الأميركية النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي تتجه إلى المنطقة على رأس وفد يضم 27 شخصية. ثلاثة أعضاء جمهوريين في الكونغرس توجهوا إلى دمشق برئاسة السيناتور فرانك وولف. السيناتور الفرنسي الديغولي فيليب سيزور عاد من دمشق بعد زيارة عقد خلالها لقاءات مع مسئولين سوريين.

هناك إذا شبكة من الاتصالات واللقاءات والزيارات التي تأتي وتغادر لتأتي بعدها موجة أخرى من الوفود للاستطلاع والاستماع ونقل رسائل شفهية أو القيام بجولة على مناطق ومخيمات بذرائع إنسانية أو سياسية. فالمنطقة تحولت في السنة الأخيرة إلى ساحة للتحركات الدبلوماسية بعد أن شهدت ساحاتها في السنوات الخمس الماضية تحركات عسكرية وتهديدات بالغزو أو تعديل أنظمة أو تنظيم سياسات.

الانتقال من حال الاجتياح العسكري إلى حال الاجتياح الدبلوماسي يكشف عن وجود متغيرات في أسلوب التعامل مع القضايا العربية والإقليمية. فبعد أن قادت الولايات المتحدة سلسلة معارك عسكرية وميدانية ترافقت مع تهديدات بالتقويض وفرض الإصلاح بالقوة أو تغيير الأنظمة بدأت تظهر في الأفق السياسي موجة دبلوماسية تحاول رسم تصورات ليست متطابقة مع تلك الاستراتيجية التي قادتها إدارة جورج بوش في التعاطي مع أزمات «الشرق الأوسط» عقب وقوع هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

العالم كما يبدو أخذ يتغير جزئيا باتجاه لا ينسجم مع تطلعات تيار «المحافظين الجدد». وهناك مجموعة أصوات بدأت تصدر من اتجاهات مختلفة تطالب واشنطن أو تحثها على البحث عن أدوات جديدة تساعد الإدارة على ابتكار وسائل أكثر مرونة في التعاطي مع مشكلات مزمنة.

الاتحاد الأوروبي أظهر اختلافه مع السياسة الأميركية في أكثر من مكان. بعض دول الاتحاد وافقت على فك الحصار عن الشعب الفلسطيني. وبعض دول أوروبا أيد حكومة الوحدة الوطنية ودعم «تفاهم مكة». وبعضها الآخر قرر استئناف الدعم المالي وإرسال المساعدات. وهناك من اتخذ مواقف تشير إلى نوع من الانفتاح على الحكومة والامتناع عن توسيع دائرة الاتصالات لتشمل وزراء حماس.

هذه المواقف الأوروبية باتجاه فلسطين تشير إلى وجود بداية خلخلة في سياسة الاتحاد على مستويين: الأول رفض الانحياز الكامل للتوجهات الأميركية. والثاني رفض الانصياع الكامل لقرارات الاتحاد المركزية أو المشتركة.

الأمر نفسه يمكن ملاحظته في موضوع العلاقة مع سورية. فالاتحاد الذي أيد جزئيا إعادة إحياء المبادرة العربية وجد في الانفتاح على دمشق خطوة ضرورية ولابد منها لاستكشاف مختلف زوايا الدائرة.

دبلوماسية الاحتجاج

أوروبا إذا بدأت تتحرك جزئيا خارج المظلة الأميركية. وهناك بعض دول الاتحاد بات في موقع مضاد لسلوك واشنطن وأسلوب إدارتها للصراع أو الأزمات. هذا الموقف الأوروبي ليس جديدا ولكن عوده أخذ يشتد في المدة الأخيرة وخصوصا بعد ظهور بوادر انشقاق في السياسة الأميركية نفسها نتيجة الانقلاب الانتخابي الذي حصل في الكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

السياسة الأميركية أيضا دخلت في مرحلة التخلخل ولم تعد موحدة أو متماسكة على دعم استراتيجية تيار «المحافظين الجدد». وهذا التخلخل في التوجهات العامة يعكس نمو ازدواجية في السلطة بين إدارة الرئاسة وإدارة الكونغرس. واحتمال تطور هذه الازدواجية مسألة واردة في السنتين المقبلتين في اعتبار أن الولايات المتحدة مقبلة على معركة كبيرة لاختيار الرئيس الجديد. ومثل هذه المعركة تتطلب من كل فريق إظهار مهارته السياسية في التعامل مع قضايا مزمنة ومعقدة وشائكة وهي في معظمها تقع في منطقة «الشرق الأوسط».

هناك إذا متغيرات لافتة على صعيد الحركة الدبلوماسية الدولية وتحديدا تلك التي تعبر عنها موجات الوفود المختلفة الآتية من الولايات المتحدة وأوروبا. وهذه المتغيرات لا تصب في مجموعها العام في دائرة الرئيس بوش الذي أظهر غضبه أحيانا وانزعاجه في أحيان أخرى من تلك الاتصالات واللقاءات التي يرى أنها تضعف الموقف الأميركي وترسل إشارات متضاربة للقوى المعنية بالأزمات مباشرة أو مداورة.

إدارة واشنطن أصبحت في هذه الأيام في موقف صعب ولا تحسد عليه. فهي تتعرض لضغوط داخلية من مجلسي النواب والشيوخ ولم تعد خطوات بوش خارج المحاسبة أو المراقبة. وهي أيضا تتعرض لضغوط أوروبية لا تقتصر على فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإنما أخذت تمتد إلى الدول الحليفة للولايات المتحدة تقليديا مثل بريطانيا التي تعاني الآن من مشكلات إضافية بعد إقدام طهران على احتجاز 15 بحارا. كذلك ألمانيا في عهد ميركل لم تعد مادة طيعة تخضع للتوجهات الأميركية. فالمستشارة أظهرت سلسلة مواقف تتصل بأزمات «الشرق الأوسط» لا تتوافق كليا مع تصورات بوش.

إلى ذلك، هناك الخلافات المستمرة والمتراكمة بين روسيا وأميركا على الكثير من النقاط الساخنة منها تمس أمن موسكو القومي مباشرة. وهناك أيضا خلافات مسكوت عنها بين الصين والولايات المتحدة وهي تتناول الكثير من القطاعات التجارية والأمنية والعسكرية.

كل هذه الخرائط في السياسة الدولية تفسر إلى حد كبير الأسباب الموجبة لتلك اللقاءات والتحركات الدبلوماسية التي تشهدها المنطقة من مصر والسعودية إلى الأردن وفلسطين وانتهاء بسورية ولبنان. فالموجات هذه هي نتاج تلك الانقسامات التي حدثت في الولايات المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي وبين أوروبا وأميركا. فالانقسامات العميقة التي ظهرت فجأة على سطح العلاقات الدولية تكشف عن وجود بداية خلخلة في التحالفات قد تؤدي إلى حدوث متغيرات فيها وانتقال أحزاب أو دول من اتجاه إلى آخر.

حتى الآن لم ترتسم معالم نهائية للتحولات ولم تتوضح مقاصد دبلوماسية الاحتجاج. فكل ما يحصل مجرد إشارات تحمل معها مضامين مغايرة عن فترة سابقة. وهذه الإشارات لم تتجاوز في بعدها العام حدود جس النبض والتعارف واستكشاف طبيعة المنطقة واضطراب الأجواء وانتقالها السريع من ساخن إلى بارد أو من بارد إلى ساخن. فكل الوفود الأميركية والأوروبية عبّرت عن امتعاضها عن سلبيات مرحلة سابقة في طريقها إلى الاضمحلال والخروج من الساحة، ولكنها في معظمها لم تقدم طروحات جديدة أو اقتراحات مختلفة جذريا. فاللقاءات تظهر تصورات نقدية لاستراتيجية تقويضية أورثت المنطقة مشكلات إضافية ولم تنجح في معالجة أزمة واحدة، ولكنها لم تتطور تلك الملاحظات من سياق النقد إلى وضع تصورات بديلة لقضايا المنطقة.

هناك إذا حركة احتجاج دبلوماسية أميركية وأوروبية على استراتيجية «المحافظين الجدد» في واشنطن. وهذه الحركة أبدت ملاحظاتها النقدية على سلبيات السياسة الدولية للولايات المتحدة أو اعتراضاتها على سلوكيات فوقية اعتمدها «البيت الأبيض» وسيلة وحيدة للتغيير والتعديل. ويبقى السؤال: هل تنجح حركة الاحتجاج الدبلوماسية في توليد استراتيجية دولية بديلة ترسم معالم طريق جديد للتعامل مع قضايا المنطقة بدءا من فلسطين ولبنان وانتهاء بالعراق وإيران؟

الإجابة تحتاج إلى وقت حتى تتبلور في صيغة متكاملة أو نهائية. فالاحتجاج الراهن هو إشارة واضحة لوجود مثل هذا الاحتمال. كذلك يكشف الاحتجاج عن وجود حركة اعتراض على سياسة لم تنتج سوى الكوارث والسلبيات. كذلك يعكس الاحتجاج ذاك الضعف السياسي المركب من ازدواجية سلطة في أميركا وازدواجية علاقات وتحالفات وتوجهات في التعامل مع قضايا «الشرق الأوسط».

هذا الضعف السياسي المركب أعطى فرصة لقوى الاعتراض في أميركا وأوروبا على التحرك الدبلوماسي وإبداء ملاحظات نقدية أو التعبير عن توجهات مغايرة... إلا أنه ليس كافيا للبناء عليه. فهناك الكثير من الخطوات التي لابد من اتخاذها وهي في جوهرها تتجاوز الاحتجاج على مواقف وتتطلب إعادة صوغ للاستراتيجية الدولية وخصوصا حين يتعلق الأمر بقضايا عادلة من فلسطين إلى العراق.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1669 - الأحد 01 أبريل 2007م الموافق 13 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً