العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ

مطربات الكليبات ينافسن الأمهات على القدوة

الأنوثة المبكرة... تقتحم المجتمعات العربية

ليس من المستغرب الآن أن نرى فتيات صغيرات يوجدن داخل مراكز التجميل أو صالونات تصفيف الشعر، وبلمحة واحدة إليهن نكتشف أنهن أطفالا يحاولن تسلق درجات الأنوثة مبكرا، وهي بحق ظاهرة اجتماعية جديدة كشفتها دارسة أوضحت أنها تسود في المجتمعات العربية وخصوصا الخليجية، إذ تشهد هذه المجتمعات إقبالا على مراكز التجميل من قبل فتيات صغيرات السن ما بين المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن الأسباب التي تقف وراء الظاهرة «الأنوثة المبكرة» وهل هي فعلا حقيقة تشعر بها فتياتنا الصغيرات، أم أنه مجرد تقليد وتشبه بمن هن أكبر. بسنت باسم طفلة في الصف السادس الابتدائي تقول: «أنا أعشق الذهاب إلى صالون تصفيف الشعر (الكوافير)، وقد حدث ذلك لأول مرة منذ عام، عندما اكتشفت وجود صالون تحت العمارة التي تقطن بها جدتي، وكلما ذهبت إلى جدتي أذهب إلى الصالون، وأقوم بطلب تسريحات معينة، وأحيانا أحضر معي بعض إكسسوارات الشعر وأجعله يثبتها لي على شعري لأنني أهوى ذلك، وأشعر كلما شاهدت مطربة ما في الفيديو كليب تظهر بنيولوك جديد، أنني أريد أن أقوم بتقليدها، لأنه بصراحة مطربات الفيديو كليب هم أصحاب الفضل في تعليمنا أحدث صيحات الموضة في الملابس أو في تسريحات الشعر أو الإكسسوارات، وأنا أتابعهن جيدا وأترقب كل جديد منهن».

قصة أصالة

أما أوليفيا رزق الله في الصف الرابع الابتدائي فتقول: «أنا كنت أذهب لعمل شعري فقط في المناسبات كالأعياد، ولكن منذ الصيف الماضي أصبحت أهوى الذهاب إلى الكوافير بصفة دورية، نحو مرتين في الشهر مع والدتي، وأقوم بعمل شعري وشراء شرائط للشعر تباع في هذه الصالونات، وكذلك إكسسوارات مقلدة لما تلبسه فتيات الإعلانات، وفعلا أصبحت هواياتي هي جمع كل جديد من الإكسسوارات التي تستخدمها موديلات الإعلانات أو مذيعات القنوات الفضائية، وأرتاد كثيرا المحلات أنا وصديقاتي للبحث عن هذه الإكسسوارات التي يضعهن على شعورهن، كذلك أتتبع قصات الشعر الجديدة التي تقوم بها مطربات الكليبات، فمثلا كانت تعجبني قصة شعر أصالة، وكانت هذه القصة مشهورة جدا بالاسم لدى محلات تصفيف الشعر، فيكفي القول إنني أريد قصة أصالة، فيقوم المصفف بها من دون أن يسألني عنها، كذلك تعجبني قصة شعر نانسي عجرم كثيرا وسأذهب قريبا لأقص شعري مثلها». ولم تكتفِ أمل عبدالله في الصف الثاني الإعدادي بالذهاب إلى مراكز التجميل لعمل شعرها فقط، ولكنها تقول أذهب لعمل أشياء كثيرة منها شعري، وكذلك عمل «باديكير» و «مانيكير» و «تقليم أظافري»، وأقوم بعمل كل ما تقوم به والدتي، لأنه ليس عيبا أو حراما أن أهتم بنفسي وأقوم بتهذيب شكلي، لأن هذا هو الطبيعي، وكل الفتيات الآن يفعلن ذلك وأمي أيضا تعلمني كيف أهتم بنفسي وبجمالي منذ صغري.

ثقافة الجمال

إحدى الأمهات طرحنا عليها التساؤل فقالت: «المجتمع الآن تغير، وأصبحت الفتاة التي تقبع داخل جدران البيت وتمنع مما تفعله أقرانها تعتبر بعيدة عن تطور المجتمع ومتغيراته، لذلك فلابد من مسايرة العصر بكل ما هو جديد عليه، طالما أنه لا يمس الأخلاق والتقاليد في شيء، وليس عيبا أن نعلم بناتنا منذ صغرهن ثقافة الجمال، وإذا لم تتعلمها ابنتي من خلالي وتحت رقابتي، فهي حتما ستسعي إلى تتعلمها خلسة من وراء ظهري، وهذا هو الخطأ بعينه، كما أنه لا يجب أن تشعر بناتنا بالحرمان من تلك السلوكات الجمالية التي تقوم بها زميلاتهن وأصدقائهن».

أما نائلة سعيد أم لبنتين في الابتدائي والإعدادي ترفض ما تقوم به البنات الصغيرات، فتقول: «إن هذه مرحلة عمرية خطيرة ولا يجب أن تترك فيها بناتنا عرضة لتأثير مطربات الفيديو كليب من صاحبات كليبات الحصان أو السيارة أو الشيكولاته، لذلك يجب أن تكون هناك تدخلات واعية من قبل الأمهات حتى تقف في مواجهة المؤثرات الخارجية، والخطأ هو أن تتساهل الأمهات والآباء في ذلك».

موديل الإعلان

وعن أسباب هذه الظاهرة تقول أستاذ علم الاجتماع بآداب عين شمس حنان سالم: «إن هذه الظاهرة تحدث غالبا في الفئة العمرية ما بين نهاية مرحلة الطفولة وبداية المراهقة، التي تزيد فيها الرغبة في إثبات الذات ولا يكون ذلك إلا من خلال التمثل بقدوة ما، ولكن للأسف لم تعد القدوة الآن تتمثل في الأم، بل خرجت من نطاق جدران البيت أو المدرسة لتصبح القدوة الآن موديل الإعلان أو مطربة الكليب أو مذيعة القناة الفضائية، وليست الأم أو المدرسة، لأنه طبعا الإبهار الذي تظهر به تلك القدوة الجديدة له تأثير أقوى وخصوصا على الفتيات صغيرات السن، كما أننا نجد أن تلك الكليبات تذاع في اليوم الواحد أكثر من 50 مرة على مستوى الفضائيات، وجلوس الفتيات وخصوصا في فترة الإجازة أمام شاشات الفضائيات، يجعل هذا التأثير إيجابيا ويفوق تأثير الأم، وخصوصا أن الأم تكون في تصور الفتاة الصغيرة أو المراهقة هي مصدر للإزعاج لما تقدمه من نصائح كثيرة أو ممنوعات». وتضيف سالم «لا مانع من أن تقدم الأم لابنتها هذه السلوكات ولكن بأشكال مشروعة، ومن خلال أنماط تناسب سنها، فلا تمانع لدرجة الحرمان ولا توافق لدرجة التساهل، بل تدعم الأم في الابنة منذ صغرها أن الجمال ليس معناه ابتذالا أو مبالغة، بل هو تهذيب واهتمام بالمظهر العام وبالنظافة الشخصية، وأن كل مرحلة عمرية لها جمالها وطرق الاهتمام به، هذا بالإضافة إلى تدعيم العامل الديني والأخلاقي من دون كبت وليس مجرد فرض أوامر وممنوعات، لأن هذه الفئة العمرية ترفض الانصياع وراء الأوامر والنصائح الجامدة، بل لابد من اللين والإقناع والمناقشات الجادة، وأن يكون هناك حوار دائم بين الأم والابنة، كل ذلك بالتأكيد سيحد من هذه الظاهرة».

اتجاه جديد

ويرجع أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق وائل أبوهندي هذه الظاهرة إلى انفتاح الأسرة خارج جدرانها، فيقول: «طبيعي أن تكبر الفتاة الصغيرة قبل الأوان، لما تجده حولها باستمرار من مؤثرات كلها تخاطب الجمال والأنوثة، ليس فقط من خلال مطربات الفيديو كليب أو المذيعات، ولكن أيضا من خلال الإعلام كله». ويشير إلى أن كل البرامج والإعلانات تتحدث عن فنون الجمال وصفوفه وكيفية الوصول للمرحلة المثلي منه، وهذا أيضا يسود القنوات التجارية التي تعرض كل منتجاتها وبضائعها من أجل الحصول على الجمال الأفضل والرشاقة المثلي، وهناك قنوات خصصت للرشاقة والموضة، وأسرار التجميل ووضع أدوات التجميل، وأصبحت هذه القنوات متاحة في كل بيت على مستوى المجتمع العربي كله، فطبيعي أن يلفت هذا انتباه الفتاة الصغيرة التي نضج عقلها وتطور مع تطورات العصر، وأصبحت تسبق سنها، وبالتالي تفتحت مشاعرها مبكرا وتطورت حتى أصبحت تشعر بأنوثتها أيضا مبكرا من خلال ما تراه، وما تسمعه حولها دائما. ويضيف أبوهندي: «وهناك فتيات أطفال يشعرن بأنوثة مبكرة، حتى قبل أن يحدث هذا بيولوجيا، ولكن تطور المجتمع يفرض تأثيره على كل أفراده، وطبيعي أن الأولى بهذا التأثير هن صغيرات السن، لذلك لابد أن يصاحب هذا التطور وما يليه من تأثيرات اتجاه جديد في التنشئة والتربية، ليس في البيت فقط ولكن في المدرسة أيضا، حتى توجد الفتيات في بيئة صحية تساعدهم على مواجهة ظروف تلك التغيرات الجديدة، وما يصاحبها من مثل هذه الظواهر، ولابد أن تسعي المدارس إلى تحقيق بذلك عموما، للحد من هذه الظاهرة وتوجيهها في الاتجاه السليم.

العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً