العدد 1678 - الثلثاء 10 أبريل 2007م الموافق 22 ربيع الاول 1428هـ

إيران قوة نووية صناعية... أين المشكلة؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إعلان الرئيس محمود أحمدي نجاد أن إيران أصبحت «في مصاف البلدان التي تنتج الوقود النووي على نطاق صناعي» دفع الخلاف بين طهران ودول مجلس الأمن خطوة إلى الأمام. فالدول الكبرى كانت تتوقع أن تتخذ إيران إجراءات تتكيف مع فقرات القرارين 1737 و1747 التي تدعو إلى وقف التخصيب والبدء في مفاوضات تضع النشاط النووي تحت الرقابة الدولية. وما حصل في 9 أبريل/ نيسان جاء يخالف التوقعات الدولية. فالإعلان رسميا عن اكتمال الدورة النووية السلمية اعتبرته دول مجلس الأمن الكبرى خطوة استفزازية وتثير القلق ويتطلب مراجعة دولية للبحث في الإجراءات التي ينبغي اتخاذها في هذا الشأن.

ما هي الخطوات التي يمكن أن تقوم بها الدول الكبرى للرد على الإعلان الإيراني؟ وكيف يستطيع مجلس الأمن معالجة الموقف واحتواء تداعياته؟

من الناحية النظرية طهران لم تخالف القانون الدولي الذي يضمن لها حق البحث عن مصادر بديلة للطاقة لحماية اقتصادها وضمان مستقبل أجيالها. ومن الناحية التطبيقية لاتزال طهران تكرر يوميا التزامها بتلك الحقوق التي تنص عليها المعاهدات والاتفاقات. فهي أكدت مرارا عدم وجود «خطة سرية» أو «مشروع عسكري» أو برنامج غير سلمي يتجاوز الخطوط الحمر.

المشكلة أن الدول الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة، تصر على وجود خطة مبيتة لا تعلنها طهران. وأن الخطة تطمح الى تطوير البرنامج النووي من درجته السلمية إلى مستوى أعلى يسمح لها بعد خمس أو عشر سنوات بإنتاج قنابل نووية.

المشكلة تبدأ في التشكيك الدولي بالنوايا الإيرانية. فالقوى الكبرى لا تثق بالنظام القائم حاليا وتريد منه تقديم تنازلات قاسية تمنع عنه احتمال تقدمه في المستقبل في مجال إنتاج الطاقة السلمية. وبناء على انهيار جسور الثقة بين الطرفين أسست الولايات المتحدة على «نظرية المؤامرة» خطة مبرمجة قامت على مجموعة بيانات افتراضية، منها: المشروع يهدد أمن «إسرائيل» ودول المنطقة، يزعزع الاستقرار ويثير القلق والمخاوف، ويهدد السلم العالمي وأوروبا. وانطلاقا من هذه المخاوف اجتهدت واشنطن في تدويل الملف النووي ونقله من الوكالة الدولية للطاقة إلى مبنى الأمم المتحدة.

نجاح واشنطن في خطتها المبرمجة أضعف موقف إيران الدولي وباتت كل خطوة تتخذها طهران في الاتجاه الصحيح تعتبر مخالفة تثير القلق وتستفز المشاعر. وهذا بالضبط ما حصل حين أعلن الرئيس الإيراني خطوة النجاح في التصنيع النووي السلمي.

إذا كيف سترد الدول الكبرى؟ وما هي الخطوات التي ستقوم بها؟ وكيف يستطيع مجلس الأمن احتواء الموقف وعدم انزلاق الملف إلى تلك المادة التي تجيز استخدام القوة؟

حتى الآن كل الفقرات التي وردت في القرارين الدوليين تمنع استخدام القوة وتميل إلى تأكيد العودة إلى المفاوضات بشرط وقف التخصيب. ولكن مسألة «وقف التخصيب» التي تكررت في القرارين تبدو غامضة ولا تحدد مجال وقف التخصيب. وهذا الغموض يعطي ذريعة للولايات المتحدة لفتح أوراق الملف على كل الجهات. فأي تخصيب يجب أن يتوقف. إيران تقول إنها لا تملك خطة مشروع لإنتاج الطاقة لأغراض عسكرية وبالتالي فإن مسألة «وقف التخصيب» لا تعنيها في اعتبار أن مشروعها يطمح لإنتاج الطاقة السلمية.

أين المشكلة؟

أين المشكلة إذا؟ المشكلة في التفسير الأميركي للقرارين وذاك التأويل الذي يحاسب طهران على النوايا والفرضيات والاحتمالات لا على الوقائع الميدانية. والمشكلة أيضا أن أميركا باتت الآن في موقع الأقوى دوليا لأنها تمارس الضغط على طهران استنادا إلى الشرعية الدولية. فواشنطن أدخلت مجموعة شروط تضمنتها فقرات القرارين تشير بشكل غير واضح إلى مسألة «التخصيب» ولا تميز بين السلمي والعسكري. بل هناك فقرات ملتبسة تستهدف برنامج الصواريخ البالستي والمعاهد العلمية والجامعات والمختبرات البحثية.

الغموض والالتباس والمحاسبة على النوايا شكلت نقاط قوة للولايات المتحدة وبدأت باستخدامها للضغط على طهران تحت سقف القانون الدولي. وهذا التطور في التعامل مع الملف الإيراني يمكن أن يشكل قوة إسناد تدفع دول مجلس الأمن الى التحرك لإصدار مشروع قرار جديد يؤكد الفقرات السابقة ويضيف عليها مجموعة نقاط تزيد الضغط وتكبّل تحركات طهران في المجال المتنازع عليه.

والسؤال: هل يبقى التنازع على الملف تحت السقف الدولي وفي الإطار القانوني أم أن هناك نوايا أميركية مبيتة تريد من مجلس الأمن الموافقة على تمرير تلك المادة التي تجيز استخدام القوة؟

الاتجاه العام كما يبدو من الأفق الدولي البعيد لايزال يدور في إطار المناوشات السلمية. فالعالم غير مستعد لرؤية سيناريو عسكري جديد في مسرح «الشرق الأوسط». وأوروبا المتشددة في تعاملها مع الملف النووي ليست في وضع يسمح لها بإرسال إشارة خضراء لاستخدام القوة. وروسيا التي سرّبت سابقا سيناريو ضربة «6 أبريل» أوضحت موقفها مرارا أنها لا تريد مشاهدة معركة عسكرية على حدودها الجنوبية وضفاف بحر قزوين الغني بالنفط. والصين أيضا ليست بعيدة عن فضاءات التوجهات الأوروبية - الروسية.

القرار الأخير يبقى في الولايات المتحدة ومدى استعداد أو قدرة إدارة جورج بوش على خوض مواجهة عسكرية غير مرخصة دوليا وتفتقد موافقة روسيا والصين ولا تملك ذاك الغطاء الأوروبي المطلوب لتبرير ضربة جوية/ صاروخية لمواقع التصنيع والمختبرات. فهل تستطيع واشنطن المغامرة في اتجاه قرار الهجوم وشن تلك الحرب؟

العوامل الدولية والإقليمية مضافا إليها ظروف بوش الداخلية ومناكفاته اليومية مع الكونغرس والحزب الديمقراطي تشير كلها إلى اتجاه تغليب الخيار السلمي على العسكري.

الخيار العسكري يتطلب مجموعة شروط منها أن توثق الولايات المتحدة اتهاماتها لطهران وتنجح في إقناع دول مجلس الأمن بمعلوماتها وخياراتها وتدفعها نحو إصدار قرار جديد يسقط تلك المادة التي تمنع استخدام القوة لتطبيق الفقرات.

المعركة إذا لاتزال حتى الآن تدور في إطارها السلمي وتحت السقف الدبلوماسي. فإيران لم تخالف الشرعية الدولية لأن «التخصيب» الذي تقوم به لا يتعدى النشاط السلمي. وواشنطن لم تقدم حتى الآن تلك الأدلة الدامغة التي تؤكد اتهاماتها وفرضياتها. لذلك يتوقع أن تكون خطوات الرد الأميركية في الأسابيع المقبلة ضمن المهلة الزمنية وربما تنجح إدارة بوش في تشديد بعض فقرات العقوبات وزيادة مستوى الرقابة الدولية على النشاط الإيراني.

هذا الاحتمال السلمي - الدبلوماسي مشروط بمجموعة عوامل ليست بالضرورة موضوعية. ومن تلك الشروط أن تضمن الدول الكبرى عدم وجود نوايا سرية ذاتية أو سيناريو آخر تتداوله الإدارة الأميركية في «البيت الأبيض». فهذه الإدارة اعتمدت منذ ست سنوات سياسات تقويضية خالفت الشرعية الدولية واتجهت نحو صناعة قرارات خاصة بها ساهمت في تعديل الزوايا وإثارة الاضطرابات في «الشرق الأوسط» وجرجرة المنطقة إلى الفوضى وعدم الاستقرار.

إعلان أحمدي نجاد «إنتاج الوقود الصناعي» دفع الخلاف بين طهران ودول مجلس الأمن خطوة إلى الأمام. ولكن الخلاف في إطاره العريض لايزال يتحرك تحت سقف الشرعية الدولية. فهل يلجأ المجلس إلى تشديد العقوبات أم يكتفي بهذا القدر من الفقرات والقرارات أم يدفع التعارض إلى مستوى يتجاوز تلك المادة التي تحرم استخدام القوة العسكرية؟ أسئلة كثيرة يمكن طرحها وكلها مرهونة بمدى استعداد أميركا للتكيف مع المتغيرات وأسلوب تعاملها مع المستجدات التي طرأت على توازنات المنطقة ومواقع دولها وثقلها الإقليمي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1678 - الثلثاء 10 أبريل 2007م الموافق 22 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً