العدد 1678 - الثلثاء 10 أبريل 2007م الموافق 22 ربيع الاول 1428هـ

البحث عن نظام انتخابي عادل للبحرين

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

أي نظام انتخابي أفضل للبحرين ولتمثيل شعبها؟ إن كنت عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة تعتقدان منذ الوهلة الأولى بأن الموضوع نخبوي ومعقد و «غلج» ولا يخصكم بل يخص الخبراء ففكروا ثانية لأن للنظام الانتخابي المتبع تأثيرا مباشرا على تمثيلكم من عدمه وعلى درجة صدق التمثيل بالنيابة عنكم وأفكاركم وتطلعاتكم. فقد تبين أن النظام الانتخابي هو المؤسسة السياسية الأكثر عرضة للتلاعب، سواء للأفضل أو للأسوأ، وأن له أهمية بالغة في قضايا الحاكمية والحكم الصالح، كما أن عملية اختياره عملية سياسية بحتة تلعب المصلحة السياسية فيها دورا دائما وأساسيا، بل أحيانا الدور الرئيسي والوحيد. اليوم ومع تطور التجربة الإنسانية في تقييم عدالة النظم الانتخابية التي ازدهرت منذ نهاية الثمانينات، يتزايد اهتمام خبراء وإداريي الانتخابات لإدخال التجديدات التي تزيد ثقة الناس والشركاء السياسيين للمشاركة السياسية وفق مبادئ الديمقراطية. وطبعا من مصلحة الناس في أي مكان والبحرين تبني النظام الذي يوفر الحد الأقصى من التمثيل لكل أطياف المجتمع وفئاته الاجتماعية خصوصا الأقلية منها، فيما يشبه المرآة المجتمعية، حرصا على التوافق الاجتماعي والتعددية واحترام الآخر... إن المراجعة الواعية للنظم التمثيلية للناس بدءا من النظام الانتخابي وقانون الانتخاب وتحديد الدوائر الانتخابية مرورا إلى العمليات والأحكام المرافقة أضحت أساسية لتحقيق الديمقراطية. ويقر الخبراء بأنه بالإمكان تصميم نظم انتخابية تحقق التمثيل المناطقي وفي الوقت نفسه تكون تناسبية، وتحفز على تكوين تحالفات بين الأحزاب والجماعات وعلى الانتشار الواسع، وتضمن تمثيل النساء.

بشكل مبسط يقوم النظام الانتخابي، بتحويل الأصوات المدلى بها في انتخاب عام إلى مقاعد مخصصة للأحزاب والمرشحين، ويتضمن متغيرات عدة منها: الصيغة الانتخابية بمعنى هل يعتمد صيغ الغالبية أم صيغ التمثيل النسبي، والصيغة الحسابية المستخدمة لحساب المقاعد، وعدد المقاعد في الدائرة. إلا أن المبدأ الرئيسي هو التناسبية.

إن نظام الانتخاب البحريني منذ العام 2002م هو وفق نظام الجولتين بدوائر فردية وصوت واحد للناخب، ضمن عائلة نظم الغالبية التعددية وتم تقسيم المملكة إلى 40 دائرة انتخابية بعد أن كانت 20 دائرة في انتخابات 1973م، وبذلك تم تفتيت البلاد إلى مناطق أصغر وأصغر في بلد صغير أصلا، الأمر الذي أدى إلى تشجيع التصويت الجماعي العائلي والقبلي والمذهبي والمناطقي، واستخدام المال السياسي فضلا عن سهولة التلاعب برسم الدوائر وتحديدها وفق اعتبارات الحكم. ومن بين عيوبه تكاسل الناخبين للخروج في المرة الثانية والكلفة العالية والضغط الكبير على إدارة الانتخابات للفارق الزمني بين الجولتين. كما أن النتائج غير تناسبية في الغالب في سائر البلدان المطبقة، إذ تذهب أصوات نحو نصف الناخبين هدرا بسبب عدم فوز مرشحهم مقابل المرشح الفائز. ولا يعبأ هذا النظام بالأحزاب المتوسطة والصغيرة ذات البرامج الانتخابية المتميزة بل يشجع على هيمنة الحزب الأكبر ولو بغالبية قليلة.

يصل عدد نظم التمثيل النسبي إلى 72 نظاما وهي تقلص التفاوت بين حصة الحزب أو الجمعية السياسية من التصويت الوطني وحصته من المقاعد البرلمانية وتحصل جميع القوى السياسية الفاعلة بموجبه على تمثيل نيابي يتناسب مع حجم التأييد الشعبي الذي تتمتع به. والتمثيل النسبي الذي يقوم على التنافس بين لوائح أو قوائم في دوائر انتخابية كبرى يقلل الهدر في أصوات المقترعين لأن هناك أكثر من فائز فكل لائحة تفوز بعدد من المقاعد النيابية يوازي النسبة المئوية التي تنالها من أصوات المقترعين في الدائرة. إن عدم سيطرة الحزب الواحد يحقق العدالة ويدمج الأحزاب الأصغر عبر مقاعد قليلة في تمثيل أفضل للمجتمع. ولا توجد أصوات ضائعة ما يشجع الناخب على المشاركة، والأقليات تصل إذا كان تقسيم الدوائر عادلا. إن التمثيل النسبي أيضا يشجع على الاستقرار السياسي والاقتصادي على المدى البعيد كما تشير تجربة البرلمانات في أوروبا الغربية، إذ لا يوجد حزبان رئيسيان متصارعان، بل مجموعة ائتلافية تتعاون للتخطيط الوطني.

وعندما لا تكون الحياة الحزبية متبلورة يتاح للأحزاب الترشيح عبر القوائم على أساس الاتفاق الفكري والرؤى إلا إذا كانت الدائرة صغيرة بشكل غير معتاد، أو كانت النسبة الدنيا المطلوبة من الأصوات مرتفعة.

وتتفاوت النظم في طريقة الاقتراع المتاحة للناخب، كأن ينتخب أحزابا أو أفرادا أو الاثنين معا، وكذلك تتفاوت في أحجام الدوائر الانتخابية بين دائرة انتخابية واحدة أو دوائر متعددة وكلما زاد عدد الممثلين في الدائرة، وقلت الحدود الدنيا المطلوبة للتمثيل في الهيئة التشريعية كان النظام الانتخابي أكثر تناسبية.

إن نظم التمثيل النسبي من أكثر النظم اختيارا في الديمقراطيات الجديدة تستخدمه فيما يزيد على 23 ديمقراطية راسخة وتسود في أمريكا اللاتينية وأوروبا الغربية وفي ثلث الدول الأفريقية ومن أمثلة هذه البلدان: ألمانيا، هولندا، الدنمارك، جنوب إفريقيا، نيوزيلندا، ناميبيا، وهي تشجع على إدخال أوسع الفئات الاجتماعية في تشكيل اللوائح الانتخابية، لاسيما المشاركة النسائية. كما تقود إلى رفع نسبة المشاركة في الحياة العامة، لأنها تضمن لجميع المقترعين عدم ذهاب أصواتهم هدرا، كونهم سيمثلون في البرلمان أيا تكن اللائحة التي اقترعوا لها. كما يساهم التمثيل النسبي بالقوائم في تحديث الحياة السياسية ورفع مستواها لأنه يحد من شخصنه الخيارات السياسية، .

ولعلكم تتذكرون نضال إخوتنا في الكويت أخيرا لإصلاح نظامهم الانتخابي وتقليص الدوائر الانتخابية إلى خمس دوائر بعد تشخيصهم للعيوب الكثيرة والسوءات والفساد والرشا المالية التي شابت عمليات التصويت في الدوائر الصغيرة في النظام القديم. وكذلك المبادرات الأهلية اللبنانية الكثيرة للتجديد والتخفيف من نظام المحاصصة الطائفية ومن بينها «المبـادرة الأهليـة لقانـون انتخـاب عـادل» التي أطلقـت برنامجـا يقـوم على التمثيـل النسبـي وكذلك التعاضد اليمني في رؤية أحزاب اللقاء المشترك التي أطلقوها قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة... علينا بدورنا إطلاق المبادرات الوطنية نحو مزيد من البحث والمعرفة في النظم والعمليات الانتخابية لاختيار ما يحقق لشعبنا تمثيلية أصدق وأوسع.

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1678 - الثلثاء 10 أبريل 2007م الموافق 22 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً