العدد 1682 - السبت 14 أبريل 2007م الموافق 26 ربيع الاول 1428هـ

تصعيد طهران النووي «تجسير» أم «تقطيع»؟

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

سواء نصبت إيران الثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي فعلا أم لم تفعل ذلك وإنما أعلنت عن قدرتها العلمية في هذا السياق كوسيلة من وسائل تقوية موقعها التفاوضي مع الغرب الذي يصر على وقف عملية التخصيب من أساسها حتى يدخل معها في مفاوضات ما، بات يعرف «بتجسير الثقة»، فالمهم أنها قررت أن تمضي قدما في عملية التخصيب إلى أقصى مدياتها السلمية التي تمكنها من إنتاج الوقود «صناعيا» ؛ أي بما يمكنها من توفير الوقود اللازم لتشغيل منشأة نووية سواء بالحد الأدنى ؛ أي ما لا يقل عن 10 آلاف جهاز أو بالحد المتوسط ؛ أي 50 ألف جهاز كما أعلن رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيراني آغازادة لتصبح قادرة على توفير هذه المادة الحياتية بصورة تجارية.

فهذا القرار بحد ذاته يعتبر تحديا من الوزن الثقيل من جانب دولة «عالمثالثية» مثل: إيران تعتبر بنظر الغرب دولة «غير ديمقراطية»! تغرد خارج السرب! ومن قبل الدول الصديقة مثل: الصين وروسيا دولة «مناكفة»! تسعى للخروج من دائرة احتكار الدول الكبرى للتقانة النووية وإنتاج الوقود النووي... وهو الواقع الذي ربما كان وراء «الإجماع» الذي تحقق ظاهرا في مجلس الأمن الدولي لمرتين متتاليتين ضد طهران بشأن فرض العقوبات عليها للحد من مثل تلك الطموحات.

هذا التحدّي هو ما لخصته طهران في الواقع عندما أعلنت صراحة بان على العالم «تقبل هذا الواقع الجديد» والانطلاق منه إلى طاولة المفاوضات لإكمال عملية «تجسير الثقة» ورفع ما تبقى من التباسات أو غموض في برنامجها السلمي. وفي غير تلك الحالة فإنها هددت بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أو كحد أدنى عدم الالتزام بالملحق الإضافي. ولسان حالها يقول: ما فائدة الالتزام من جانب واحد بهذه الاتفاقات؟! وهي الاتفاقات التي تفرض علينا واجبات ولا توفر لنا حقنا المشروع بالتخصيب وامتلاك الطاقة النووية بدورة كاملة كما تفيد روح الاتفاقات... وكل ذلك بحجة إننا دولة «غير ديمقراطية»! وبالتالي غير موثوقة وغير مضمونة! بعدم الانحراف نحو التسلّح النووي! ما الحل إذا؟

طهران تقول: إن الحل يكمن بالمفاوضات غير المشروطة وبتقديم الضمانات العينية المتبادلة حتى يتمكن المجتمع الدولي من رفع قلقه «المشروع» فيما تتمكن إيران بالمقابل من الحصول على حقها المشروع كدولة موقعة على المعاهدات الخاصة بعدم انتشار السلاح النووي.

الغربيون بالمقابل وواشنطن خصوصا يطالبون إيران بوقف نشاطها أولا باعتبارها «مشبوهة» ومن ثم الانتقال إلى مرحلة البحث في الحوافز أو المحفزات أو الضمانات العينية المتبادلة.

لكن السؤال المشروع الذي يطرح نفسه هنا هو: إذا كانت أجواء عدم الثقة المتبادلة هي السائدة، وإذا كانت إيران قد جرّبت الوقف التطوعي لعملية تخصيب اليورانيوم لمدة تقارب السنتين ولم تحصل على ما تعتبره حقها الطبيعي والمشروع، بل تلقت وعودا غير مضمونة كما تقول مقيدة بشروط سياسية ثقيلة جدا من بينها الانخراط في عملية مكافحة الإرهاب الدولية، وهو ما يعني بحسب معايير واشنطن المتأثرة بتل أبييب قطع جميع علاقاتها الاستراتيجية مع حركات التحرر وفي مقدمتها حزب الله اللبناني وحماس و... - وبالمناسبة هذا ما كان قد ورد في سلة المحفزات التي عرضها الاتحاد الأوروبي على الإيرانيين في أخر أيام عهد الرئيس السابق محمد خاتمي - فكيف لإيران إذا أن تثق بالوعود الجديدة في ظل تجربة فاشلة - كما تعتبرها - وفي ظل ظروف ترى فيها أكثرة قوة من جهة ولكن أكثر محاصرة من جهة أخرى أيضا، ومن ثم يطالبونها بنزع أوراقها التفاوضية القوية كافة قبل الجلوس على طاولة المفاوضات؟!

هذه القراءة الإيرانية هي التي دفعت ولاتزال صانع القرار الإيراني يتجّه إلى مزيد من التصلّب ومزيد من الإصرار على المضي فيما يعتبره حقه الطبيعي والمشروع من الناحية القانونية وأن يضرب بعرض الحائط كل العروض والمحفزات «النظرية» وأن يقبل بمجازفة الاستقطاب الحاد مع كل المجتمع الدولي معتبرا اللحظة التاريخية الراهنة هي اللحظة «الانعطافية» المناسبة لانتزاع اعتراف العالم به كقوة قادرة على أن تكون دولة نووية كاملة «نظريا» وفيما لو سمح لها بالتواصل الطبيعي مع العالم الخارجي دولة نووية كاملة عمليا أيضا.

فالإيراني الذي يطالب العالم «بان يتقبل الأمر الواقع الجديد» ؛أي أن يتقبل إيران القادرة على تصنيع الوقود النووي محليا ومن ثم يجلس معها على طاولة المفاوضات ،إنما يريد في الواقع التفاوض بظروف متكافئة لا بشروط استلحاقية تجعله يعود إلى المربع الأول ؛ أي المربع التابع إلى قرار الدول الكبرى التي تكون فيه هي التي تحدد معايير الثقة ومعايير أوصاف الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية!

طهران التي تعتقد ان زمن الإملاءات وتحديد المعايير في العلاقات الدولية من طرف واحد قد ولّى منذ زمن ولا مجال فيه للعودة إلى الوراء تريد فعلا «تجسير الثقة» مع المجتمع الدولي وهي تعرض آليات كثيرة لإنجاز مثل هذه المهمة من بينها تشكيل كونسوريوم دولي يضم أميركا نفسها يقوم هو الإشراف الكامل على النشاط النووي الإيراني وتحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية أيضا، إنما ترى بالمقابل بان اللجوء إلى التسييس الكامل للملف واعتبار مجلس الأمن الدولي هو المرجعية الصالحة لهذه المهمة ،إنما يعني فيما يعني تحطيم آخر الجسور المتبقية بينها وبين المتطرفين من أعضاء المجتمع الدولي المحفزين إسرائيليا لضرب طهران بذريعة أو من دونها! وبالتالي فهي ترى بأنه كما الانفتاح وإبقاء أبواب الحوار مفتوحة مع المجتمع الدولي، فإن الحزم والمضي بخطوات قوية وثابتة إلى الأمام مطلوب أيضا حتى يتم تجنيب المواجهة العسكرية الكارثية... ذلك أنها تعتقد بان المتطرفين على الطرف الآخر لا يفهمون لغة الحوار الأحادية أو المفردة، ولا يفهمون التعامل مع «الآخر» إلا عندما يبدو مصمما وقويا ولا يظهر من التردد ما يشير إلى الوهن أو الضعف... وخصوصا قد تعوّدوا على مهاجمة الضعفاء وضربهم وتصفيتهم والتخلّص منهم في المنعطفات حتى لو كانوا من أخلص الأصدقاء إليهم فكيف إذا كانوا خصوما أو أعضاء في محور الشر؟!

إنها لحظة عصيبة فعلا، والقرار الصائب فيها محل جدل ونقاش واسعين في الداخل الإيراني كما في الخارج... وصاحب القرار الإيراني يذكّر المتململين أو المعارضين أو المعترضين بالمثل الإيراني القائل: إذا ما طلب منك قول الألف ؛أي الحرف الأول من حروف الألف باء فاعلم أن عليك أن تقرأ باقي الحروف حتى النهاية..؛ أي مَنْ يتنازل عن الشيء الأول سيكون مضطرا للتنازل عن المشروع بكامله... لكن ثمة مَنْ يذكّر صاحب القرار في إيران بالمثل الإيراني الآخر الذي يقول مَنْ يقرر أن يأكل البطيخ عليه أن يتحمّل رجفة البرد التي تنتج عنه... إنها معركة إرادات يقول صاحب القرار في إيران مستعد لجميع احتمالاتها وتداعياتها!

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1682 - السبت 14 أبريل 2007م الموافق 26 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً