العدد 1683 - الأحد 15 أبريل 2007م الموافق 27 ربيع الاول 1428هـ

دبي بعد عشرة أعوام

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عشر سنوات بالتمام والكمال، تفصل الزيارة السابقة لدبي عن زيارتي الأخيرة، وهي فترةٌ ليست بالقصيرة في عمر الدول الناهضة، فكيف إذا كانت إمارة فتية متوثبة مثل دبي؟ وفي فترة تدفقاتٍ ماليةٍ ضخمةٍ كالتي يشهدها الخليج بسبب ارتفاع أسعار النفط الأخيرة؟

كثيرٌ من التغيرات الكبرى يمكن للعين رصدها بسهولة، وفي مقدمتها حركة العمران الضخمة، والجسور المعلّقة والشوارع الواسعة ذات المسارات الخمسة، والمجمّعات التجارية التي تنافس بعضها في الفخامة... على أن التغيير الذي كثيرا ما يتوارى عن الأنظار هو الذي يمسّ الإنسان.

بالنسبة إلى المواطن، هناك تغيراتٌ كبرى طرأت على حياته، وهناك تغيراتٌ أكبر ستطرأ وبوتيرةٍ أسرعَ أيضا. قبل عشرين عاما، كان يكفي أن تدخل أية وزارةٍ أو مؤسسةٍ حكوميةٍ بالكندورة (الثوب العربي) حتى يقف لك البوّاب احتراما، أما اليوم فأصبح المواطن أكثر شعورا بالضياع في بحرٍ متلاطمٍ من الوافدين، عربا وأجانبَ من مختلف الجنسيات. في العام 1980، كتب أحد الكتّاب الإماراتيين في مجلة «الأزمنة العربية» الصادرة في الشارقة آنذاك، يخاطب مواطنيه بقوله: «يا جماعة، نحن لا نزيد على 11 في المئة من سكان الإمارات»! وربما النسبة لم تتغير أو لم تقفز إلى الأعلى كثيرا، على رغم الاهتمام الرسمي بزيادة النسل بين المواطنين وتشجيع الزواج، ولكن هاجس الإحساس بالضياع أصبح أكثر إلحاحا، فالإماراتيون يتكلّمون عن تمكّن الوافدين والأجانب في البلد، مع شعورٍ كبيرٍ بالإحباط وعدم الرضا. إحدى الأمهات تتكلّم عن سوء معاملة ابنتها في مدرسةٍ خاصةٍ على أيدي مدرّسات من بني قومنا العرب، وتقول: «إنهن يعاملن الطالب المواطن وكأنه لا يفهم، ولا يمكن أن يحقق تفوّقا أو يثبت ذاته... إنها عنصريةٌ تواجهنا في بلدنا، وفي مدارسَ من المفترض أن تحترمنا على أننا مواطنون».

مسئول في إحدى الوزارات، وفي جلسةٍ أخرى، يقول: «إن الوافد الآسيوي أخذ يتنمّر الآن على المواطن الإماراتي، وإذا أصبح مسئولا وتحت إمرته مواطنون، فإنه يتفنّن في التضييق عليهم إلى درجة التحقير، وهو ما يدعو بعض الشباب إلى ترك الوظيفة في ظل هذه الظروف».

نحن لا نبرّئ المجتمع الخليجي من أمراضه، فهذه الواحات المبعثرة في الصحراء تحوّلت فجأة إلى مدنٍ حديثةٍ بفضل اكتشاف النفط، وكانت حتى الخمسينات عبارة عن قبائل متناحرة. هذا المجتمع الخارج من شظف العيش إلى بحبوحة النفط، ظهرت عليه بعض أمراض فترة «الانتقال»، فالمنزل الإماراتي المتوسط اليوم لا يخلو من خادمتين أو أكثر، وما يعنيه ذلك من اعتماد كلي أو شبه كلي للعائلة على الخدم، ينعكس حتى على تربية الأبناء. كما أصبحت المباهاة والمفاخرة وحبّ الأبهة قيما مؤثّرة في الواقع الاجتماعي، وهو ما يضع أغلالا وعراقيلَ جديدة على حركة المجتمع ونهضته الحقيقية، فضلا عما يفرضه من تغيير سلبي في القيم وتربية الأجيال الجديدة.

اليوم... هناك في دبي كلامٌ عن الارتقاء بالتعليم بعد التوسّع الكبير في المدارس والجامعات الخاصة؛ لمواجهة مشكلة «شحّة المواطنين»، وفي المقابل هناك دولٌ أخرى تعاني «وفرة المواطنين»، وبدل استثمار هذه «الميزة» وتوظيفها في النهوض بالبلد، تسعى إلى استقدام وتجنيس وتوظيف الأجانب! وفي الحالين يبقى الإنسان الضائع الذي يشعر بالغربة في وطنه، وهو ضياعٌ لا تحتويه سياسة استخدام القوة المفرطة، وفراغٌ لا تملأه كل أموال الدنيا.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1683 - الأحد 15 أبريل 2007م الموافق 27 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً