العدد 1690 - الأحد 22 أبريل 2007م الموافق 04 ربيع الثاني 1428هـ

النظرة الاجتماعية للمتدينين... الصراع نموذجا (2)

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

في المقال السابق أشرت إلى أن المجتمع ينظر أحيانا للمتدينين بعين مثالية، وكتبت أن هذه العين المثالية لا تعطي للمتدين عصمة نظرية، لكنها عملا تجعله فوق الخطأ والنزاع والتصارع، وواعدت أن أتحدث في بعض آثار هذه النظرة النرجسية للمتدينين.

نتيجة النظرة المثالية

وفقا لهذه النظرة التي يؤمن بها قسم كبير من أبناء المجتمع يكون المتدين (في صراعاته الاجتماعية) كالآتي:

(أ) أنه لا يخطئ في القول ولايزل به اللسان، ولا يتلفظ على الآخرين سوءا، ولكي تكتمل هذه القداسة اللسانية كان لابد من تفسير مقبول للغيبة التي تصدر منه(كبشر غير معصوم)، وللكلمات الجارحة التي يتلفظ بها في حق الآخرين، وسيأتي تبرير مختصر وواف لذلك، فالأمر يسير وغير مقلق.

(ب) وهو يستحيل أن يخطئ في التصور والحكم على الأمور أو الأشخاص أو الموضوعات، إذ الخطأ نقص وهو لا ينسجم مع النظرة المفترضة، وحينها تكون المواقف والأحكام المتخذة بشأن الموضوعات والأشخاص هي كلام مقدس صادر من متدين.

(ج) أما الخطأ في السلوك فغير ممكن في حق المتدين، لأنه لا يسيء للآخرين، ولا يتجاوز عليهم، ولا تغرر به نفسه، ولا يغلبه شيطانه، ولا يتصارع على حطام الدنيا ومصالحها،ولا أثر لشهواته ورغباته عليه.

أصحاب هذه النظرة يجيبون على السؤال السابق، هل يتصارع المتدينون؟ بالنفي القطعي إذ الاحتمال غير وارد ولا متصور وليس ممكنا،خصوصا حين يكون الطرفان متدينين، فلا يمكن حدوث النزاع أو الصراع أو الاقتتال بينهما، لما سبق الحديث عنه من الانطباع والتصور المرسوم في الأذهان عن المتدينين، وكل ما يحصل مما نراه على أرض الواقع من غيبة وصراعات وتشنجات واتهامات، ليست أمورا مقلقة، وتبريراتها ليست عصية وصعبة، فما نلمسه من نزاعات هو أداء لواجبات وتكاليف شرعية هدفها رضى الخالق عزّ وجل، وليس صراعا كما يعتقد المشككون، وحتى التجهم والتدابر وجفاف الابتسامات بينهم كلها ضرورات لأداء الواجب الديني.

هذه النظرة بقدر ما هي مفيدة (مع غفلة الناس) في احترام المتدين وتقديسه، وتقديمه على غيره في الرأي والمكانة، هي الأخرى سلبية وخطرة لأنها مبنية على أساس هش ضعيف، أو على أقل التقادير غير متين ومكين، فهي على شفا جرف هار.

إنها ومع أول يقظة فردية أو اجتماعية تتفتح فيها العيون على خطأ يرتكبه المتدين، سواء كان خطأ في القول أم الفعل والسلوك، وتنكشف فيه تلك التبريرات الواهية، تتبخر وتتلاشى كل تلك العظمة والقداسة، ليس عن شخص المتدين الذي صدر منه الخطأ فحسب، بل تنسحب الصدمة وخيبة الأمل إلى كل المتدينين، ثم تتدحرج إلى القيم الدينية التي قد تصبح في نظر المثالي مجرد هلاميات وخيالات ونظريات مما ينبغي أن يعلم وليس مما ينبغي أن يعمل، فما دام رواد القيم والمتحدثون عنها والمتلبسون بها من المتدينين غير قادرين على تحويلها إلى واقع فعلي في حياتهم، فإن أحدا لن يستطيع أن يتمثلها في حياته ولا أن يتقمصها بصدق في تصرفاته.

إن الصعوبة حينئذ أن لا تجد القيم مكانا للإيمان بها في النفوس، أو تصبح مجردات غير قابلة للتطبيق والممارسة، فالصدق حسن ولكن لا يوجد صادق على وجه الأرض، والأمانة حسنة ولكن لا يوجد أمين من البشر، وبالتالي يفقد الإنسان الهمة والتصميم على تحويل القيم إلى واقع في نفسه وفي محيطه.

إنها مأساة النظرة المثالية في كل شيء فما أن تصطدم بالواقع أو تكتشف خطأه حتى تنتهي كسراب ليس له واقع محسوس ولا وجود ملموس.

ليت أصحاب هذه النظرة حين يرون النزاع حاصل وواقع يعيدون النظر في موقفهم تجاه المتدينين ليقتربوا من الاعتدال والتعقل، بدل أن يتمسكوا برأيهم وقناعتهم القائمة على الخلط بين هؤلاء البشر وقيم الدين السامية وتعاليمه الحقة.

إن تداعيات هذه النظرة غير خفية فهناك مجاميع كثيرة قررت الاعتزال عن كل شيء، وتقوقعت على نفسها، لأن الصدمة صعبة والواقع غير محتمل، فتحولوا من النظرة المثالية إلى النظرة السوداوية القاتمة التي لا ترى أملا ولا خيرا، ولا تجد دافعا للتفاعل والتعامل مع الواقع الديني، ما دام متدينوه يمكن أن يصلوا إلى هذا الحال. وللموضوع تتمة إن شاء الله.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1690 - الأحد 22 أبريل 2007م الموافق 04 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً