العدد 2255 - الجمعة 07 نوفمبر 2008م الموافق 08 ذي القعدة 1429هـ

وكفى الله الوطنيين شرَّ الجدال!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

يمكن الجزم بأن الأمين العام لتنظيم «وعد» إبراهيم شريف قد وضع هذه المرة جميع النقاط على الحروف، وقدم مصارحة نقدية حقيقية وراقية وجسورة لا مناص من الجهر بها، وذلك من خلال مقابلة نشرت في إحدى الصحف المحلية، وقد تطرق شريف من خلالها إلى الوضع البائس للمعارضة البحرينية من بعد وصول ومشاركة «الوفاق» في البرلمان، ومستقبل التنسيق ما بين قوى المعارضة بوطنييها وطائفييها، والموقف المتوقع والمرتقب من الانتخابات النيابية في 2010 الذي يرجع ويرجح فيه شريف خيار المقاطعة.

ومثل تلك المصارحة الضرورية والإقرار المحكم يتجلى بحق في قول إبراهيم شريف عن «الوفاق»: «مادامت الوفاق ذراعا سياسية للمجلس العلمائي فهي لا تستطيع تمثيل كل طوائف الشعب. نحن ندعو إلى تحول الأحزاب السياسية الإسلامية إلى أحزاب وطنية تتشكل قياداتها من أبناء الطائفتين وتفك ارتباطاتها بطوائفها».

وشريف إنما بذلك انتصر بحسم للخط والغاية السامية المثلى لـ «التيار الوطني الديمقراطي» وأسكن «الوفاق» مسكنها المناسب من بين سائر التيارات السياسية ذات الصبغة والمنحى الطائفي المؤصل، فشتان روحا وعقيدة سياسية ومسعى وغاية ما بين «وعد» أحد الأعمدة الأساسية لـ «التيار الوطني الديمقراطي» وما بين «الوفاق» الممثل لخط «ولاية الفقيه» وهو التنظيم المكون والممأسس على أسس طائفية جذرية كأشقائه في «الأصالة» و»المنبر» و»العمل الإسلامي» وغيرهم، وهم ذو الخطاب والموقف السياسي الطائفي والداعون إلى المحاصصة الطائفية التي لن تحل الأزمات إلا إذا مكنت عناصرهم وكوادرهم الطائفية ضد بعضها بعضا، وانتصرت طائفة وفئة على أخرى!

وشريف أبدى معارضته الصارمة لحالات عدة وشبيهة نشهدها في واقعنا لتيارات دينية تبني مواقفها السياسية الوصائية، وتعين وتنتخب كوادرها التشريعية على أسس توصيات وتزكيات وأوامر من رجل دين، وربما كما هو حال «الوفاق» التابعة إلى «المجلس العلمائي» ورئيسه الشيخ عيسى قاسم، فقال بوشريف عن تلك الحالات المعهودة في منطقتنا: «من حق رجل الدين أن يعبر عن رأيه ويحشد الأنصار ويدعم المرشحين، ولكن ليس من حقه اعتلاء المنبر للهجوم على خصومه من دون أن يكون لهم حق الرد من على المنبر نفسه. كما ليس من حقه أن يشرّع للناس، بدلا من مجلسهم النيابي المنتخب في انتخابات حرة وعادلة ونزيهة، فنحن لا نؤمن بدولة ثيوقراطية على الطريقة الإيرانية يتدخل فيها مجلس صيانة الدستور في قبول ورفض المرشحين في الانتخابات كما يتدخل بعض مسئولي الدولة لدينا في رسم الدوائر الانتخابية».

ولعل من استوعب كلام الشريف وحكمه الواضح تجاه حالة «الوفاق» إنما يستنتج في النهاية أن «الوفاق» كغيرها من تنظيمات سياسية طائفية تدار من قبل رجال الدين إنما هي جزء لا يتجزأ من معادلة الأزمة الحالية للمشهد الاجتماعي والسياسي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون حلا وبديلا إيجابيّا وحقيقيّا يفك هذه الأزمة، وشريف بالتالي قد جدد الأمل بصحوة الوعي والضمير واستعادته لدى القوى الوطنية في البلد وأعاد إلينا في كلامه ذلك قبسا من مواقف وتصريحات ومساعي والد البحرينيين المناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي (شافاه الله وعافاه) عسى ألا تختطف «وعد» من قبل البعض من شلة «وفاقيي وعد» المكشوفة للجميع من أعضاء التنظيم وأصدقائه، وهم الذين يودون أن يروها مأسورة وتابعة إلى تنظيم طائفي مثل «الوفاق» ليس لسبب سوى أن هذا البعض مازال منحازا بشدة إلى انتمائه الطائفي والمناطقي وإن ألبسه حلة وطنية وتقدمية فارغة!

وشريف ذكر أيضا في المقابلة أن «القوى الإسلامية المعارضة لا تطرح بديلا للخروج من الحالة الطائفية؛ لأنك لا تستطيع محاربة الطائفية بطائفية شعبية تخرج منتصرة لعالم دين ضد تصريحات عالم دين يثير الفتن أو مسئول دولة من الطائفة الأخرى»، كما كشف عن بؤس وضع المعارضة الحالي نظرا إلى ضيق الوقت وإلى غياب «المراجعات الجادة»، ففضح حال البعض ممن وصل وعجبته حالته الجديدة، فقال: «المقعد النيابي (عزيز) لدى البعض والتخلي عنه تضحية قد تتسبب في مشكلات داخلية كبيرة لدى الطرف الذي سيتخلى عنه، ربما أكثر مما كانت ستتسبب به العام 2006» ، وهو يعرف جيدا ولا يفوته أن «التيارات الإسلامية السياسية» وعبر تجربتها البرلمانية الفاشلة قد أثبتت فشلها الذريع، فهي لا تنفك عن المحاصصة والإثارة الطائفية وحجز المقاعد الوظيفية لكوادرها في مؤسسات الدولة، والمساومة على حساب القضايا الوطنية الكبرى، كما هي وجميعها لا تفلح إلا في ملاحقة ورصد الراقصات وحفلات المراهقين و»الديسكوات» في الوقت الذي يتضور فيه الشعب جوعا، ويفتقر إلى السكن الملائم، وتتراكم قضاياه الوطنية منذ عقود على فقرات ظهره حتى تكاد ان تهشمها!

ولذلك فالدور والمستقبل قد يعود لينصف «التيار الوطني الديمقراطي» الذي تعود الكرة إلى ملعبه ليثبت فشل تلك التقديرات العاطفية الجامحة التي بنيت حول هذه التيارات، وليعيد العمل السياسي إلى رشده ونضوجه الوطني وسكَّته الصحيحة في الوقت الذي ما أن تخير فيه «الوفاق» بين مصلحة الحزب والطائفة أو مصلحة الوطن حتى ما تنحاز إلى الخيارين الأولين من دون تردد، وأبو شريف يؤكد ويعترف بشجاعة أمام أبناء شعبه «لم تجرَ مراجعة سياسية بين «الحلفاء» عن الأخطاء التي صاحبت الدخول في تجربة الانتخابات العام 2006. من دون هذه المراجعة وإعمال النقد الذاتي لن يتم تصحيح أخطاء الماضي»!

وما نحتاج إليه بقوة في هذه المرحلة هو أن يحول إبراهيم شريف تصريحاته التي أتت في وقتها إلى مبادرة وبرنامج سياسي عملي منظم، فإن كانت البوصلة متجهة إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية فالقائمة الوطنية الموحدة خيار لا رجعة ولا محيد عنه رضت «الوفاق» بذلك أم لم ترضَ به، وإن كانت المقاطعة هي البديل الذي يرجحه شريف في قوله: «هناك اتجاه قوي داخل الجمعية يدعو إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة. فلو شاركنا فإن الغالب أن منيرة فخرو وإبراهيم شريف لن يترشحا مجددا»... فهو إنما يعمل بذلك على تجميد وإزاحة تصور قوي جدا بالشارع قد رسم توقعات بسعي إبراهيم شريف الحثيث إلى استخلاف النائب عزيز أبل في دائرته بالانتخابات المقبلة مهما تكن النتيجة، وإن كانت الناس لم تستيقظ بعد من الصدمة الخادرة والمثبطة من أداء النائب عزيز أبل حتى هذه اللحظة، وبالتالي فإن التعويل أكثر من اللازم على المقعد النيابي كخط وحيد للعمل السياسي وحشر التنظيم ضمن هذا الخط يعد انتحارا سياسيّا وحماقة كبرى، فهل أجهض شريف بقوله هذا ذاك التصور الشعبي المتنامي بنشاط؟!

أقولها بحق لقد أعجبتني كثيرا نبرة الأمل المنتعشة في قول شريف: «هناك جمهور كبير غير مسيس ويجب استقطابه للحركة الوطنية المعارضة وسيكون ذلك مكسبا لكل حركة المعارضة إن تم. نحن تيار سياسي مدني لا نؤمن بهيمنة رجل الدين ولن يأتينا مؤيدون يؤمنون بولاية الفقيه أو المجلس العلمائي»، وبالأخص حينما استشهد أيضا بتلك المقولة الرائعة للمناضل الوطني عبدالرحمن النعيمي الذي قال: «على المعارضة تسييس كل شيء قابل للتسييس لأن الإنسان الذي يفقه السياسة أفضل من ذلك الجاهل الذي يأخذ أوامره من سلطة حكومية أو روحية».

وعلى رغم كون تلك المصارحة الشجاعة والانتصار للمبدأ والواقعية معا وتجديد الآمال الوطنية قد جاءا في وقتهما، فإنها لن تعجب صنفين من البشر، أحدهما من الخصوم الموتورين الذين يتربصون الفينة وأختها لحشر «وعد» في خانة التبعية إلى «الوفاق» و»التواطؤ معها» على الدولة وغيرها من اتهامات هستيرية شعبوية تسعى إلى محو هذا التنظيم، وهنالك في الجانب ذاته «وفاقيو وعد» سالفو الذكر في هذا المقال وفي سائره، وهم الطائفيون المقنعون الذين يصابون بلوثة هستيرية ونزلة معوية حينما تنتقد «الوفاق»، وهم الطائفيون الذين لا يعرفون من الوطنية إلا ارتداء الفانيلات «الوعدية» الفاقعة، ولكن على رغم كل ذلك فقد كفى الله الوطنيين شر الجدال، مع العلم أن الوطنيين ليسوا أبدا من الصنفين الأخيرين من أعداء الحق والحقيقة!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2255 - الجمعة 07 نوفمبر 2008م الموافق 08 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً