العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ

اقتدوا بالكيان الصهيوني ولا تطبّعوا معه!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

نقولها صراحة وجهارا لأنظمة الغنيمة العربية وعروش البؤس الراهن: اقتدوا بالكيان الصهيوني صونا لكيان أوطانكم وتدعيما لهياكل أنظمتكم السياسية، ولا تطبعوا معه وتمكنوا له تسولا لقطرات أخرى من حياتكم السلطوية البائسة، وجدوى البقاء العابر استراتيجيا على خريطة الشرق الأوسط الكبير بذات الحدود!

وإذا ما أردتم النأي بعيدا عن مواجهة الكيان الصهيوني احتراما للواقعية السياسية، فاقتدوا ببنائه التشريعي والسياسي والاقتصادي المؤسساتي، اقتدوا بإنفاقه على مجالات التنمية البشرية المتنوعة، اقتدوا به في احترامه وتقديره للحريات العامة والخاصة والحريات العمالية والنقابية، اقتدوا به في معرفته لكيفية الدفاع عن مصالحه «القومية» ودفاعه عن مواطنيه، وعلى البعض أن يقتدي بعلو ومهابة مكانة الجنسية الوطنية في الكيان الصهيوني التي يسيل لعاب أباطرة المافيا الروسية والمليارديرات وراءها، وعليهم أن يقتدوا به في أنظمة المحاسبة الإدارية لمختلف أجهزة الدولة بدءا من رئيس الدولة وغيرها من موجبات الاقتداء الأخرى، وإن أطبق وأطلق على جميع ذلك بـ «ديمقراطية المافيا».

بغض النظر عن ما يفتقده الكيان الصهيوني من شرعية أصالة تاريخية كالتي تزعمون، وبغض النظر عن ما يعيشه من أزمة انفصام وتشظٍّ تاريخي بين لاهوت الأمة، ومختبر الأيديولوجيا الفاقدة لمعيارية الزمن، وحالة الدولة المدنية الحائرة في اختيار هوياتها وطبائعها الثقافية، وذلك على العكس من أوضاعكم في بلدانكم التي حسمت جيدا، وخياراتكم المخفورة بأجهزة استخبارات سلطوية قوية، والمحفورة في أجساد شعوبكم أغلى ما تملكون كما يأتي في خطبكم العصماء، وتصريحاتكم البلاغية المحبوكة جيدا بإسراف يقتطع من الموازنة العامة.

يقولون إن التطبيع مع الكيان الصهيوني هو خيار حتمي وضرورة استراتيجية باعتباره قد أضحى أمرا واقعا عكس أمس، وأصبح جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، وبالتالي من العبث السياسي والكذب الرسالي تجاوز مثل هذه الوقائع والتفريط بـ «مصلحة الشعب» لأجل أساطير قومية وأممية ومزايدات شعبوية.

ويضيف بعضهم الآيل للتطبيع مع الكيان الصهيوني بأننا سنتجه نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بعدما يقر بشرعية قضيتنا القومية الأولى (ربما يعني «يبطي» أو «في المشمش»)، وسنعمل على تعزيز المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة، وسنعزز علاقاتنا بشأن مصالح دولنا مع القطب الأميركي الأوحد إلا أننا إذا ما أردنا أن نتجه إلى إنشاء لوبي «عربي إسلامي» في واشنطن على غرار اللوبي الصهيوني فسنحتاج على الأقل إلى 100 عام، والفرد منا يقف حائرا أمام مثل هذا القول الأخير ويتساءل عن جدوى الزيارات التاريخية المتألقة والجهود الدبلوماسية العربية المتبادلة مع الولايات المتحدة الأميركية والقوى العالمية الكبرى، وكيف أنها لم تؤت أكلها، ولم تنعكس بشكل تراكمي على حماية مصالح البلدان العربية والإسلامية، أو حتى تمكين وتدعيم الأنظمة على رقبة الشعب والأمة، أم أنها كانت فقط عبارة عن زيارات ودبلوماسيات لبحث المصالح والأجندة الخاصة، وتداول للنكات، وأكل لـ «البسكويتات»؟!

البعض من هذه الأنظمة للأسف بات عاجزا عن التفكير في إيجاد آلية إعلامية معبرة ومعتبرة في الدفاع عن نفسه وترويج أهدافه ورؤاه على نطاق داخلي ربما لا يمنحه أدنى اعتبار، وعلى رغم ما يضعه تحت يديه من ثروات هائلة وقدرات وإمكانات جبارة على جس نبض الشارع وتأمل عملية تكون الوعي الاجتماعي التاريخي، فإنه يظل عاجزا عن التذاكي بما فعله بعض إخوته في الرضاعة السلطوية الرجعية من تذاكي عبر تسخير طاقات مالية هائلة لتأسيس إمبراطورية، أو شبكات إعلامية متطورة تتولى تلميع صورته وإبرازها، وقبر فجائعه على نطاق إقليمي ودولي!

ومثل تلك الإمبراطوريات والشبكات مضافة إلى القناة الرسمية الأولى تمثل جميعا الصورة النمطية المراد تعميمها بما تحويه في جنباتها من تحولات وتطورات جوهرية مستمرة وجذابة من دون تكريس حالة الجمود والتخبط والضرب العشواء في كل الجهات، ومحاولة إطعام المشاهدين والمتابعين المطلعين بالملعقة الإعلامية كأغبى ما يكون الاستغفال!

لو سئلت حاليا كإنسان وكفرد وكمواطن عن أي من القنوات الفضائية التي أحبذ مشاهدتها على الدوام، فسأجيب حتما بأنها أولا قناة «الجزيرة» التي بغض النظر عن سلبياتها من إيجابيتها فإنك لا يمكن أن تنكر حقيقة ما شكلته من مجال خارق للعادة والعرف الإعلامي العربي الذي كان ولايزال سائدا حتى وقتنا الحالي، في حين تأتي في المرحلة الثانية الفضائية الإسرائيلية التي لا تأتي متابعتي لها من ناحية معهودة هي «اعرف عدوك الحضاري والكياني والوجودي» فقط، وإنما اقتدِ بعدوك واحترمه جيدا حينما يحترم نفسه، والإعلام الإسرائيلي يفقه كل ذلك الخلق والأدب المهني من منظوره الكياني الخاص ويحترم جميع مشاهديه حول العالم.

الإعلام الإسرائيلي هو إعلام ذو رسالة ورطانة سياسية واضحة ينطلق بتأديتها باحترافية متقنة فيما يمتلك من أدوات وإمكانات، وهو يحترم مشاهديه وذكاءهم حينما يسمي الأشياء بمسمياتها على الأقل، فلا يستضيف ناشطا ومحللا كهربائيا، أو متخصصا في جمع «القواطي»، أو خبيرا متخصصا في تبديل الوظائف يفشل كل مرة، وآخر اختصاصيا في نهب الكلمات والحروف، ليطلق عليهم جميعا مسميات مراوغة وفضفاضة هي «نشطاء سياسيون» أو «بحاثة استراتيجيون» أو «محللون سياسيون»، وهم الذين لا يخبرون السياسة فكرا أو ممارسة، ولا يعرفون من أمرها شيئا اللهم سوى مهارات التسلق والتصيد والانتهازية، وذلك على العكس تماما مما فعل ويفعل إعلامنا الذي لا يحترم الغنيمة أو العائلة العربية «الغشيمة»!

الإعلام الإسرائيلي كغيره من إعلام حرفي يعطي لكل قضية تمس الشأن الداخلي الصهيوني حجمها ووزنها المناسب، فيستضيف ويستجمع بشأنها مختلف الآراء القديرة والجديرة والمتخصصة في هذا الشأن والممثلة لمختلف التيارات الموجودة في الكيان الصهيوني، فيدور النقاش الحيوي بصراحة منقطعة النظير تحت مظلات أسئلة كبرى تمس وجود هذه القضية من شتى النواحي، بدلا من أن يستضيف مثل هذا الإعلام أناسا أصحاب عورات مكشوفة، ولا شأن لهم في مثل هذه القضية وغيرها، ومنهم من احترقت جميع أوراقه وأرصدته بعد أن تورط في فضيحة كبرى ظلت مثارا للجدل، على عكس إعلامنا الذي يعيش أحلك عصوره التي يسطع من خلالها ذهب المرتزقة والطفيليين باسم جميع المسميات البراقة، ولا يعرف لغة التمويه السياسي أبدا وإن اطلع على بعض مفرداتها!

إعلامهم يقدم للمشاهد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لنصب «الشهيد الدرزي» الذي فدى بروحه «إسرائيل»، ونصب «الشهيد البدوي» الذي حمى بجسده «إسرائيل»، ونصب «الشهيد العربي» الذي دافع عن «إسرائيل»، ونصب «الشهيد اليهودي» الذي قتل لأجل «إسرائيل»، في حين يتجاهل إعلامنا كل الشهداء إلا من رحمه جميع الأرباب، ويحدث المشاهد عن حروف من ذهب وهو الذي يراها أمامه حروفا من ماء وغثاء وهراء.

إعلامهم يجمل صورتهم ويحسن من مظاهرهم، في حين يعكس إعلامنا مظاهر تخلفنا وفشلنا وأزماتنا الكامنة في تجاويف العمليات الإصلاحية المختلفة والمتعاقبة، فنكون بالتالي أهلا للتطبيع لا الاقتداء، على رغم كون إعلامنا، أي إعلام الشبكات لا المؤسسات، لم يطبع علاقته قط مع المشاهد الذي انصرف عنه إلى فضائيات أخرى أكثر جدوى ونفعا واحتراما له، وأكثر قدرة على تسمية الأسماء بمسمياتها، وتقدير حجم القضايا، وحجم الضيوف الذين تجرى معهم المقابلة.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1707 - الأربعاء 09 مايو 2007م الموافق 21 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً