العدد 1713 - الثلثاء 15 مايو 2007م الموافق 27 ربيع الثاني 1428هـ

الحراك النسوي في التيار الديني

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

في فترة من الفترات وإبان العمليات الانتخابية أو قبلها بقليل كان هناك تركيز أكبر على محور المرأة وعلى القطاع النسائي رغبة من الصحافة والإعلام في أداء دورها، في حين بوصلة الاتهامات تضيع طريقها فتارة توصف التيارات الدينية بأنها أحد المعوقات وتارة أخرى توصف التركيبة المجتمعية بأنها السبب الحقيقي وتارة وتارة... فأصبع الاتهام لا تزال تتجه يمنة ويسرة، محاولة أن تلقي أصابع الاتهام وتلقي الإدانة على المتهم الحقيقي وإن كنا في قرارة أنفسنا نعلم يقينا بأن هناك خلطة مركبة ومعقدة من الأسباب والعوامل والمعوقات اجتمعت لتعقد المشهد أكثر فلا يدان طرف على حساب طرف آخر والجميع براء من دم يوسف (ع) ما عدا إخوته.

مجموعة من الإعلاميين حملوا على أنفسهم مهمة التحليل والاستقراء ولو بعد حين كانت هناك لقاءات واستطلاعات، وكان طبيعي أن يتم التركيز على الناشطات في الحراك النسوي، والعاملات في الساحة، أتذكر جيدا أن إحدى القرى كانت ترغب في إصدار مجلة في موسم عاشوراء ومن بين المواضيع التي رغبت في الكتابة والبحث عنها هو الحراك النسوي الديني، وكان من المقرر أن يجرى اللقاء معي وقد حصل فعلا ولكن عندما تكلمت مع المحاور بكل شفافية وصراحة، سر كثيرا ولكن هناك من يرغب في أن يكون اللقاء بطعم آخر فما كان منهم إلا أن اعتذروا عن نشر اللقاء معتقدين بأن ما قلته يعد تجريحا أو انتقادا لاذعا للوفاق محاولة أن أبين الحقيقة بلا زيف كونها تخدم الموضوع، بعكس المداراة واللف والدوران التي لا تخدم القضية، مقتنعة بالقناعة التي أحملها ومتحملة النتائج بأكملها، وفيما يأتي تلخيص لأهم ما جاء في اللقاء...

الحراك النسوي الديني لا يزال فقيرا، على رغم وجوده الفعلي في القرى وفي المآتم والمساجد، فهناك عمل جبار تقوم به ناشطات خلف الكواليس. فالتيار الديني عموما غير مشجّع أو مساعد للمرأة ، لا لكونهم ينظرون إلى المرأة نظرة متخلفة ولكن لكون وجود المرأة في بيتها ودورها الكبير داخل أسرتها أهم بكثير من أدوارها الاجتماعية الأخرى وأسباب أخرى تتعلق بحقيقة المرأة ذاتها وهو خمولها وعدم رغبتها في تنظيم عملها أحيانا على رغم أهميته وحجم عطائها أحيانا أخرى فيوصف بأن عملها مبعثر بلا تنسيق بخلاف الحراك الشبابي الموصوف بالمنظم.

التجمل بالحراك النسوي سمة مشتركة لكل التيارات الليبرالية والإسلامية بلا استثناء، ذلك أن مواضيع المرأة لم تصل إلى المستوى المطلوب من الاهتمام لديهم، ولكن الفرق أن التيار الديني لديه مبررات شرعية وعوامل اجتماعية وثقافية في بعض تحفظاته، في حين الطرف الآخر ليس لديه أي مبررات. وأعتقد بأن الوضع المتردّي للمرأة سببه سطوة التراث الذكوري الذي يفرض هيمنته على كل التيارات والمؤسسات من دون استثناء، إلى جانب الفهم الديني الخاطئ للمرأة كان سببا ضمن مجموعة أسباب اجتماعية وتاريخية متوارثة ظالمة للمرأة، ومجتمعنا مازال ذكوريّا حتى النخاع، ويمارس إقصاءه للمرأة ويهمش أدوارها، وليس بجديد القول إن وضع المرأة في عصر الرسول متقدم بكثير على وضعها الحالي، إذ كانت النساء يعشن عصرا ذهبيا لا تمييز بينهن وبين أخيهن الرجل البتة. وبالتأكيد لو كانت هناك فقيهات لتغيّر المشهد المتعلق بالمرأة كثيرا، ولا نعكس هذا بشكل إيجابي على الفهم الديني للمرأة وكذلك بالنسبة الى وضعها الثقافي والاجتماعي والسياسي وحتى المعيشي.

فحتى الآن لا توجد حركة نسوية من القوة بحيث تفرض على الرجال شيئا، وذلك لأنها مازالت إلى الآن تستجيب بدرجة كبيرة لآراء رجال الدين وتعمل برؤاهم ولا أرى في ذلك أي حرج، والتغيير الذي حصل في الحق السياسي جاء بمبادرة حكومية، فلم يكن الإنجاز ينسب إلى الإرادة الشعبية. وأظن أن هناك تغيرا في نظرة رجال الدين بالنسبة الى المرأة، وأنا أعوّل كثيرا على الزمن في سبيل تغيّر أكبر. ففي السبعينات كانت تنتشر ظاهرة سفور المرأة إلى جانب صراعات التحرّر وانعدام الوازع الديني؛ الأمر الذي جعل رجال الدين يقفون ضدها في حقوقها، ولكن اليوم تغيّر الفهم والزمن كفيل بالتغيير.

والمجتمع البحريني عموما محافظ ومتديّن ويحترم وجهات نظر رجال الدين ويقدّرون مكانتهم العلمية والاجتماعية. لا أظن أن هناك أصلا منْ يجرؤ على مخالفتهم أو الاختلاف معهم، فكيف للمرأة التي أصلا تستجيب لما هو موجود في مجتمعها. إلى جانب كون المرأة تثق في رجال الدين ثقة كبيرة.

فهناك طاقات فكرية جيدة، ولكن تحتاج إلى مناخ وأرضية مناسبة تحقق لها أسباب النمو، ولعل قسوة المجتمع وعدم تسليط الضوء على التجارب النسائية لعب دورا في إخفاء المرأة المنظرة. فمازالت قراءة الرجال لموضوع المرأة سطحية، وتدور في حلقة مفرغة، والمرأة هنا دفعت الضريبة. هناك توجهات في «الوفاق» لتمكين المرأة إذ تمتلك رؤية إيجابية تجاه المرأة وتمارس المرأة عملها بكل احترام، ولكن «الوفاق» لوحدها لا تستطيع أن تحقق المعجزات في ظل غياب التفاف نسائي وإسناد من الأسر والمجتمع، فالمرأة لا زالت محكومة بالتقسيم الجائر للأدوار، إذ إن الرجل يستطيع إقفال باب غرفته ليتفرغ للعمل التطوعي أو أن يخرج من المنزل ويترك كل المسئوليات للمرأة، أما المرأة فهي مربوطة بالأولاد ومسئوليات المنزل ولا من معين! وفي النهاية لن يعطي الرجل للمرأة حقوقها ما لم تسعَ هي للحصول عليها، فبعض العناصر المتحمسة لحقوق المرأة صارت تحس أنها تدفع في جثة هامدة من النساء.

كان ذلك جزءا من اللقاء وكان لأحد كتاب الأعمدة تحليل خاص لصاحبة المقال أبينه للقارئ الكريم «جزءٌ من منتوج النسوية الإسلامية غير المكتملة في البحرين، ويعني ذلك أن ثمة إشكالا داخليا مازال يعتري الجهود النسوية ذاتها لأجل انتزاع الحقوق الكاملة وتصحيح التصنيفات الذكورية للأدوار» - الكاتب وضع يده على الجرح - داعيا إلى أهمية «الاعتراف بأنّ هذا الإشكال ليس تهمة خاصة بالجماعات الدينية، بل هو صنيعة الموروث التراكمي الذي صاغ مقولات توزيع الأدوار الظالمة بين الرجل والمرأة وآمن بها المجتمع بمعونة الخطاب الدّيني الذي حوّل المرأة دائما إلى إشكالية شيطانية تراود الرجال» - مؤكدا - «إنّ التجربة العملية والاحتكاك اليومي ببؤر التجاذب والاتصال المجتمعي أهمّ بكثير من الإعدادات النظرية والتجهيزات التربوية الكلاسيكية التي توجّه المرأة، المتدينة نفسها.

ففي ميدان التجربة ستتوافق المرأة الملتزمة مع مرجعيتها الدينية، وستكون ملتزمة بالحجاب مثلا، ولن تتردّد في إعلان الوفاء للمعجم الديني الذي ترفده هذه المرجعية».

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1713 - الثلثاء 15 مايو 2007م الموافق 27 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً