العدد 1713 - الثلثاء 15 مايو 2007م الموافق 27 ربيع الثاني 1428هـ

تراجع الحريات

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

الفساد آفة مجتمعاتنا، فإن تحالف معه الاستبداد، يصبح الهمّ همين...

تتراجع الحريات، ويتقدم الفقر والعجز، ويتحالف القهر السياسي مع الاختناق الاجتماعي الاقتصادي، ويتشابك الاحتقان مع الاختناق!

والناظر إلى حياتنا هذه الأيام يلحظ بلا شك هذا التراجع والاحتقان والاختناق، بينما شعار الإصلاح الديمقراطي والاقتصادي يصم الآذان، ولكنه لايزال ضجيجا بلا طحن، زرع بلا ثمار، أشجار بلا جذور، ولا فروع ولا أوراق خضراء.

تحدثنا طويلا في السابق عن تراجع الحريات السياسية، وضيق الأفق الإصلاحي، حتى صار كالبرزخ المسدود، لا تواصل ولا اتصال، اليوم نتحدث عن تراجع الحريات الصحافية والإعلامية، وصخب الثرثرة الذي لا يؤثر ولا يغيّر ولا يساعد على التقدم والبناء والتراكم المفيد، فإن غاب عنه القول السديد والحوار الرشيد والاشتباك الفكري المنتج، فكيف نطلب التقدم؟!

من باب التكرار الذي يبدو مملا، نقول إن حرية الصحافة والرأي والتعبير، جزء أساسي من الحريات العامة، وهي قاطرة الديمقراطية السليمة، ومنارة الحكم الصالح الرشيد الذي نلوك شعاراته من دون أن نطبقه على أرض الواقع، فإن غابت هذه الحرية أو قيدت وغيبت، فلا أمل في تطبيق قواعد الديمقراطية المبتغاة!

شهر مايو/ أيار من كل عام، هو شهر حرية الصحافة، فقد أقرت الأمم المتحدة في العام 1993، يوم الثالث من مايو عيدا لحرية الصحافة، تحتفل به الأمم وتزايد عليه الدول والحكومات، وتتجدد فيه أحزان الصحافة والصحافيين.

وفي السادس من مايو من كل عام يحتفل الصحافيون العرب بعيد الصحافة العربية، يجترون فيه، المصاعب والمتاعب، التي تعوق عملهم وتعرقل أمل انطلاقهم، من دون أن ينكروا أي تقدم في هوامش الكلام وحرية الثرثرة هنا أو هناك... وغدا يطلق اتحاد الصحافيين العرب تقريره السنوي عن أوضاع الحريات الصحافية في الدول العربية، ولا نظن أنه سيكون أفضل حالا عما قبله.

في مايو إذا تتسابق منظمات دولية عدة، في إصدار تقاريرها السنوية عن حال حرية الصحافة، تقدما وتراجعا، تنقد وتفند، هجومها أشد من دفاعها، فأوضاع هذه الحرية في تراجع غريب، على رغم كل إنجازات ثورة الديمقراطية وحرية الرأي والصحافة وانسياب المعلومات من مصادر متعددة عبر العالم، الذي صار فضاء مفتوحا، وبعد أن سقطت قيود الرقابة والمنع والمصادرة والتشويش، وبعد أن تغلبت تكنولوجيا الاتصال وتبادل المعلومات واستقاء المعرفة وحرية الرأي، على كل ترسانات الحكومات المتشددة المتعسفة وألاعيبها الزاجرة!

أمامي عدة تقارير صادرة هذا الشهر والشر الماضي، عن منظمات دولية معتبرة، تخصصت في الدفاع عن حرية الصحافة، مثل تقارير منظمة «صحفيون بلا حدود»، ولجنة حماية الصحافيين، ومنظمة المادة 19، والمعهد الدولي للصحافة، فضلا عن تقرير اتحاد الصحافيين العرب، وتقرير مرصد الحريات الصحافية، وتقرير الملتقى المصري للحوار والتنمية وحقوق الإنسان تحت عنوان دعاة الحرية.

وملخص ما يمكن أن نخرج به من هذه التقارير الدولية والمحلية، هو أن أوضاع حرية الصحافة والرأي والتعبير لدينا، في تراجع وليس في تقدم، فالتقدم والإنجاز والاختراق حدث في بلاد أخرى، إن كان معظمها في العالم الصناعي المتقدم، فإن دولا صغيرة وفقيرة حديثة النشأة، في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، قد اخترقت أسوار القيود، وأنتجت صحافة حرة وإعلاما مستقلا، بأسرع وأعمق مما فعلنا نحن، فهل كانوا هم أقل استبدادا وأكثر انفتاحا وحرية منا، أم نحن كنا أشد تحفظا وجمودا وأكثر تمسكا بقواعد الاستبداد.

يقول عبدالرحمن الكواكبي في كتابه الأشهر «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» إن أشد مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان، هي حكم الفرد المطلق، الوارث للعرش والقائد للجيش والحائز على السلطة الدينية.

وهكذا فإن ما حذر منه الكواكبي في مطالع القرن العشرين، أي قبل أكثر من مئة عام، لايزال قائما جاثما على الصدور، جامعا في قبضته السلطة المدنية مع السلطة الدينية، عائما على بحور من الاستبداد والفساد، محتميا بالسلطة المطلقة والأمن القاهر، والإعلام المروج والصحافة التابعة، بعد تقييد حريتها.

وأية ذلك أن يباشر الإصلاح وإطلاق الحريات ووعود تحرير الصحافة والإعلام من الأسر الحكومي، التي ظهرت على استحياء خلال العامين 2004-2005، ربما تزويقا للصورة وتلميعا للوجوه، سرعان ما تراجعت خلال العامين 2006-2007، بعد أن اطمأنت حكوماتنا الرشيدة، أنها نجت من الضغوط الخارجية، من ناحية، وتغلبت على المطالب الشعبية والضغوط الداخلية من ناحية أخرى.

وعلى رغم الأحاديث الصاخبة والديكورات الملونة والشعارات الزاعقة، عن الإصلاحات والممارسة الديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، فإننا لا نكاد نتأكد من حدوث تقدم عملي واسع في المجال الديمقراطي، ولا في مجال الحريات العامة الأساسية، وخصوصا حرية الصحافة بحيث تنطبق عليها المقاييس والمعايير الدولية المعترف بها والمتعارف عليها عالميا.

والدليل أن التقارير الدولية الخاصة بحرية الصحافة السابق ذكرها، قد وضعت حالنا في أدنى درجات سلم ومؤشر حرية الصحافة والرأي، فبعض الدول العربية، وهي قليلة للغاية، دخلت في تصنيف «صحافة حرة جزئيا» وبعضها الآخر في تصنيف «صحافة بدون حرية تماما» أما التصنيف الثالث فقد ضم الدول التي شهدت تراجعا في حرية الصحافة، بعد بشائر تقدم سابق مثل مصر والمغرب، وقد صنفتا ضمن العشر دول الأكثر تراجعا في هذا المجال، مع إثيوبيا والكونغو الديمقراطية وغامبيا وباكستان وتايلند وأذربيجان وكوبا وروسيا.

والغريب أن تصبح مصر والمغرب تحديدا، ضمن العشر دول الأكثر تراجعا فيم مجال حرية الصحافة، وقد كانتا تعتبران من دول الهامش الديمقراطي، التي تشهد انفتاحا ما في حرية الصحافة والرأي داخل إطار سياسي محدود، مع دول مثل لبنان والأردن والكويت واليمن والبحرين... فماذا جرى؟!

لكي نجيب، علينا أن نتعرف على المعايير الدولية المتعارف عليها، لقياس حرية الصحافة، ثم نتعرف على أنواع انتهاكات هذه الحرية، التي صارت شائعة في أكثر من مكان، ثم نقارنها بما يجري لدينا لنعرف ونتعرف!

تتلخص المعايير الدولية لحرية الصحافة في الآتي: حرية إصدار الصحف، إطلاق حرية الرأي والتعبير، الإعلام المستقل عن ملكية الحكومات، إلغاء الرقابة المباشرة وغير المباشرة، ضمان حقوق الصحافيين المعنوية والمادية، خلو القوانين والتشريعات من القيود، حرية تدفق وانسياب المعلومات، إلغاء كل أشكال العقوبات السالبة للحرية في قضايا الرأي والنشر «حبس الصحافيين».

على النقيض تأتي أنواع الانتهاكات التي تعرقل حرية الصحافة، وهي الرقابة الحكومية بكل أنواعها، الملاحقة القانونية والقضائية بتهمة القذف والسب والتشهير، وقتل وخطف الصحافيين، كل أشكال الاعتداءات العنيفة ضد الصحافة، سجن واعتقال الصحافيين وأصحاب الرأي، التهديد المباشر وغير المباشر من جانب الحكومات أو المنظمات أو الأفراد.

فإن حاولنا تطبيق معايير حرية الصحافة على أوضاعنا، نجدها فقيرة ومحدودة ومحكومة، وإن طبقنا أنواع انتهاكات حرية الصحافة المذكورة نجدها كثيرة ومتصاعدة، بعضها خارج نطاق القانون، وبعضها الآخر باسم قوانين متشددة وتشريعات معادية للحرية أساسا... النتيجة واحدة في نهاية الأمر!

ومن ثم فلا غرو ولا غرابة أن تجد انتهاكات واضحة لحرية الصحافة وأمن الصحافيين في بلادنا، في ظل قوانين الطوارئ والعقوبات والمطبوعات والصحافة على اختلاف تلويناتها، وأن نجد عقوبات حبس الصحافيين مازالت سارية، في دول الهامش الديمقراطي مثل المغرب والأردن واليمن ومصر، على رغم التعديلات الأخيرة، التي تناولت أربع مواد خاصة بعقوبة القذف والسب، في قانون العقوبات المصري، لكنها أبقت عشرات المواد الأخرى في القانون نفسه وقوانين أخرى عدة... تعاقب وتحبس!

إن المراوغة التي نجحت فيها ترزية القوانين المعادية لحرية الصحافة والرأي، تمثلت في الإيحاء بإطلاق هذه الحرية، لكن الواقع ظل كما هو، فقد جرت فعلا تعديلات محدودة في القوانين لتخفيف بعض العقوبات، مثل تلك الواردة في قوانين الصحافة والمطبوعات، لكنها أحالت الأمر إلى مواد أخرى واردة في قوانين أخرى مثل قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية... فما أعطي باليمين تم سلبه باليسار، وبقيت القيود الترويعية قائمة!

ولذلك نقول إن إبقاء حرية الصحافة تحت الضغوط بهذه الشدة، ووضع الصحافيين وأصحاب الرأي أسرى الخوف والترهيب والاعتداء، ناهيك عن الإغراء والإفساد المنظم، لن ينقل تصنيفنا من العشر الأسوأ إلى المئة الأحسن...

بل نقول إن التراجع عن الهامش المحدود والمحكوم لحرية الصحافة، قد أصاب دعاوى الإصلاح الديمقراطي في مقتل، وقدم دليلا واضحا على أن تراجع الحريات والتهرب من استحقاق بناء دولة القانون والديمقراطية، بمزيد من التزويق والتلفيق، إنما يدعم تحالف الفساد والاستبداد. دعونا إذا نعمق ما تبقى من هامش حرية الصحافة والرأي، لنبني ديمقراطية حقيقة، بعيدا عن التخويف والتهديد، وبعيدا عن المن والأذى والابتزاز والتراشق بالألفاظ الخارجة الجارحة، التي تدعي الدفاع عن الديمقراطية... كما تدعي ممارسة حرية الصحافة!

خير الكلام

يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم:

جرائدٌ ما خط حرفٌ بها

إلا لإيهامٍ وتضليلِ

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1713 - الثلثاء 15 مايو 2007م الموافق 27 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً